هل يعالج الدين ’الأمراض النفسية’؟

الشيخ معتصم السيد أحمد
زيارات:1278
مشاركة
A+ A A-

قبل الوقوف على الدور الإيجابي للدين فيما يصيب النفس من توتر وعدم استقرار، لابد من الوقوف على الأسباب التي تؤدي لمثل هذه المشاكل النفسية، فلو ثبت أن الدين يقدم معالجات حقيقيةً لتلك الأسباب حينها يمكننا الجزم بدور الدين في العلاج النفسي.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

إلا أن البحث عن تلك الأسباب ليس بالأمر السهل لوجود تباين حولها بين المختصين في علم النفس، فهناك مدارس ونظريات متعددة ولكل واحدة منها تشخيصاتها الخاصة للأمراض النفسية، ومن هنا سوف نكتفي بالرؤية النهائية بعيداً عن التفاصيل التي تمثل مورد اهتمام للدارسين لعلم النفس، ويبدو أن المدرسة التحليلية التي بدأت مع فرويد شكلت الأساس لكثير من الدراسات الجدية لتركيبة النفس الإنسانية، ومع أن نظرية فرويد اختصرت الإنسان في جانبه الغريزي إلا أنها أشارت إلى تأثير العقل الباطن في خيارات الإنسان السلوكية، حيث حملت المدرسة التحليلية لفرويد اللا شعور والعقد الكامنة فيه مسؤولية الوضع النفسي، أي ما نراه من سلوك واع هو تعبير عما لا نراه من سلوك لا واع في الباطن، ومع أن هذه المدرسة امتلكت قدرةً تحليليةً مقدرةً إلا أنها لا تعكس رؤيةً فلسفيةً شاملةً لها القدرة على تفسير كامل للإنسان؛ وذلك لكونها غفلت عن الجانب الروحي واختصرت الإنسان في مجموعة من الغرائز البدائية، وبخاصة الغريزة الجنسية التي أرجع إليها فرويد كل الأسباب المؤدية للاضطرابات النفسية، وفي ذلك إهمال متعمد لعوامل البيئة والثقافة وجميع مؤثرات المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، وقد التفت العلماء لهذا القصور فعملوا على تطوير المدرسة التحليلية بحيث تستوعب جميع هذه الأسباب، ولذا اعتبر روادها الجدد أن المشكلة النفسية تعود إلى خليط بين الثقافة واللاشعور، واعتقد آخرون أن المحرك الأساس للأزمات النفسية هو الثقافة والتنشئة الاجتماعية، وهكذا بدأ علم النفس التحليلي يوسع دائرة الأسباب كما يوسع تبعاً لذلك أساليب العلاج، فكان من الطبيعي أن تصبح تقوية الروح والإرادة الإنسانية من العوامل المهمة لعلاج الأمراض النفسية، وبذلك تجذرت مدرسة جديدة قائمة على العلاج بالمعنى، أي تحفيز النفس الإنسانية بمعان إيجابية وبنظرة متفائلة للحياة، الأمر الذي يفتح الباب أمام الدين ليكون في عمق المعالجات النفسية، وذلك لكون الدين له قدرات خاصة في التحفيز الإيجابي وخلق الأمل من خلال رسم معان جديرة بالاهتمام فيما يخص الحياة، وبالتالي أقل البشر عناءً وشقاءً هم الذين يمتلكون معنىً يدفعهم إلى الاستمرار في الحياة، وحقيقة الدين قائمة على توسيع إطار الحياة بحيث لا تتوقف عند حدود المادة وما فيها من عناء، وإنما يجعل من الحياة رؤيةً متكاملةً تستوعب أيضاً القيم السامية والأهداف العالية، وبذلك يتمكن الإنسان من تجاوز كل عقبات المادة وضغوطاتها، كما أن الارتباط بالله بوصفه المهيمن على الوجود والقادر على كل شيء يورث الإنسان ثقةً عاليةً لا تدعه يستسلم للإحباطات، أما من يعتقد أن الحياة نتاج لتقلبات الطبيعة وأن المادة هي المتحكمة في مصير الحياة، لا يجد سبيلاً غير الاستسلام والخضوع للحوادث الطارئة والظروف القاهرة، ولا شك من يخيم عليه هذا التفكير سوف تتحول حياته إلى جحيم، قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا) وهذا بخلاف من ينطلق في الحياة من وحي الإيمان بالله تعالى، حيث يكون متحدياً لكل قيود الحياة ومتجاوزاً لكل ما يقال عنه حتميات، وكلما ازداد الإنسان وعياً بهذه العقيدة، كلما ازداد عزماً، ونشاطاً واستقامة.

فحياة الإنسان مليئة بالعقبات، التي تحيط بواقعه الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، ولا يتجاوزها الإنسان إلا إذا كان مشبعاً بالأمل في الله، معتقداً في قدرته على كل شيء، وبذلك يكون الدين بشكل عام والإسلام بشكل خاص هو الذي يلهم الإنسان آليات التحدي والتغيير للواقع، من خلال بث روح المثابرة والصبر على الأذى والإصرار على بلوغ الغايات، وعليه فالدين مهم جداً لخلق السكينة في النفوس والوعي في العقول والعزيمة في الإرادة، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء كذٰلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) 

وفي المحصلة، إن الدين يقضي على أسباب التوتر والاضطراب قبل حدوثها من خلال بناء شخصية واعية للحياة ومتأملة في عون الله وتوفيقه.

مواضيع مختارة