من منّا لا يرغب أن يعمّر في هذه الدنيا مدة طويلة، ومن منّا لا يبحث عن الأسباب التي من خلالها تتحقق هذه الرغبة، هذه الحقيقة شيء جبلت عليه الطبيعة البشرية، وعلى الرغم من أننا كبشر نعلم أن مآل هذا الجسم إلى الفناء، إلا إننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة وما منحنا من إمكانيات مادية أو معنوية إبعاد خطر التلف أو الضرر الذي يمكن أن يعتريه في لحظة ما.
يلاحظ أن سبب الخوف من الموت لا يختص بالذين لا يدينون بعقيدة معينة بل يشمل حتى المتدينين من البشر، الذين يعتقدون بما وراء المادة، مرجع ذلك الى عدة أسباب أبرزها:
إن المتدينين وإن كانوا يعتقدون بأن الموت ليس المحطة الختامية لنهاية كل إنسان بل هو ـ كما عبر عنه ـ قنطرة تعبر بنا من هذه الدنيا الى عالم آخر هو البرزخ، الذي له أحكامه وقواعده الخاصة.
لكن كل هذه المعلومات لا تزال إجمالية لا تفصيل فيها عند السواد الأعظم من المتدينين، فيترتب على هذا الأمر أن الموت سيقود ذلك الإنسان الى المجهول.
الأمر الآخر أن لهذا الإنسان متعلقات في هذه الدنيا لم ينجز أغلبها، ومن أبرزها الأموال والعيال، حيث ينظر الى تلك الأموال التي جمعت من حلٍ وحرمٍ سيؤول مصيرها الى غيره، وربما كان له أطفال وزوجة يعولهم يخشى أن يكون غيابه عنهم سبباً في تعسر حياتهم، إذ كان بالنسبة لهم كالشمعة التي تحرق نفسها ليبصرون دربهم في هذه الدينا.
إذاً، ما هي الأسباب التي تجعل فكرة إطالة العمر أمراً متاحاً؟
في هذا التساؤل يمكن أن نطرح إجابتين:
الجواب الأول: أن تكون هذه المسألة متعلقة تمام التعلق بعلم الطب وما يدور حوله من إكتشافات، وقد أثبت هذا العلم أن مسالة طول العمر ممكنة ولو من الناحية النظرية .
الجواب الثاني: أن نقول إن الجانب الغيبي له تدخل مباشر في هذا الموضوع.
بيان ذلك: إن علم الله تعالى ينقسم الى قسمين:
1ـ العلم الذاتي: وهذا القسم لا يمكن أن يطرأ عليه التغير والتبدل، كعلمه بذاته.
2 ـ العلم الفعلي: وهذا القسم في بعض الموارد يكون قابلاً للتغير والتبدل، لكن وفق شروط وضوابط، وتلك الموارد القابلة للتغير والتبدل هي ما دُوِنَ في لوح يعرف باللوح المحفوظ، والأعمال المدونة في هذا اللوح يطرأ عليها البداء هو ما كتب في ذلك اللوح.
جاء في تفسير العياشي أن الإمام الصادق (عليه السلام) سئل عن قول الله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب} قال: ان ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت, فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاءَ, وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء, حتى أذا صار الى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً.
كيف تطيل عمرك؟
فيتحصل من ذلك مسألة العمر يمكن أن تخضع لقانون البداء، وعليه تكون من المتغيرات لا من الثوابت، وقد ورد في النصوص أنه بالإمكان إطالة العمر عبر القيام بمجموعة من الأعمال، منها:
1 ـ صلة الأرحام: عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ما نعلم شيئا يزيد في العمر الا صلة الرحم، حتى أن الرجل يكون عمره ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة، ويكون اجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله عز وجل ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.
2 ـ وفي البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قَالَ وَ مِمَّا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ:
تَرْكُ الْأَذَى .
وَ تَوْقِيرُ الشُّيُوخِ .
وَ صِلَةُ الرَّحِمِ .
وَ أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الرَّطْبَةِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ .
وَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ .
وَ حِفْظُ الصِّحَّةِ
3 ـ الدعاء: عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) ، فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي عَلَتْ سِنِّي ، وَ مَاتَ أَقَارِبِي ، وَ أَنَا خَائِفٌ أَنْ يُدْرِكَنِيَ الْمَوْتُ وَ لَيْسَ لِي مَنْ آنَسُ بِهِ وَ أَرْجِعُ إِلَيْهِ .
فَقَالَ لَهُ : إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَباً أَوْ سَبَباً وَ أُنْسُكَ بِهِ خَيْرٌ مِنْ أُنْسِكَ بِقَرِيبٍ ، وَ مَعَ هَذَا فَعَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ ، وَ أَنْ تَقُولَ عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّادِقَ الْأَمِينَ ( عليه السَّلام ) قَالَ : إِنَّكَ قُلْتَ مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ لِوَلِيِّكَ الْفَرَجَ وَ الْعَافِيَةَ وَ النَّصْرَ ، وَ لَا تَسُؤْنِي فِي نَفْسِي ، وَ لَا فِي أَحَدٍ مِنْ أَحِبَّتِي .
ـ ثم قال ـ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسَمِّيَهُمْ وَاحِداً وَاحِداً فَافْعَلْ ، وَ إِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقِينَ ، وَ إِنْ شِئْتَ مُجْتَمِعِينَ .
قَالَ الرَّجُلُ : وَ اللَّهِ لَقَدْ عِشْتُ حَتَّى سَئِمْتُ الْحَيَاةَ .
4 ـ الصدقة : وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السَّلام): الْبِرُّ وَ الصَّدَقَةُ، يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، وَ يَزِيدَانِ فِي الْعُمُرِ، وَ يَدْفَعَانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا سَبْعِينَ مِيتَةَ سَوْءٍ.