أساليب وسائل الإعلام في صنع الصورة الذهنية
كتب سعد سلمان:
إن توجيه القائمين على وسائل الإعلام للمعلومات هي إحدى الطرق المؤثرة في تكوين الصور في عقول الآخرين، وهؤلاء القائمون هم الحكومة والنخب الحاكمة في وسائل الإعلام الذين يختارون من بحر المعلومات الواردة ما يناسب اهتماماتهم ويخفون ما لا يريدون نشره وتوزيعه.
أولا: انتقاء الأحداث والمعلومات
إن عملية اختيار المعلومات لتكوين الصور هي عملية مهمة لأن هذه المعلومات يختارها القائمون بحسب أهوائهم السياسية، الأمر الذي يزيد من ترسيخ الصور الذهنية السابقة عن تلك الأمم.
وينتقي الإعلام الغربي من بين أطنان الأخبار اليومية ما يروق له نشره والتركيز عليه، وهو ينقل عن بلدان العالم الثالث على سبيل المثال ما يؤيد سيطرة الشعوب إزاء هذه الدول. وكل ما من شأنه إعطاء صورة سلبية عنها. أما ناشرو الإعلام ومالكوه فإنهم يفسرون عملية الانتقاء بأنهم يريدون أولا وقبل كل شيء البقاء في عالم التنافس، ويريدون الانتشار السريع ولذلك فهم يريدون تقديم الأخبار المألوفة والشعبية والمدهشة والمفهومة عند فئات عريضة من الجمهور، لأن هذه الأخبار الشعبية والمألوفة قد تكون أخبارا تعزز الصور الثابتة لبعض الجماعات.
ويتضح لنا مما تقدم إن الدول تقوم بانتقاء الأخبار والمعلومات التي تؤدي إلى تكوين صور معينة مناسبة لمصالح النخبة السياسية والنخبة المالكة لوسائل الإعلام وتتجاهل بعض الأحداث بالشكل الذي يؤدي إلى غيابها تماما من عقول الناس.
ثانيا: تلوين الحقائق وتحريفها
لا تكتفي المؤسسات الإعلامية بانتقاء الأخبار التي تصب في مصلحتها وتتجاهل حقائق أخرى، بل تلجأ إلى تلوين الحدث نفسه وتحريفه من أجل أن يعرض ويفسر لمصلحة الوضع القائم. وتلوين الخبر هو تعمد إبراز وجه خاص منه واخفاء وجه، وقد يؤدي الأمر ببعض الصحف إلى تشويه الخبر واختيار ما لا يؤدي إليه الخبر المنشور وإبرازه على أنه المعنى المقصود من الخبر. ويؤدي هذا التلوين بدوره إلى تكوين صور ذهنية خاطئة عن الأحداث في أذهان المتلقين. فهناك الكثير من الأحداث التي تقع في العالم تتحمل تفسيرات عديدة ووجهات نظر مختلفة، فعندما قامت الطائرات الأمريكية بضرب مدينتي طرابلس وبنغازي في ليبيا عام 1986، نرى بوضوح أن وسائل الإعلام في دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي وصفت الغارة بأنها خرق كيفي للقانون الدولي من جانب قوة عظمى.
ثالثا: استخدام عبارات ومصطلحات خاصة
تقدم وسائل الإعلام للمتلقين عالما معيناً مصنوعاً من الكلمات، وتراهن على عادات المتلقين في الاعتقاد أنه حيث توجد الكلمات، هناك وقائع تقابلها. وهكذا تطلق وسائل الدعاية تسمية (حرب الاستقلال) حسب الرواية الإسرائيلية للحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، عندما تتحدث عن استحواذها على فلسطين. إن استخدام هذه الكلمات والعبارات يوحي بالكثير من المعاني والصور الذهنية.
رابعا: التركيز على أحداث معينة
تشير نتائج الدراسات والبحوث الإعلامية إلى أن الرسائل التي تكرر بتنويع يتذكرها الفرد أكثر من غيرها، ولكيلا يمل الناس من هذا التكرار فإنها تلجأ إلى تنويع المضمون نفسه بأشكال مختلفة. وقد اتبعت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بإسرائيل مثلاً استراتيجية واضحة المعالم ترمي إلى تشويه صورة العرب وهي تقوم بدعم هذه الصور السلبية باستمرار.
إن سلبية تلك القولبة لا علاقة لها بتوافر المعلومات أو نقصها حول العرب والمسلمين، ذلك أن هذه المعلومات متوافرة لدى دوائر البحث والجامعات ومراكز الدراسات في أمريكا على نحو لا يوجد له مثيل في البلاد العربية نفسها، فنحن لسنا في علاقتنا مع الإعلام الأمريكي إزاء جهل أو تجاهل أو نقص في المعلومات، وإنما نحن نواجه حملات منظمة تقف وراءها دوافع سياسية.
إن القولبة السلبية ضد العرب والمسلمين ليست عفوية، وإنما هي منظمة تقف وراءها جمعيات ومؤسسات لا تقوم بإدارة عملياتها الإعلامية فحسب، بل تمارس فضلا عن ذلك رسم السياسة الأمريكية نفسها تجاه العالم العربي.
وتعد الوظيفة الإخبارية من أهم الوظائف التي تؤديها وسائل الإعلام مباشرة وبكفاءة في كل المجتمعات، حيث أصبح الإنسان شديد الاهتمام بما يجري حوله فالأخبار اليوم تنطوي على كثير من الحقائق التي تؤثر على حياتنا وتبني عليها القرارات التي يتعين علينا اتخاذها لدرء الأخطار أو تجنباً للكوراث.
المصدر: كتاب الإعلان التلفزيوني وتأثيره في الجمهور