لابد من التأكيد على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة ومهما تراكمت تجاربه الحياتية يظل عاجزاً عن تحديد السنن التي تحكم الحياة، فالإنسان بطبعه لا يعلم إلا ظاهر الحياة أما باطن الحياة وما تقوم عليه من سنن وحِكم لا سبيل له لمعرفتها، ولذا قال تعالى: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا).
وعليه فإن الإنسان بفهمه القاصر وإدراكه المحدود لا يمكن أن يحدد لله ما يجب أن يفعله، ومن هنا يلجأ الإنسان إلى الله ليرشده لما فيه خيره وصلاحه، والدعاء ليس إلا إقرار بجهل الإنسان بما تخبي له الأقدار في المستقبل، فكثير من الأمور التي تعترض حياتنا وتنغص علينا عيشتنا ونحن لا نفهم الحِكمة منها، ثم يكشف لنا الزمان ستاره لنحمد الله على ما أصابنا في وقتها، فبالثقة بالله وحده يستمر الإنسان في حياته لأن لطف الله موجود وأبواب التوفيق لعباده مفتوحه، وعندما يعلم الإنسان إن الله أرحم به من نفسه على نفسه حينها سوف يكون مطمئناً لكل ما يقع عليه.
فقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) حيث تعني الآية بأن الله عوناً لكل من يلجأ إليه، ولا يكون ذلك العون على خلاف مصلحة العبد الدنيوية والأخروية، ففي بعض الأحيان يرجو العبد شيئاً ومصلحته في عدم تحقق ذلك الشيء، وعليه لا يعد ذلك عدم استجابة للدعاء بل استجابة الدعاء هي التي تستوجب صرف ذلك الشيء عنه، يقول العلامة الطباطبائي: (إنّ استجابة الدعاء إذا توفّرت شروطها ورُفعت موانعها تكون من السنن الإلهية القطعية، إلا أنه قد تتأخر الاستجابة بسبب مصالح وحِكَم إلهية، منها:
إنّ العبد قد يدعو الله لشيء لا يصلح له، فيؤخّر الله استجابة دعائه كما قد لا يستجيب دعائه، وقد قال الله سبحانه في القرآن الكريم (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)، وقال الإمام علي (عليه السلام) «فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ»
وقد ورد في رسالة الإمام علي (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) ثلاث حِكَم لتأخير استجابة الدعاء: «فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وأُوتِيتَ خَيْراً مِنْه عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ» (تفسير الميزان، ج 2، ص 32)
وما وقع على الطفل ريان أوجب على الجميع بدافع الرحمة والإنسانية أن يدعو الله بنجاته وحفظه، فبحسب ظاهر الأمور فإن مصلحة الطفل ريان كانت في نجاته من البئر، ونحن لسنا مكلفين بأكثر من الظاهر ولذلك وجب علينا الدعاء له بالنجاة، ولكن يجب أن يكون هذا الدعاء مقترن بالأيمان بحِكمة الله فنرضى بما يقع تسليماً لأمره ورضاً بقضائه وثقة في رحمته، وقد نقل لنا القرآن ما حدث بين نبي الله موسى (عليه السلام) الذي اعترض على قتل العبد الصالح للقلام، فبحسب الظاهر أن ما فعله كان خطأ يستوجب الإدانة، ولكن بحسب المصالح المخفية فإن الحِكمة الإلهية اقتضت أمراً على خلاف ما نعلمه من الظاهر، حيث قال تعالى على لسان موسى : (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا) وجاء الرد على لسان العبد الصالح: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا).