التأمل الأولي في مصطلح (التراث الإسلامي) قد يقود بالضرورة إلى تصنيفه ضمن اهتمامات المؤسسة الدينية، لكونها الجهة الرسمية المشتغلة في الشأن الإسلامي عقائدياً وفقهياً وأخلاقياً وفكرياً، فهي الجهة المختصة رسمياً بما له علاقة بالعلوم الإسلامية.
إلا أن التراث في معناه العام الذي يستوعب جميع ما بذله المسلمون تاريخياً من جهود وأنشطة حضارية يتسع إلى أكثر من اهتمامات المؤسسة الدينية، الأمر الذي ينفتح معه الباب لمساهمة جميع أهل الاختصاصات لدراسته وتنقيته، فتراث المسلمين يشمل في طياته أرثاً خصباً وذاخراً بكل أشكال الفنون والآداب والمعارف المختلفة، فمثلاً المعمار في التراث الإسلامي يجب دراسته من مهندسي المعمار، والفنون من شعر ومسرح وموسيقى يتم دراستها من أهل الفن والشعر والآداب، والتراث الفكري والفلسفي والثقافي يتم دراسته من أهل الفلسفة والفكر والثقافة، وعليه لا يمكن توكيل جهة واحدة بمهمة دراسة التراث الإسلامي، إلا أن في الغالب عندما تذكر كلمة التراث الإسلامي يقصد منها التراث الديني، ومن هنا لابد من التأكيد على أن الدخول في ساحة العلوم الدينية يستوجب توفر الأدوات الخاصة بتلك العلوم لمن أراد الدخول فيها، ولا يجوز التصدي لها من باب أنها أمر مشاع لجميع المسلمين، فهناك مغالطة يرتكز عليها البعض في تسويق تدخله في هذه العلوم؛ وهي أن الدين للجميع وليس خاصاً بفيئة معينة وعليه يجوز للجميع أبداء الرأي، وهذا مغالطة لا يحسن السكوت عليها، فهناك فرق بين أن يكون الإسلام خطاب للجميع في حدود التكليف والامتثال، وبين وجود علوم ومعارف تشكل تخصصات لها أدواتها ومنهجياتها الخاصة، والعلوم الإسلامية حالها حال بقية العلوم لها مناهجها الدراسية التي تميزها عن غيرها من التخصصات، وكل من أراد دراستها يمكنه ذلك من خلال توفير الشروط التي تؤهله لمعرفة مسائلها وموضوعاتها، وهذه الحقيقة ليست خاصة بالعلوم الإسلامية وإنما تشمل كل العلوم والمعارف، فلو أخذنا العلوم الإنسانية مثالاً نجد أن علم النفس أو علم الاجتماع أو علم الاقتصاد أو غير ذلك لها مدارسها ومناهجها التي تضبط مسائل تلك العلوم وموضوعاتها، ولا يحق لغير الدارس المختص أن يبدي وجهة نظره في هذه العلوم، ومن هذا البعد يمكننا أن نقول أن التراث الديني من مسؤوليات أهل الاختصاص في العلوم الدينية والباب مفتوح أمام الجميع للمساهمة في البحث طالما كانت بحوثهم منضبطة بالأدوات المعهودة في دراسة المسائل الدينية.