أبواب الجنة في كلام أمير المؤمنين (ع)


زيارات:29129
مشاركة
A+ A A-

جعل الله سبحانه وتعالى للجنة أبوابا تدخل منها كافة الخلق, وقسمها على ثمانية أبواب حسب الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (إنّ للجنّة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون، وباب يدخل منه الشّهداء والصّالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه ساير المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت)[1].

 وتعدد أبواب الجنة لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في الجنة، وأن لكل من هذه الدرجات باب معين يدخل بها من فاز بنعيم الآخرة وهي:

باب دخول النبيين والصديقين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون).

 في بادئ الأمر يجب توضيح من هم النبيون ومن هم الصديقون؟

النبيون: (هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب ولا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار)[2].

والصديقون: (هم الذين زكتْ فطرتهم، حتى أنهم يميزون بين الحق والباطل، والخير والشر بمجرد عروضه عليهم)[3].

فجعل الله (سبحانه وتعالى) للنبيين والصديقين باباً في الجنة يدخلون منها تكريماً لهم على صبرهم وجهدهم الذي بذلوه في سبيل إيصال الرسالة السماوية إلى أقوامهم, قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[4].

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (عدن دار الله التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، يقول الله، عز وجل: طوبى لمن دخلك (ورضوان من الله أكبر) )[5].

باب دخول الشهداء والصالحين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه الشّهداء والصّالحون).

الشَّهِيدُ : (المقْتول في سبيل الله، والجمع شُهَداء)[6].

يقول محمد جواد مغنية: (الشهداء: هم الذين يقتلون في سبيل اللَّه، أما أجرهم عند ربهم؛ فقد بينه سبحانه بقولهم:{إِنَّ اللَّهً اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ}[7], أما نورهم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: {يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}[8], وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ما من أحد يدخل الجنة، ثم يحب أن يخرج منها إلى الدنيا ولو كانت له الأرض بما فيها إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما رآه من الكرامة عند اللَّه), {والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ }, هذا على عادة القرآن الحكيم، يقابل المتقين بالمجرمين، وثوابهم بعقابهم بقصد الترغيب والترهيب)[9].

والصالحون: (هو جمع صالح، وهو الذي يؤدي فرائض الله وحقوق الناس)[10].

فإن الشهادة في سبيل الله مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية ووسام لا يهديه الله سبحانه وتعالى إلا لخاصة أوليائه بعد أن اجتاز العديد من العقبات التي تحول بينه وبين ذلك المقام الرفيع.

أبواب دخول الشيعة والمحبين

قوله (عليه السلام): (وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه).

في هذه الفقرة يبين الإمام (عليه السلام) أبواب دخول الشيعة والمحبين؛ فالشيعة: (هم التابعون لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهم درجات ومراتب بمقدار متابعتهم للأئمة (عليهم السلام) في الأعمال؛ فمن ترك بعض الواجبات أو ارتكب بعض المحرمات لا يخرج عن كونه من شيعة علي(عليه السلام)، وعليه؛ فالحائز لجميع الكمالات والتابع لهم في تمام الأعمال هو الشيعي الحقيقي والإنسان الكامل، والفاقد لجميع الكمالات الجوارحية هو الناقص وما بينهما درجات والكل مشتركون في أصل فضائل الشيعة)[11].

أما المحبون؛ فهم المحبون لأهل البيت (عليهم السلام)، الموالون لهم المقرون بفضلهم, والملتزمون بنهجهم الذي وضعوه, ويذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضل أهل بيته (عليهم السلام) والمحبين لهم؛ فعن عبد الرزاق عن أبيه عن عبد الرحمان بن عوف أنه قال : ألا أحدثك حديثا قبل أن تختلط الأحاديث بأباطيل؟ إنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا شجرة، وفاطمة و علي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبهم من أمتي ورقها، وحيث نبت أصل الشجر نبت فرعها في جنة عدن والذي بعثني بالحق)[12].

والتشيّع الحقيقي لأهل البيت إنما هو الالتزام بنهجهم، والأخذ بطريق الورع والتقوى والاجتهاد في تطبيق جهاد النفس، وإن التعبير عن حبهم وولائهم الحقيقي إنما هو بالمتابعة لهم في السلوك والعمل, قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (سمعت النبي يقول: إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد: يا رسول اللّه إنّ اللّه جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافئهم بما شئت، فأقول: يا رب الجنة فأُبوّؤهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به)[13].

وإن تكريم الله تعالى للمحبين لأهل البيت (عليه السلام) عظيم، لما سيناولون من الرحمة والمغفرة والرضوان، فعن بُريد العجلي وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ({وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[14], قال: هم والله شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله عزّ وجل علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحق وعلى دين الله عزّ وجل واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ})[15].

فلا أقل من أن يكون هذا التفضل الإلهي، والكرم الرباني، له إيثاره في قلوب بني البشر استجابة لأمر الله سبحانه، وتحقيقا لدعوة رسوله صلى الله عليه واله,  والإيثار لحب أهل بيت النبوة، استجابة لله ولرسوله؛ فحبهم مبدئ للإسلام ودين الحق وأصل له لما يعتبر فيه وبه بناؤه وثباته[16].

باب دخول سائر المسلمين

قوله (عليه السلام): (وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت).

أبواب الجنة مشرعة لجميع المسلمين المحبين لرسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام), الذين لم يكن في قلبهم حقد وبغض لأهل بيت النبوة (عليهم السلام), عن الإمام علي (عليه السلام): (إن للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ومن باب واحد سائر الناس)[17].

فمن يزعم أنه يؤمن بالله (عز وجل) وبما جاء به نبي الرحمة (صلى الله عليه واله) ويبغض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فهو كاذب, لأن النبي محمد (صلى الله عليه واله) والإمام علي (عليه السلام)  من نفس واحدة، فقد رويعن عبدالله بن مسعود قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً عليه السلام فهو كاذب ليس بمؤمن)[18].

لذا دخول الجنة لسائر المسلمين مرتبط بحب أهل البيت (عليهم السلام) فهم حجة الله على الأرض وبهم النجاة يوم القيامة من الهول والفزع.

*المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة

الهوامش:

-----------------------

 

[1] - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, حبيب الله الهاشمي الخوئي, ج2

[2] - تفسير الميزان, العلامة الطباطبائي, ج4, ص408.

[3] - التفسير الكاشف, محمد جواد مغنية, ج2, ص371.

[4] - النساء:69.

[5] - تفسير مجمع البيان, الشيخ الطبرسي, ج5, ص88.

[6] لسان العرب, ج3, ص242.

[7] - التوبة: 111.

[8] -  الحديد: 12.

[9] - التفسير الكاشف, ج7, ص247.

[10] - مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي, ج2, 386.

[11] -  الشيعة في أحاديث الفريقين, السيد مرتضى الأبطحي, ص543.

[12] - بحار الانوار, ج27, ص107.

[13] - الشيعة في أحاديث الفريقين, ص88.

[14] - الاعراف:170.

[15] - الوافي, ج5, ص804.

[16]- إحقاق الحق إزهاق الباطل، شهاب الدين المرعشي: 33/ 189.

- [17] مستدرك سفينة البحار, الشيخ الشاهرودي, ج4, ص445.

[18] - بحار الانوار, ج39, ص253.

 

مواضيع مختارة