خليل فاضل
إن الألعاب الإلكترونية تؤثر في كلّ مراحل التطور والنمو لدى الطفل، فهي تقدم حالة عضوية خاصة (بدءاً من جلسة الكمبيوتر أو الـPlay Station منصة اللعب) أو غيرهما، إلى كلّ الطقوس المصاحبة لها، كما أنّها - أيضاً - تقدم بيئة (مجردة) ومحددة سلفاً تعتمد على الأثر الذي تحدثه اللعبة.
ففي سن 7 إلى 14 سنة، يحتاج الطفل إلى مشاعر حقيقية، ومعان اجتماعية، أخلاقية، على العكس نجده مدفوعاً إلى دائرة أحاسيس العنف والتنافس اللااجتماعي، وفي حال المراهقين، نجد انحسار التفكير الموضوعي، وانتهاء النشاط الذهني الواعي نتيجة للغوص عميقاً في عالم تلك الألعاب الإلكترونية لأنّه إذا حكّم المراهق عقله وتفكيره، فسيكون بطيئاً في اللعبة مما قد يؤدي إلى خسارته.
والخطر هنا أن الطفل/المراهق/الشاب وحتى الرجال عندما يتذكرون أحداثاً ومشاهد بعينها من تلك الألعاب المرعبة، كما يتذكرون أحداثاً حياتية سلبية ومؤلمة، يربكهم هذا ويوتّرهم ويتركهم نهباً لتوتر وكرب ما بعد الصدمة ولنا هنا أن نورد حالات عقلية بعينها تعود في مجملها إلى تسلسل وتتابع مشاهد وأحداث حدثت في الطفولة الأولى وما تلاها وهو ما يقوم به المحللون النفسيون من (استدعاء حر)، تحليل، مواجهة وتفسير.
تنطبع مشاهد العنف المصوّرة إلكترونياً في تلك الألعاب الجهنمية على سطح العقل الباطن، أو تقبع في صخب في تلك المنطقة الواقعة بين الشعور، واللاشعور، تكمن وتكون بذرة لما هو آت، يحدث هذا أكثر في حالات الأطفال المهيئين أكثر لاستقبال تلك (الاندفاعات) من بيئتهم المحيطة.
والصغار لا يستطيعون - بل لا يتمكنون - من فهم ذلك الفارق الكبير بين العنف المصور في اللعبة ووحشية ما يحدث في الحياة، إنّهم لا يحسون بتلك التأثيرات التي تنزع عنهم حساسيتهم، لا يدركون فيستمرون في اللعب ليلاً ونهاراً - دون هوادة - وقد يستمر اللعب لأيام دون كلل أو ملل، لا يقطعه سوى تناول القليل من الطعام، قليل من النوم، والذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة مع إهمال تام في المظهر.
ودعونا الآن نسمِّ بعض تلك الألعاب بأسمائها كما هي Space Invaders, Pack Man، مع ألعاب أخرى شتى عنيفة كانت أم عدوانية، ولنا أن نتأمل تدفق الدم الذي يجعله الـ CD أكثر واقعية، وتصوره التكنولوجيا الرقمية للأقراص الصلبة المتعاملة مع الليزر Lazer Disk. إن التطور الهائل لتلك التكنولوجيا المركبة والمعقدة قد سمح بمشاهدة عنف أكثر تجسيماً وتجسيداً للعنف (بما يحويه ذلك من كميات دم تفور في كلّ مكان)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ لعبة Mortal Kombat, تصور أحد أبطالها يفصل رأس ضحيته عن جسمه، والآخر يصعقه كهربياً، والثالث يمزقه إرباً حتى أن قلبه الطالع من صدره، وهو مازال ينبض يقطعه بكلتا يديه العاريتين، والرابع يشد رأس غريمه عن جسده ويرفعها كعلامة للنصر، وفي لعبة أخرى Nite Trap نرى مصاصي الدماء متعطشين يتتبعون وينتهكون خمس نساء، يحفرون في رقابهن حفراً بحفارة كهربية ثم يعلقن كالذبائح من أسفل لأعلى.
إن ذلك الفعل العنيف المراوغ الحي بكل تقنياته - مع الأسف - يجعل من العنف أكثر واقعية، وندخل من هذا المدخل الصعب إلى ما يمكن تصوّره عن ذلك الزخم الذي يصاحب تسويق تلك الألعاب الإلكترونية، وهو أمر يصعب أحياناً تصديقه. إن تلك الأعداد المهولة من تلك الألعاب المزعجة والمسلية في آن واحد وتجارتها وتداولها أصبحت أمراً يستحق التوقف والدراسة.
ماذا نفعل؟
إزاء كلّ هذا ماذا نحن فاعلون؟ في أستراليا تحرّكت مجموعة من البرلمانيين لوضع حد على الألعاب التي تحوي في طياتها عنفاً وجنساً، فلعبة Nite Trap، صودرت ومنعت من الأسواق بأمر المحكمة حتى صدور تصنيف حكومي لتلك الألعاب كما في الأفلام (للكبار فقط) ويقترح التقسيم العام (كلّ الأعمار) وعام (للأطفال فوق سن الثامنة) وبالغون (لمن هم فوق سن 15سنة) ومحدود (لمن هم 18 سنة فما فوق فقط) ومرفوض Refused R ممنوع مطلقاً. فألعاب مثل Mortal Kombat & Street Fighter II Turbo تشد اهتمام الأطفال من 8 سنوات فما فوق، أما Nite Trap، فتشد اهتمام البالغين 15 سنة فما فوق.
وبذلك التقسيم والمراقبة والترتيب، قد تزول بعض مخاوفنا (لا كلها بالطبع) وفي بعض المدن الأمريكية يمارس عمدتها التدقيق على بيع وشراء وتأجير الألعاب الإلكترونية مانعين ذلك بتاتاً خلال ساعات الدرس وأيام الدراسة، وبالطبع فإنّ مسألة المنع التام ستعيد إلى أذهاننا (تفاحة آدم) المحرمة، وأن كلّ ممنوع يصير مرغوباً أكثر، لا لشيء إلّا لأنّ أهم ما في الموضوع هو ضمير الإنسان نفسه، ولي أمر كان أو مراهقاً أو بائعاً، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين لأنّهما المتحكمان في عملية الشراء واللعب والوقت لأولادهما كما يجب أن يراقبا بحذر وبحب عملية اختلاط الأولاد بأولاد آخرين، وتبادلهم تلك الألعاب وتوخي ضرورة التعاون والتواصل مع أولياء الأمور الآخرين بغية تكوين شبكة اجتماعية متآلفة ضد خطر عنف اللعب الإلكتروني بكل ما يحويه من دمار نفسي وعصبي ولمنع تلك الآفة من أن تصبح وباء، من أجل تحقيق وعي اجتماعي عام يتمحور حول أخطار استخدام تلك الألعاب وآثارها الجانبية خاصة على النشئ.