قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير: عمار الخالدي
جملة واحدة أطلقها صبي كفيف أمام ممثل السيد السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال حفل لتخرج الوجبة الثانية من المكفوفين كانت عبارة عن طلب مختصر:
"شيخنا اريد مدرسة ادرس بيهه مثل الطلاب اللي يشوفون"...
هذه الجملة كانت كفيلة بذرف الشيخ لدموعه وتحقيق أمنية هذا الصبي ومن على شاكتله في إنشاء معاهد تحتضنهم وتجعلهم سويين بحياتهم رغم فقدانهم لحاسة البصر، فزرعت البذرة الاولى لتتمدد وتصبح خمس مشاريع تدريسية تتضمن تدريب المكفوفين على انظمة برايل والسير والسلوك وكذلك الدخول في الدراسة الابتدائية والتعليم المسرع وتعليم اليافعين ومحو الامية وتدريب ملاكات تدريس المكفوفين.
الفكرة والتأسيس
يشرح المشرف على معاهد المكفوفين في العتبة الحسينية المقدسة سامي جواد كاظم ما جرى بقوله ان "فكرة بداية انشاء المعهد تولدت لدي وانا في زيارة شخصية للعاصمة اللبنانية بيروت حينما اطلعت على معهد رعاية المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة هناك واعجبني ما موجود فيه فجمعت عنه معلومات كاملة ونقلت الامر الى المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي الذي اوعز لي بعبارة كتب فيها (بأنفاس سيد الشهداء وبحق الله عز وجل اتمنى لكم الموفقية انت ومن معك ، ابدأ على بركة الله) ووجه بإنشاء مركز مماثل او افضل منه في كربلاء، وبعد التشاور مع مسؤولي الاقسام المختصة في العتبة الحسينية تم الاتفاق على انشاء معهد للمكفوفين اولا، وعندما شرعنا بجمع معلومات عن اعداد المكفوفين في العراق لم نجد لدى وزارة التخطيط او المحافظة اي احصائيات ووجدنا عند دائرة الرعاية الاجتماعي في كربلاء مسجل 1204 كفيف، ولغرض استقطاب المكفوفين نشرنا اعلانا يدعوهم الى التسجيل في الدورة الاولى التي نظمناها".
الدراسة الابتدائية
ويتابع بقوله، ان "الغاية من الاعلان كانت الوصول الى ادخال الكفيف الى الدراسة الابتدائية المعترف بها وكانت الاستجابة غير متوقعة من اغلب محافظات العراق، وضمت اول دورة 50 مكفوفا تم تعليمهم على طريقة برايل والسير والسلوك والبرنامج الناطق باستخدام الحاسبة والهاتف النقال، بعد تذليل صعوبة توفير الملاك التدريبي الذي تعاونا به مع معهد النور في بغداد الذي رفدنا بثلاثة مدربين، استمرت اول دورة لأسبوعين تم خلالها اسكان المكفوفين وعائلاتهم وضيافتهم على حساب العتبة الحسينية ومنح المدربين مكافئات مالية مجزية، وفي الدورة الثانية انتظم فيه ايضا 50 كفيفا ومنها انطلق مشروع معهد نور الامام الحسين للمكفوفين وضعاف البصر عام 2015، واكملنا اربع دورات وخرجنا 200 طالب من مختلف المحافظات وادخل 23 متدربا في خمس دورات مكثفة وباشروا بالعمل في المعهد ببناية فيها 12 صفا دراسيا و10 قاعات للرياضة والمختبرات والحاسوب والمرسم لتدريس الصف الاول الابتدائي المكون من 27 طالب كفيف من عمر (6 ـ 11) عاما بعد استحصال الموافقات الرسمية من وزارات التربية والعمل والشؤون الاجتماعية ووصل عددهم الان 110 طالب منهم 44 طالبة و66 طالبا".
أربعة انواع من التعليم
لم تتوقف طموحات ادارة المعهد عند هذا الحد بل حققت انجازات اخرى يقول عنها كاظم "واجهتنا مشكلة الاعمار الكبيرة من 15 سنة فما فوق فادخلنا نظام التعليم المسرع وتعليم اليافعين بعد استحصال الموافقات الرسمية من وزارة التربية التي تعاونت معنا بشكل كبير وكذلك وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، واصبح معهدنا نموذجا تحتذي به باقي المعاهد المماثلة في العراق، وادخلنا اعمار (15 ــ 18) بعد الاختبار الى تلك النوعين من الدراسة ووصلوا الى السادس الابتدائي، اما من هم بأعمار تتجاوز الثامنة عشرة من العمر فاستحصلنا موافقات التربية وادخلناهم في دراسة محو الامية بعد تحديد المناهج الدراسية وتوفير الملاكات التدريسية لهم واصبح عددهم 45 مدرسا من الجنسين وامتلكوا من الخبرات ما جعلهم يدربون ملاكات المعاهد الحكومية حيث تم تدريب ملاكات سبع معاهد من محافظات السماوة وميسان والديوانية وذي قار وواسط وبابل وديالى وتجاوز عددهم المئة متدرب، وكذلك تم تدريب 14 عنصرا من الديوانية وسيتم تدريب 7 متدربين من الرمادي في العطلة الصيفية من المعاهد الاهلية، وكذلك جهزنا معهد المكفوفين في محافظة نينوى بجميع المستلزمات بعد تعرضه للتخريب والضرر خلال تحرير الموصل، كما جهزنا معهد الرمادي بمستلزمات تساعدهم على العمل"، مشيرا الى ان "الطالب المتخرج من المعهد يحصل على شهادة الصف الرابع الابتدائي معترف بها من وزارة التربية ويستمر بالدراسة بصفي الخامس والسادس ويمتحن البكلوريا في مدارس وزارة التربية وقد حصلت احدى طالبات معهدنا على المركز الاول في امتحانات البكلوريا وحصل اخيها على المركز الثاني وحصل المعهد على المركز الاول على العراق في العام الماضي".
طفرة نوعية
يسرد كاظم ما جرى بعد كل تلك الانجازات بقوله "جعلت الامر يتضح بقدرات العاملين من منتسبي العتبة الحسينية المقدسة بهذا المجال، وهو ما رفع ثقة المتولي الشرعي بنا حتى أوصانا بعبارة ( لا اريد مكفوفا امياً) وهو ما دفع ادارة المعهد الى افتتاح الفرع الثاني في محافظة المثنى، بعد الحصول على بناية منذ اربع سنوات وتهيئة ملاك تدريسي مكون من ستة اساتذة ووصل عدد الطلاب فيه الى 52 طالبا يدرسون في الصف الرابع الابتدائي، ويبقى امل المتولي الشرعي للعتبة الحسينية هو فتح معهد في كل محافظة، لكن هذا الامر يعد صعبا حاليا كونه يحتاج الى امور كثيرة، فاقترحنا ان نوفر قسما داخليا تتوفر فيه قاعات دراسية واخرى للسكن والاطعام ونقوم بتدريس مئة طالب من المكفوفين في العطل بدورات مكثفة ووافق عليه الشيخ الكربلائي وهو مشروع اعتبره المختصين بتأهيل المكفوفين طفرة نوعية وفريد من نوعه، وحاليا ننتظر اكمال صيانته لنباشر بالتدريس في شهر تشرين الاول".
المصدر: وكالة نون