في هذه الأسطر اليسيرة جال في خاطري محاولة عقد مقارنة بين الامام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين السيد المسيح عيسى ابن مريم (عليه الصلاة والسلام) فخلصت الى مجموعة من الصفات والأخلاق المشتركة التي تقاسمتها تلك الشخصيتان المقدستان، ومن أبرز النقاط المشتركة بينها هو موضوع العناية الالهية الخاصة بولادتهما.
لقد دلت النصوص الصريحة الصحيحة أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خصه الله تعالى دون سائر الخلق بمنقبة جليلة، حيث شاءت العناية الآلهية أن يبزغ نوره بين جدران أعظم المقدسات وهي \الكعبة المشرفة\ حيث انشقت جدران هذا الصرح كرامة لمولده إيذاناً ببدء مسيرته الرسالية جنب الى جنب مع سيد الكائنات محمد المصطفى (صلى الله عليه واله).
فيروى في قصة ولادته (عليه السلام) أن أمه السيدة فاطمة بنت أسد قد أحست بوجع الولادة وهي في الشهر التاسع من الحمل، وأقبلت إلى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة، ثم وقفت للدعاء والتضرع إلى الله تعالى ليسهل عليها أمر الولادة، قائلة: يا رب إني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته...
ومصدقة بكلامك وكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وقد بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق أنبياءك المرسلين، وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي.. إلا يسرت عليّ ولادتي.
انتهى دعاء السيدة، وانشق جدار الكعبة من الجانب المسمى (بالمستجار) ودخلت السيدة فاطمة بنت أسد إلى جوف الكعبة، وارتأب الصدع، وعادت الفتحة والتزقت وولدت السيدة ابنها علياً هناك
من المعلوم: أن للكعبة باباً يمكن منه الدخول والخروج، ولكن الباب لم ينفتح، بل انشق الجدار ليكون أبلغ وأوضح وأدل على خرق العادة، وحتى لا يمكن إسناد الأمر إلى الصدفة.
والغريب: أن الأثر لا يزال موجوداً على جدار الكعبة حتى اليوم بالرغم من تجدد بناء الكعبة في خلال هذه القرون، وقد ملأوا أثر الانشقاق بالفضة والأثر يرى بكل وضوح على الجدار المسمى بالمستجار، والعدد الكثير من الحجاج يلتصقون بهذا الجدار ويتضرعون إلى الله تعالى في حوائجهم.
وقد نقل قال الحاكم في \ المستدرك \ 3: 483: كلاما حول هذه القصة قال: \وقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة\.
وأما المسيح فالعناية الالهية بولادته قد تكفل القران الكريم ببيانها قال تعالى في سورة مريم :
{واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقياً (16) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا(17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً (18) قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكياً (19) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً}.. الى ان يقول:
{ثم انتبذت مريم به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي و اشربي و قري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله} سورة مريم آية 20 - 27، و كان حمله و وضعه و كلامه و سائر شئون وجوده من سنخ ما عند سائر الأفراد من الإنسان.
فلما رآها قومها - و الحال هذه - ثاروا عليها بالطعنة و اللوم بما يشهد به حال امرأة حملت و وضعت من غير بعل، و قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ قال: إني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا و جعلني مباركا أينما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا، و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا
أمير المؤمنين والسيد المسيح .. الحب والبغض
ومن المشتركات التي نجدها أيضاً في شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وشخصية السيد المسيح، أن بعض مريديهما قد أخرجوهما عن حد الإنسانية فأدعوا أنهما إلهان فيروى أن بعض الضعاف لما شاهد من أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض المعاجز لم يتحملوا ما شاهدوه فقالوا انت انت : اي انت الله نعوذ بالله ، فقد ورد عنه (عليه السلام) أنه أتاه قوم فقالوا: أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا وإليك معادنا، فتغير وجهه وارفض عرقه وارتعد كالسعفة تعظيماً لجلال الله عزّ وجلّ وخوفاً منه، وقام مغضباً ونادى بمن حوله وأمرهم بحفير فحفروا، وقال: لأشبعنّك اليوم شحماً ولحماً، فلما علموا أنه قاتلهم، قالوا: إن قتلتنا فأنت تحيينا فاستتابهم فاصروا على ما هم عليه، فأمر بضرب أعناقهم، وأضرم لهم ناراً في ذلك الحفر، وقال: أضرمت ناري ودعوت قنبرا لما رأيت اليوم أمراً منكراً. (دعائم الاسلام 1:48، مستدرك الوسائل 18:170 ح22413).
وقد ابغضه اخرون حتى قالوا انه كافر وكاذب وصاحب خرافة (حاشاه) فقد كان (عليه السلام) قد بذل محاولات وجهوداً كبيرة، من أجل تعريف الناس وإفهامهم: أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسلم قد اختصه دون كل أحد بالعلوم والمعارف، وأنه هو الذي يملك علم الإمامة حقاً دون سواه؛ فكان يكثر من قول: «سلوني قبل أن تفقدوني».
كما أنه كان يكثر من الاخبارات الغيبية، حتى بلغت حداً جعل بعض الناس يتهمونه بالكذب [والعياذ بالله]. وقد سمع غلام [وهو أعشى همدان] حديثه فاعتبره حديث خرافة
كما أن قوماً كانوا تحت منبره قالوا عنه، بعد أن ذكر لهم الملاحم: «قاتله الله، ما أفصحه كاذباً» وجرى له مرة أخرى ما يشبه ذلك أيضاً، كما أنه (عليه السلام) قد خطب الناس وأخبرهم: أنه لو كسرت له الوسادة لحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم «وما من آية في كتاب الله، أنزلت في سهل وجبل، إلا وأنا عالم متى أنزلت، وفيمن أنزلت».فقال رجل من القعود تحت منبره: «يا لله، وللدعوى الكاذبة».
واما المسيح فقد غلا فيه قوم حتى قالوا انه اله قال تعالى: \و إذ قال الله يا عيسى بن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به: أن اعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و أنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم\: المائدة - 116 119.
وقد ابغضه اخرون وهم اليهود حتى رموه بعدة افتراءات منها انهم اتهموا والدته عليها السلام وانهم اردوا قتله بعد ان وشى به احد المرتبطين به فخيل اليهم انهم صلبوه فقد قال تعالى في رد دعوى اليهود: \و قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم و إن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن و ما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه و كان الله عزيزا حكيماً.