تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»
كتبت غدير سالم:
كثير من مشاهدي الدراما ينتابهم وتحديداً فئة الشباب والمراهقين حالة من التعلق والتقمص الوجداني أو التماهي مع شخصيات المسلسلات الدرامية، وهي حالة نفسية شائعة، تزداد وتيرتها عند الفئات الاجتماعية الأقل وعياً وثقافة.
وعلى الرغم من أن غالبية المشاهدين يعون تماماً أن ما يشاهدونه محض خيال ولا يمت إلى الواقع بصلة إلا أن تقمص الشخصيات التلفزيونية وتحديداً الدرامية مسألة لا مفر منها لدرجة قد تُربك الكثيرين فيخلطون ما بين الواقع والخيال.
استشاري العلاج النفسي الدكتور عبد الله رعود يقول: «حسب التحليل النفسي يعتبر التقمص مصطلحاً لا شعورياً ويعد من الحيل الدفاعية التي تتم على مستوى لا شعوري، وهو عملية تلجأ النفس البشرية إليها ليدمج بداخله دوافع واتجاهات وسمات شخص آخر لدرجة تصبح كأنها سمات متواصلة بالشخصية، وهي عملية نفسية يتقمص الشخص بواسطتها بعض مظاهر أو خصائص أو صفات شخص آخر كلياً أو جزئياً حسب درجة الاقتداء والتأثير الذي يؤثر فيه النموذج».
ويضيف: «وقد يلجأ الفرد إلى تقمص وتقليد شخصيات مثل الأب عند الأطفال، أو الأمهات عند البنات أو قد يكون القدوة المعلم في المدرسة، لكن في مرحلة المراهقة وهي أصعب مرحلة يلجأ فيها إلى التقمص وتقليد خصائص وسمات لبعض الشخصيات مثل المطربين أو الممثلين ويعمد إلى تطبيق سلوكيات وخصائص هذه الشخصية».
وعن أنواع التقمص يبين الرعود: «إن أنواعه تتبع لتقسيمات فرويد لها، ويعد التقمص الأولي تقمصا بدائيا يظهر فيه التعلق العاطفي بشخص ما، ويعتبر التقمص الأولي للفرد وهو الأكثر أهمية، وهو تقمص الفرد مع الأب أو الأم.
ويلجأ الأطفال خلال عملية التقمص تقليد سمات الوالدين بشكل غير واع ولا إرادي، ويقومون بعملية ربط أنفسهم مع هؤلاء الآباء لدرجة متطابقة، ويجب التمييز بين التقمص والتقليد لأن التقليد يكون الشخص فيها واعياً ويحاول تقليد بعض السمات بطريقة واعية عكس التقمص».
ويتابع: «ويطور الطفل خلال التقمص الأولي التعلق العاطفي (الأنا العليا)، والتي تمثل القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية، فالتقمص الأولي له قدر كبير من الأهمية في بناء شخصية الطفل».
ويوضح الرعود: «وهناك التقمص النرجسي وهو عبارة عن التقمص الذي يقوم على فقدان هدف معين، يبدأ خبرة الفقد هذه في سن مبكر للغاية، مثل ارتداء ملابس أو مجوهرات تعود لشخص متوفى مقرب هذا النوع يساعد على تطور وتقمص الأنا مع الهدف أو الشيء الذي قد يكون مفقوداً عند الشخص، لذلك قد يلجأ الشخص للتقمص لعدم تحقيق أهدافه بالواقع».
ويضيف: «وهناك التقمص الجزئي الذي يقوم على تقمص ومعرفة ميزة خاصة عند شخص لديه شخصية قيادية حيث يمكن تقمصها. وهذا النوع من التقمص يدفع المجموعة إلى الاندماج وتنمية روح الفريق، ويقول فرويد أن التقمص هو العملية التي بفضلها تتكون شخصية الفرد، ويؤكد أن التقمص ربما يدل على خاصية في الشخصية لكن على الشخصية بصورة كلية».
وينوه الرعود إلى أنه: «غالباً ما يكون التقمص لغايات منها التقمص الانفعالي مع درجة عالية من الذكاء بحيث يكون الفرد قادراً على تقمص الجوانب الانفعالية لشخص آخر وهو ما يدعى الامتصاص الإسفنجي اللاشعوري. ويمكن أن يكون التقمص نتيجة الفشل وضعف القدرات بالواقع فيلجأ الشخص للتقمص للهدف الذي فشل في تحقيقه من رموز أخرى، وقد يكون هنالك نوع من التقمص الرومانسي عند المراهقين والشباب في مقتبل العمر نتيجة الحرمان أو عدم القبول من الطرف الآخر أو بسبب التأثر بوسائل الإعلام والفضائيات من بث مسلسلات رومانسية مبالغ فيها لرموز محببة من الممثلين، وقد يلجأ البعض إلى التقمص لضعف في شخصيته وعدم القبول من الآخرين ودرجة عالية من التهميش فيتقمص سلوكيات لأشخاص آخرين لنيل ما فقده وما هو محروم منه».
ويبين الرعود: «التقمص في بعض الأحيان قد يكون له فوائد في تنمية الشخصية إذا تقمص شخصية قيادية أو شخصية بناءة مثل الأب أو المعلم، وقد يؤدي التقمص إلى الاستغلال للأشخاص المتقمصين وسهولة التأثير عليهم من قبل الشخصيات المؤثرة والقيادية، وإذا ظهرت الجوانب السلبية للتقمص عند الفرد وكانت ذات تأثير سلبي على حياته وحياة الآخرين عندها يجب أن يكون هناك تدخل للعيادة النفسية من البدايات حتى لا تتفاقم المشكلة إلى أمراض نفسية مزمنة».
وتوضح التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد والصحة النفسية نجوى حرز الله عن هوس التعلق بالمشاهير فتقول: «قديماً كان حب الشخصيات لأداء وسلوك الشخص، وكان الهوس بشكل بسيط جداً وبطريقة جمع الصور، ولكن بعد التقدم التكنولوجي والتقرب أصبح سهلاً جداً من الشخصيات وليس هوساً بالشكل والظهور بل هوس بتقليد الشخصية بسبب معرفة تفاصيل حياة هذه الشخصية والقيام بتقليدها بسلوكيات لا تظهر أبداً شخصية المهووس بل تعكس الشخصية المشهورة مما يتعب الفرد، لأنه سيقلده بطريقة اللباس والماركات المشهورة وطريقة الأكل والذهاب إلى الأماكن التي يذهب إليها الشخصية المشهورة مما يهلكه مالياً ونفسياً دون معرفة هل يناسبه أم لا».
ويضيف: «ولكنه يسد النقص لدى المهووس وسببه عدم الثقة بالذات فيقع ضحية مرض اضطراب يسمى (هوس المشاهير) وقد يتعب الشخص المهووس نفسياً لعدم تحقيقه لرغباته في الوصول لتقليد هذه الشخصية، ويتعب أيضاً عندما يقضى ساعات طويلة لمتابعة حياة هذه الشخصية».
وتبين حرز الله أسباب التعلق بهذه الشخصيات قائلة: «إن الدافع الذي يجعلنا نتعلق بهذه الشخصيات أولاً طريقة عرض هذه الشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تجعلنا نعتقد بأن حياتهم واقعية وأن على الجميع أن يعيشها دون العلم بأنه يكون مصدر رزق لهم في الظهور ولكن دون تقليدهم أي هدفهم لغايات مالية أحياناً لأن ما يعرضونه ليس هي الحياة الواقعية لهم على مدى يومهم».
وتتابع قائلة: «وليس بالضرورة تقليدهم بجميع التفاصيل سواء بطريقة اختيار الأصدقاء والملابس والأماكن التي نرتادها، وهناك من يؤثر تأثيراً إيجابياً على الفرد بحيث أن الشخصيات المشهورة تعطي انطباعاً بأنهم بسيطون لأنهم يهتمون بالشهرة وجمع المال، ويتم تقليدهم بالبساطة بكل شيء وهو تقليد إيجابي ولكن يفضل أن تكون سلوكيات الشخص من ذاته وكله قناعة بما يفعله».
وتوضح حرز الله أنه: «علينا كأهل الانتباه منذ الصغر على أبنائنا بأن لا يكون هوس الإعجاب ملفتاً للانتباه مثل الشخصيات الكرتونية بجمع الصور أو شراء الملابس التي تخص لاعبين أو شراء أدوات مدرسية لأنها لشخصية معينة لأنه مؤشر على تكرار هذا السلوك مع الشخصيات الأخرى عندما يكبر».
وتضيف: «وعلى الأهل أن يكونوا واقعيين مع أبنائهم وتدريب الأبناء على مواجهة مشاكل الحياة حتى يقتنعوا بأن كل إنسان لديه حياة واقعية عليه أن يعيشها، عدا عن تنمية الثقة بالذات عند ابنائنا يجعلنا نبتعد عن هوس الإعجاب بالمشاهير، مسؤولية الأهل أيضاً هم أنفسهم عليهم أن يكونوا قدوة لأبنائهم بسلوكياتهم وخاصة عند حضور مباراة لشخصية مشهورة او حضور فيلم لممثل مشهور، ولا ننسى بأن المعايير السلوكية لكل مجتمع تختلف من بيئة لأخرى فلا يستطيع الفرد المهووس بأن يقلد سلوكيات لأشخاص لا يعيشون نفس بيئته لاختلاف الدين والعادات والتقاليد».