هذه الفتوى المباركة التي أطلقتها في الثالث عشر من حزيران عام 2014م المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا في النجف الأشرف، ودعت فيها العراقيّين القادرين على حمل السلاح للانخراط في القوّات الأمنيّة، للدّفاع عن العراق وشعبه ومقدّساته، أمام هجمة الإرهابيّين الدواعش الذين كانوا قد اجتاحوا مساحاتٍ شاسعة في عددٍ من المحافظات، وباتوا يهدّدون أمن العراق بأجمعه.
الاستجابةُ لهذا النداء الذي هزّ شعور وكيان كلّ عراقيٍّ شريفٍ وغيورٍ على بلده كانت سريعةً ومدوّيةً، إذ هبّ تلبيةً له بحسب التقديرات الرسميّة الحكوميّة للمسجّلين منهم نحو (٣) ملايين ونصف المليون متطوّع، من رجال العراق شيباً وشبّاناً ليقفوا بكلّ بسالةٍ كالطود الشامخ بوجه هذه الرياح الداعشيّة، وليسطّروا ملاحم إنسانيّة قبل أن تكون ملاحم انتصار.
سُطّرت في هذه الملحمة أروعُ الصور التي قلّ نظيرُها في العالم، حيث خاض أبناءُ العراق غمار حربٍ استمرّت ثلاث سنواتٍ وستّة أشهر، تجلّت فيها البطولةُ والإنسانيّة بأروع صورها وأسمى معانيها، فزُلزلت الأرضُ تحت أقدام الظلاميّين والمعتدين، الذين يريدون بأهل هذا البلد ووجوده وحضارته ودولته شرّاً.
وقدّموا في هذا الطريق الذي رسَمَ تأريخاً جديداً للعراق عشرات الآلاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى، إنقاذاً لهذا البلد وفداءً لحرماته ومقدّساته، حتّى منّ اللهُ عزّ وجلّ عليهم بالنصر المؤزّر وتمكّنوا من دحر عصابات داعش الإرهابيّة، وتطهير الأرض من رجسهم وإسقاط دولتهم المزعومة.
النصرُ المؤزّر والمؤيّد من الله تعالى لم يتحقّق إلّا بسببَيْن رئيسَيْن هما الفتوى المباركة واستجابة العراقيّين لها.
القدحة الأولى لهذه الفتوى المباركة كانت قد انطلقت من صحن الإمام الحسين(عليه السلام)، ومن منبر صلاة الجمعة على لسان ممثّل المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)، الذي أكّد في نقطتها الرابعة قائلاً:
(إنّ دفاع أبنائنا في القوّات المسلّحة وسائر الأجهزة الأمنيّة هو دفاعٌ مقدّس، ويتأكّد ذلك حينما يتّضح أنّ منهج هؤلاء الإرهابيّين المعتدين هو منهجٌ ظلاميّ بعيد عن روح الإسلام، يرفض التعايش مع الآخر بسلامٍ ويعتمد العنف وسفك الدماء وإثارة الاحتراب الطائفيّ، وسيلةً لبسط نفوذه وهيمنته على مختلف المناطق في العراق والدول الأخرى، فيا أبناءنا في القوّات المسلّحة أنتم أمام مسؤوليّةٍ تاريخيّةٍ ووطنيّة وشرعيّة، واجعلوا قصدكم ونيّتكم ودافعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته، وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدّسات من الهتك ودفع الشرّ عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح.
وفي الوقت الذي تؤكّد فيه المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا دعمها وإسنادها لكم تحثّكم على التحلّي بالشجاعة والبسالة والثبات والصبر، وإنّ من يضحّي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنّه يكون شهيداً -إن شاء الله تعالى-... والمطلوب أن يحثّ الأبُ ابنه والأمُّ ابنها والزوجةُ زوجها على الصمود والثبات دفاعاً عن حرمات هذا البلد ومواطنيه).
وسجّل العراقيّون بهذه الاستجابة أروع الدروس في طاعتهم للمرجعيّة الدينيّة العُليا في النجف الأشرف، وسطّروا أسمى معاني التضحيات وبذل الغالي والنفيس لمواجهة خطر عصابات داعش الإرهابيّة دفاعاً عن أرض العراق ومقدّساته، وترجموا بوقفتهم هذه عبارة (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) و (هيهات من الذلّة).
*العتبة العباسية المقدسة