كتب محمد الحسيني:
تصرفات الناس في الشارع تعطي انطباعا عن الحالة الأخلاقية للمجتمع، هذه قاعدة بسيطة يمكن تطبيقها في أي مكان في العالم، حيث يتشكل الانطباع، سلبا أو إيجابا، عن أي بلد، بناء على ما يراه الناس في الشوارع.
ونحن للأسف أصبحنا نعاني من انحدار واضح في أخلاقيات الشارع، انحدار نلمسه بشكل يومي في شوارعنا، سواء كنا مشاة أو كنا نقود مركباتنا، وأكاد أجزم أن هناك شكوى يومية من أغلب الناس حول ما يحدث في شوارعنا من سلوكيات غير سوية ومزعجة.
لقد أصبح منظر السيارات التي تعاكس السير لتجنب أزمة مرورية على إشارة ضوئية مألوفا، بل إن البعض توقف عن انتقاده، وأصبحنا نرى عدد المخالفين يكبر يوميا، مع أن هذا التصرف ينم عن استهتار بالآخرين، لأن من يفعل ذلك كأنه أعطى لنفسه أفضلية عن الملتزمين بمسارهم، وضرب عرض الحائط بكل أخلاقيات القيادة، والكارثة أن هؤلاء يعتبرون ما يقومون به “شطارة”، بينما هو في واقع الأمر أحد أشكال قلة الأدب.
تقف بسيارتك أمام أحد المحال بشكل قانوني، وعندما تعود، تجد أحدهم وقد أوقف سيارته بشكل مزدوج خلف أو بجانب سيارتك، فلا تستطيع المغادرة إلا عند حضور الأخ الذي أعطى لنفسه حق تأخيرك، والمصيبة أن جزءا منهم لا يكلف نفسه عناء الاعتذار، أو حتى الإيماء لك برأسه أو الإشارة بيده، فيركب سيارته متجاهلا لك وكأنك غير موجود، وإذا تحدثت معه، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلة، وقد تسمع كلاما لا يرضيك، هذا إن لم تتطور الأمور إلى أكثر من ذلك.
أحدهم قد يغلق مدخل كراج عمارة كاملة أو كراج منزل، بكل برودة أعصاب، وآخر مستعد للدخول بسيارته أمامك بسرعة جنونية، ليكسب ثواني إضافية، وبعض المشاة يصر على عبور الشارع بطريقة تعرضه وتعرض المركبات للخطر، مع أن جسر عبور المشاة لا يبعد عنه إلا أمتارا قليلة، وآخرون ينظرون إلى تجاوز الدور باعتباره “شطارة”. والبعض تجده يجوب الشوارع بحثا عن مشكلة من أي نوع، ناهيك عن التحرش اللفظي أو حتى البصري بكل أنثى تمر أمام عيون البعض، وغير ذلك الكثير من السلوكيات التي تجعل مرورك في الشوارع تجربة مزعجة.
الغريب في الأمر أن أغلب الناس ينتقدون هذه التصرفات والسلوكيات، ولذلك من حقنا أن نسأل: إذا كنا جميعا نعارض هذه التصرفات، فمن الذي يرتكبها ويقوم بها؟ من الذي يلقي القمامة من سيارته في الشارع، ومن الذي يدخن في الأماكن التي لا يجوز فيها التدخين، ومن الذي يغلق الشوارع ويطلق النار في الأعراس؟
لا أريد أن أنظّر كثيرا، فنحن جميعا جزء من المشكلة بطريقة أو بأخرى، لكن علينا إدراك أن علاج مثل هذه المشاكل لا يكون من خلال الشعارات والاعلانات فقط، فما هو مطلوب يتلخص في أمرين: الأول، إصلاح التعليم، بحيث تكون المدارس المكان الطبيعي لبناء السلوك الإيجابي، والثاني، تفعيل القانون وتطبيقه على الجميع، حتى يكون رادعا لكل من يفكر في تحويل شوارعنا إلى شوارع بلا أخلاق.