هل يكون الزواج من الجنّ ممكناً كما يدّعي البعض؟!
(1)
هناك اختلاف بين الإنس والجنّ بحسب الخلقة، فالجنّ مخلوقون من نار، والإنس من طين، والجنّ موجودات أجسامهم لطيفة، والإنس أجسامهم غليظة، ويمكن الزّواج منهم، كما أنّ المؤمنين يتزوّجون من الحور العين في الجنّة، وهنّ من الملائكة، وأجسامهنّ ألطف بكثيرٍ من أجسام الجن.
ولعلّه لا يمكن المقاربة الجنسيّة بين الإنس والجن، ولذا لا بدّ أن تتكثّف وتتغلّظ الجنّ حتّى يمكن رؤيتهم، والمقاربة منهنّ.
هذا هو تعليل إمكان التزاوج بين الإنس والجن.
(2)
وقد ورد في العديد من الرّوايات الواردة من طريق أهل البيت (ع) وقوع التزاوج بين الإنس والجن، ونذكر بعضها:
ـ روايات مستفيضة في تزويج بعض أبناء آدم من الجن:
1ـ الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالدٍ بن إسماعيل، عن رجلٍ من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفرٍ (عليه السّلام) قال: ذكرت له المجوس وأنّهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم وإنّهم يحاجّونا بذلك فقال : أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمّا أدرك هبة الله قال آدم: يا ربّ زوّج هبة الله، فأهبط الله عزّ وجلّ له حوراء فولدت له أربعة غلمة ثمّ رفعها الله فلمّا أدرك ولد هبة الله قال : يا ربّ زوّج ولد هبة الله فأوحى الله عزّ وجل إليه أن يخطب إلى رجلٍ من الجنّ وكان مسلماً أربع بناتٍ له على ولد هبة الله فزوّجهنّ فما كان من جمالٍ وحلمٍ فمن قبل الحوراء والنبوّة وما كان من سفهٍ أو حدّةٍ فمن الجن . (الكافي للكليني: 5 / 569).
2ـ من لا يحضره الفقيه: روى القاسم بن عروة، عن بريد ٍالعجلي عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه، وتزوّج الآخر ابنة الجان، فما كان في الناس من جمالٍ كثيرٍ أو حسن خلقٍ فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء خلقٍ فهو من ابنة الجان. (من لا يحضره الفقيه: 3 / 382، علل الشرائع: 1 / 103).
3ـ تفسير العيّاشي : عن أبي بكرٍ الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إنّ آدم ولد أربعة ذكورٍ، فأهبط الله إليهم أربعةً من الحور العين، فزوّج كلّ واحدٍ منهم واحدةً فتوالدوا، ثمّ إنّ الله رفعهنّ وزوّج هؤلاء الأربعة أربعةً من الجنّ، فصار النسل فيهم فما كان من حلمٍ فمن آدم، وما كان من جمالٍ من قبال الحور العين، وما كان من قبحٍ أو سوء خلقٍ فمن الجن. (تفسير العيّاشي: 1 / 215).
4ـ تفسير العيّاشي: عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: جعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه؟ فقال أبو عبد الله (ع) : قد قال الناس في ذلك، ولكن يا سليمان أما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: لو علمت أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه، لزوّجت زينب من القاسم وما كنت لأرغب عن دين آدم، فقلت: جعلت فداك إنّهم يزعمون أنّ قابيل إنّما قتل هابيل لأنّهما تغايرا على أختهما؟ فقال له : يا سليمان تقول هذا؟ أما تستحيي أن تروي هذا على نبيّ الله آدم؟ فقلت : جعلت فداك ففيم قتل قابيل هابيل؟ فقال: في الوصيّة ثمّ قال لي: يا سليمان إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصيّة واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال: أنا أولى بالكرامة والوصيّة فأمرهما أن يقرّبا قرباناً بوحيٍّ من الله إليه ففعلا، فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله، فقلت: جعلت فداك فممّن تناسل ولد آدم هل كانت أنثى غير حوّاء وهل كان ذكر غير آدم؟ فقال: يا سليمان إنّ الله تبارك وتعالى رزق آدم من حوّاء قابيل وكان ذكر ولده من بعده هابيل، فلمّا أدرك قابيل ما يدرك الرّجال أظهر الله له جنّيّةً وأوحى إلى آدم أن يزوّجها قابيل ففعل ذلك آدم ورضي بها قابيل وقنع، فلمّا أدرك هابيل ما يدرك الرّجال أظهر الله له حوراء وأوحى الله إلى آدم أن يزوّجها من هابيل، ففعل ذلك فقتل هابيل والحوراء حامل، فولدت الحوراء غلاماً فسمّاه آدم هبة الله، فأوحى الله إلى آدم أن ادفع إليه الوصيّة واسم الله الأعظم، وولدت حوّاء غلاماً فسمّاه آدم شيث بن آدم، فلمّا أدرك ما يدرك الرّجال أهبط الله له حوراء وأوحى إلى آدم أن يزوّجها من شيث ابن آدم، ففعل فولدت الحوراء جاريةً فسمّاها آدم حورة، فلمّا أدركت الجارية زوّج آدم حورة بنت شيث من هبة الله بن هابيل فنسل آدم منهما فمات هبة الله بن هابيل فأوحى الله إلى آدم أن ادفع الوصيّة واسم الله الأعظم وما أظهرتك عليه من علم النبوّة، وما علّمتك من الأسماء إلى شيث بن آدم فهذا حديثهم يا سليمان. (تفسير العيّاشي: 1 / 312).
5ـ تفسير العيّاشي: عن أبي بكرٍ الحضرمي عن أبي جعفرٍ عليه السّلام قال: قال لي: ما يقول النّاس في تزويج آدم ولده؟ قال قلت: يقولون: أنّ حوّاء كانت تلد لآدم في كلّ بطٍن غلاماً وجاريةً، فتزوّج الغلام الجارية التي من البطن الآخر الثاني، وتزوّج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني حتّى توالدوا، فقال أبو جعفرٍ عليه السلام: ليس هذا، كذلك يحجّكم المجوس، ولكنّه لمّا ولد آدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوّجه، فأنزل الله له حوراء من الجنّة فزوّجها إيّاه، فولدت له أربعة بنين، ثمّ ولد لآدم ابن آخر، فلمّا كبر أمره فتزوّج إلى الجان، فولد له أربع بنات، فتزوّج بنو هذا بنات هذا، فما كان من جمالٍ فمن قبل الحور العين، وما كان من حلمٍ فمن قبل آدم، وما كان من حقدٍ فمن قبل الجان، فلمّا توالدوا صعدت الحوراء إلى السّماء. (تفسير العيّاشي: 1 / 216).
6ـ صحيفة الرّضا (عليه السّلام): بإسناده إلى الحسين بن عليٍّ (عليهما السّلام)، قال: جاء رجل إلى الحسن بن عليّ (عليهما السّلام)، فقال: أحقّ ما يقول النّاس أنّ آدم زوّج هذه البنت من هذا الابن؟ فقال: حاشا الله، كان لآدم (عليه السّلام) ابنان، وهو شيث وعبد الله، فأخرج الله لشيث حوراء من الجنّة، وأخرج لعبد الله امرأةً من الجن، فولد لهذا، وولد لذاك، فما كان من حسنٍ وجمالٍ فمن ولد الحوراء، وما كان من قبحٍ وبذاء فمن ولد الجنّيّة. (مستدرك الوسائل: 14 / 363).
7ـ بحار الأنوار: كتاب المحتضر للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب الشفاء والجلاء بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن آدم أبي البشر أكان زوّج ابنته من ابنه؟ فقال: معاذ الله، والله لو فعل ذلك آدم عليه السّلام لما رغب عنه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما كان آدم إلّا على دين رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقلت: وهذا الخلق من ولد من هم ولم يكن إلّا آدم وحواء؟ لأنّ الله تعالى يقول : { يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء } فأخبرنا أنّ هذا الخلق من آدم وحوّاء عليهما السّلام فقال عليه السّلام: صدق الله وبلّغت رسله وأنا على ذلك من الشاهدين، فقلت: ففسّر لي يا ابن رسول الله، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أهبط آدم وحوّاء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتاً فسمّاها عناقاً، فكانت أوّل من بغى على وجه الأرض فسلّط الله عليها ذئباً كالفيل ونسراً كالحمار فقتلاها، ثمّ ولد له أثر عناقٍ قابيل بن آدم، فلمّا أدرك قابيل ما يدرك الرّجل أظهر الله عزّ وجلّ جنّيّةً من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة إنسيّة، فلمّا رآها قابيل ومقها فأوحى الله إلى آدم: أن زوّج جهانة من قابيل فزوّجها من قابيل، ثمّ ولد لآدم هابيل فلمّا أدرك هابيل ما يدرك الرّجل أهبط الله إلى آدم حوراء واسمها ترك الحوراء، فلمّا رآها هابيل ومقها فأوحى الله إلى آدم أن زوّج تركاً من هابيل ففعل ذلك، فكانت ترك الحوراء زوجة هابيل بن آدم ... (بحار الأنوار: 11 / 226).
ـ تزويج أمير المؤمنين (ع) فلاناً من جنّيّةٍ:
8ـ روى القطب الرّاوندي: - عن أبي بصيرٍ جدعان بن نصر، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن مسعدة، حدّثنا محمّد بن حمويه بن إسماعيل الاربنوئي، عن أبي عبد الله الزبيني، عن عمر بن أذينة قال: قيل لأبي عبد الله عليه السّلام: إنّ النّاس يحتجّون علينا ويقولون: إنّ أمير المؤمنين زوّج فلاناً ابنته أمّ كلثوم. وكان متّكئاً فجلس وقال : وتقبلون أنّ عليّاً أنكح فلاناً بنته!؟ إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السّبيل، ولا الرّشاد. فصفق بيده وقال: سبحان الله أما كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقدر أن يحول بينه وبينها فينقذها !؟ كذبوا لم يكن ما قالوا. إنّ فلاناً خطب إلى عليٍّ عليه السّلام بنته أمّ كلثوم فأبى عليّ عليه السّلام فقال للعبّاس: والله لئن لم يزوّجني لأنتزعنّ منك السقاية وزمزم. فأتى العبّاس عليّاً عليه السّلام فكلمه، فأبى عليه، فألحّ العبّاس. فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه السّلام مشقّة كلام الرّجل على العبّاس، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام إلى جنّيّةٍ من أهل نجران يهوديّة، يقال لها: سحيقة بنت جريرية، فأمرها، فتمثّلت في مثال أمّ كلثوم، وحجبت الأبصار عن أمّ كلثوم، وبعث بها إلى الرّجل.
فلم تزل عنده حتّى أنّه استراب بها يوماً، فقال: ما في الأرض أهل بيتٍ أسحر من بني هاشم. ثمّ أراد أن يظهر ذلك للنّاس، فقتل وحوت
الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين أمّ كلثوم. (الخرائج والجرائح: 2 / 825).
(3)
ـ وننقل بعض ما ورد عند أبناء العامّة:
قال الدميريّ في كتاب حياة الحيوان:
وفي مسائل ابن حرب: عن الحسن وقتادة أنّهما كرها ذلك. ثمّ روي بسندٍ فيه ابن لهيعة، أنّ النبيّ (ص): نهى عن نكاح الجن ... وروى ابن عدي في ترجمة نعيمٍ بن سالمٍ بن قنبر مولى عليٍّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، عن الطحّاوي قال: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قدم علينا نعيم بن سالم مصر فسمعته يقول: تزوّجت امرأة من الجنّ، فلم أرجع إليه.
وروى في ترجمة سعيدٍ بن بشير، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشيرٍ بن نهيك، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه (ص): أحد أبوي بلقيس كان جنّيّاً ... وقال الشيخ نجم الدين القمولي : وفي المنع من التزوّج نظر ، لأنّ التكليف يعمّ الفريقين، قال: وقد رأيت شيخاً كبيراً صالحاً أخبرني أنّه تزوّج جنيّة. انتهى.
قلت: وقد رأيت أنا رجلاً من أهل القرآن والعلم، أخبرني أنّه تزوّج أربعاً من الجنّ، واحدةً بعد واحدة. قال شيخ الإسلام شمس الدين الذهبي رحمه اللّه تعالى: رأيت بخطّ الشيخ فتح الدين اليعمري، وحدّثني عنه عثمان المقاتلي قال: سمعت الشيخ أبا الفتح القشيري يقول: سمعت الشيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام يقول: وقد سئل عن ابن عربيّ فقال: شيخ سوءٍ كذّاب. فقيل له: وكذّاب أيضاً؟ قال: نعم. تذاكرنا يوماً نكاح الجنّ، فقال: الجنّ روح لطيف والإنس جسم كثيف فكيف يجتمعان؟ ثمّ غاب عنّا مدّةً وجاء في رأسه شجّة، فقيل له في ذلك، فقال: تزوّجت امرأةً من الجنّ فحصل بيني وبينها شيء فشجّتني هذه الشجّة! قال الشيخ الذهبي بعد ذلك: وما أظنّ ابن عربيٍّ تعمّد هذه الكذبة وإنّما هي من خرافات الرّياضة. (حياة الحيوان الكبرى للدّميري: 1 / 305).
ـ قال ابن تيمية: وقد يتناكح الإنس والجنّ ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف وقد ذكر العلماء ذلك وتكلّموا عليه وكره أكثر العلماء مناكحة الجن. (مجموع الفتاوى لابن تيمية: 19 / 40).