الشيخ علي آل محسن (في قائمة الكتاب)
بعد أن دخلت خدمة الإنترنت في بلادنا، وصارت متيسرة وفي متناول الجميع، رأينا أنه قد أتيح لنا بواسطتها من حرية التعبير عن الرأي ما لم يتح لأسلافنا السابقين، وصارت لدينا حرية لم نكن في يوم من الأيام نحلم بأنها ستكون متيسرة لنا بهذه الصورة المذهلة!
لقد صار بإمكان الواحد منا أن يعبر عن آرائه، وأن يفصح عن كل معتقداته، وأن يوصل صوته لكل الناس في جميع بلدان العالم، من دون تكلفة تذكر، وصار كل واحد منا قادراً على محاورة الآخرين والتواصل معهم، ممن يلتقي معهم في المذهب أو يخالفهم فيه، من دون عناء أو خوف.
وبسبب هذه الحالة الجديدة الطارئة في العالم العربي، بل في العالم كله، نشطت الحوارات الدينية والمذهبية في شبكة الإنترنت بين أتباع الديانات والمذاهب الإسلامية، ووقعت سجالات كثيرة جداً، في مختلف المسائل الخلافية المتشعبة، وكثر النقاش في المسائل القديمة المستهلكة والمسائل المستحدثة التي لم تستهلك بعد، ودارت كثير من النقاشات التي لم يخل الكثير منها عن الفائدة والإثارة، وإن اشتمل البعض الآخر منها على كثير من الغث والسباب.
ولما كنت ولا أزال من عشاق الحوارات المذهبية، فقد دخلت في حوارات كثيرة، وسجالات عديدة، وبذلت كل طاقتي، وألقيت بكامل جهدي في تلك الحوارات التي رأيت أنها تثري المعلومات، وتصقل المواهب المتعددة، بالإضافة إلى ما فيها من مفاجآت وإثارات.
ومع أن الحوارات كانت متنوعة ومتشعبة، إلا أني نأيت بنفسي عن الدخول في الحوار الشيعي الشيعي، في المسائل التي كانت ولا تزال تشغل الساحة الشيعية، وتستأثر باهتمام الكثير من الشيعة؛ لأني رأيت أن مثل هذه الحوارات تؤجج الخلاف بين أبناء المذهب الواحد، وتوسع الشقة بينهم، وتذكي الأحقاد والعداوات، وتستنزف الطاقات، وتبعثر الجهود التي ينبغي صرفها في مجالات أخر.
ورأيت أن كثيراً من الحوارات التي وقعت بين الأطراف الشيعية المختلقة لم تزد تلك الأطراف إلا عداوة وفرقة، ولم أر فيها أي فائدة قد تحققت.
هذا مع ما في تلك الحوارات من السلبيات الكثيرة، التي من أوضحها أنها نشر للغسيل الشيعي أمام الخصوم الذين يودون أن يتصيدوا على الشيعة وعلى أعلام المذهب كل ما يستفيدون منه في الطعن في المذهب وتسقيط علماء الطائفة.
ولأجل وقوع مثل هذه الحوارات في شبكة الانترنت صارت بعض الخلافات الشيعية مكشوفة عند الآخرين، الذين لم يترددوا في الإدلاء فيها بآراءهم، مع أنها قضايا شيعية بحتة، وخلافات داخل البيت الشيعي لا علاقة لهم بها.
ويشبه هذا النوع من الطرح نشر الخلافات الشيعية الشخصية بين طلبة العلوم الدينية، واستغلال بعض الفئات مواقع الانترنت الشيعية من أجل تصفية حسابات قديمة فيما بينها وبين الفئات الأخرى، أو فيما بينها وبين بعض طلبة العلم الذين لا ينتمون إليها من الذين يراد تسقيطهم في المجتمع، أو تأليب الرأي العام ضدهم، لسبب أو لآخر.
وكذا الطعن في بعض طلبة العلم أو غيرهم لأجل صدور بعض التصرفات التي قد لا تعجب البعض، أو التي لم يقتنع بها بعض الناس.
ومع كامل الأسف تحولت بعض ساحات الانترنت إلى ساحات للتشهير، والتسقيط، والسباب، والتفسيق، والاتهام، والصراع بين الفئات المختلفة التي شغلت نفسها، وشغلت غيرها عن الأمور المهمة التي تمس حياتنا المعاصرة بما لا يفيدنا في شيء.
وكم أتعجب عندما أرى بعضهم يدخل في بعض المواقع للسباب، ولصب الزيت على النار، ويبذل قصارى جهده لتأجيج الفتنة، وتحريض بعض الأطراف على أطراف أخر، أو تحريض بعض الأشخاص على أشخاص آخرين، من دون الإلمام بالتفاصيل التي ينبغي معرفتها في كل قضية يقحم هؤلاء أنفسهم فيها وبدون إنصاف.
ولا ينقضي العجب ممن لا يرى النزاهة قد اجتمعت إلا فيه، ولا يرى الحق إلا ما كان معه، قد نصب نفسه وصياً على عقول الناس وتصرفاتهم، فيخطئ من شاء بما شاء، مع أنه لم يفهم من بديهيات الدين شيئاً، ولم يلم من أبجديات المعرفة إلا القليل.
وقد دخلت قريباً في موقع شيعي على شبكة الإنترنت، فهالني أني رأيت أن أصحاب هذا الموقع لم يتركوا عالماً، ولا مرجعاً، ولا خطيباً مشهوراً، ولا مؤلفاً معروفاً، إلا ولعنوه أشد اللعن، وطعنوا في دينه بأعظم الطعون، فتعجبت كثيراً أن يكون في الشيعة من يفكر بهذا النحو، ومن يتجرأ على المراجع العظام والعلماء الأعلام لخيالات يتصورها، وأوهام يعبدها، وسفاسف يتشبث بها، وقلت في نفسي: من بقي عندكم مؤمناً نزيهاً صالحاً ترتضونه؟
كم يؤسفني أن أرى بعض الشيعة قد أشغلوا أنفسهم بمحاربة رجال من الشيعة ربما يكونون أقرب إلى الله منهم، وتركوا العدو اللدود المشترك الذي يستهدف المذهب بكامله، ويعمل ليلاً ونهاراً لتقويض أركانه، وزعزعة عروشه، وهؤلاء المساكين غافلون عن أولئك، ومشغولون بالنيل من خدمة المذهب الذين صرفوا أعمارهم الشريفة في الدفاع عن المذهب، والذب عن حياضه.
إن كل من يتصدى لإنشاء منتديات الحوار أو أي موقع يتم فيه تبادل الآراء، مسؤول عما يُكتب في موقعه من الإساءات والتشهير والطعون التي يستهدف بها علماء الطائفة، وهو يتحمل المسؤولية المباشرة تجاه كل ما يكتب في منتداه أمام الله تعالى وأمام الناس.
وإعطاء الحرية لرواد أي موقع في الانترنت لا يقتضي السماح لأصحاب المآرب السيئة، والغايات المريبة، بالتعدي على كرامة الآخرين، واتهامهم بما شاؤوا من الاتهامات الباطلة، والنيل منهم بالكذب والبهتان، ولا بد من جعل ضوابط صارمة للكتابة، وخطوط حمراء لا يسمح لأي مغرض أو جاهل أن يتجاوزها، وإلا فإن ما يفسده أصحاب الموقع أكثر مما يصلحونه.