وقالت الدراسة: إن الأزمات التي تسببها هذه الوسائل والفيديوهات أكبر بكثير من نفعها خاصة على الأطفال والمراهقين، وهذه الأزمات للأسف لا يدركها الآباء والأمهات مبكراً والكثير منهم يستسلمون تماماً لانشغال أطفالهم لساعات طويلة تصل لحد الإدمان أمام فيديوهات «يوتيوب» و«تيك توك» ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى والألعاب الإلكترونية.
تزامن ذلك مع عدد من الحملات أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «راقب طفلك»، وأخرى بعنوان «أطفالك أمانة»، بهدف محاربة بعض برامج «اليوتيوب» الشهيرة وكذلك صفحات «تيك توك» التي يشترك فيها الملايين من الأطفال وتتجاوز المشاهدات للفيديو الواحد الملايين، وبعض هذه الفيديوهات تتحدث عن العلاقة الزوجية والاغتصاب وفقد العذرية، وهذه الفيديوهات بالطبع تبث محتوى غير صالح ليراه أطفال ومراهقون.
كيف نحمي أولادنا من عالم الإنترنت الذي أصبح كاللغم في حياتهم؟
في البداية يؤكد الدكتور إيهاب ماجد، استشاري الصحة النفسية والعلاج الأسري والتربوي، أن الأطفال في العصر الحالي أصبحوا يعيشون في كم هائل من الرسائل الإلكترونية التي تبثها المنصات الإعلامية والألعاب الإلكترونية مما ينعكس سلباً على اتزانهم النفسي وأدائهم الدراسي، خاصة بعد أن وصل الأمر لدى البعض إلى درجة إدمان الفيديوهات والـ«سوشيال ميديا».
ويشير الاستشاري النفسي إلى أنه خلال الآونة الأخيرة ظهرت حملات شتى ضد بعض الأزمات التي تواجه الأطفال في عالمنا العربي بسبب برامج «اليوتيوب» غير المناسبة لأعمارهم وكذلك الفيديوهات المخيفة التي تظهر في شكل مادة إعلانية لكن فحواها يحث الطفل على أفعال قد تودي بحياته في الحال إلى الموت مثل فيديوهات الدمية «مومو» التي تظهر من حين لآخر بين فيديوهات الأطفال على «يوتيوب» لتحثهم على الانتحار أو إيذاء النفس معتمدة على وجهها المرعب الذي يخشاه الطفل بطبيعة الحال.
ويقول «دائماً ما أحذر الآباء والأمهات من هذه اللعبة المتداولة بين الأطفال وغيرها من الألعاب المشابهة والتي ترسل للطفل سلسلة من التحديات وتجبرهم على التنفيذ والانتحار خشية العقاب من الدمية المرعبة»
ويحذر الدكتور إيهاب ماجد من ترك الأطفال طول اليوم أمام الهاتف المحمول بهدف إلهائه وتسكيته وإبعاده من أجل «أداء المهام المطلوبة مني كأم في شغل البيت وأداء الأعمال المنزلية في هدوء، لأننا بعد فترة وجيزة سنكتشف إدمان الطفل لهذه الأجهزة الإلكترونية ومكوثه أمامها ساعات الليل والنهار كالصنم دون حركة وهذا الأمر مضر جداً، ولا يفيد فيه العلاج بإلغاء الإنترنت تماماً لأن الأمر سيكون بلا جدوى، إنما علاجه يكون بتقليل المدة واحدة واحدة، لأن الموضوع دخل في مرحلة الإدمان فنعالجه بنفس طريقة الانسحاب المتدرج التي تحدث للمدمن الذي يتعاطى المواد المخدرة، فمثلاً نقلل مدة الساعة لـ45 دقيقة وبعدها بفترة نقللها لـ 30 دقيقة وهكذا».
المحتوى المسيء على «يوتيوب»
ويتفق معه الدكتور محمد حمودة، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين بكلية الطب، في ضرورة حماية أطفالنا من المحتوى المسيء على «يوتيوب» وغيرها من المنصات الإعلامية لأن الكثير منها يتم تصنيفه على أنه مواقع ليست إباحية لكن لا يمكن وصفها بأنها مواقع آمنة لأولادنا.
ويوضح «للأسف الطفل يمكنه بنقرتين أو ثلاثة الوصول إلى محتويات فيديوهات بها الكثير من الانحراف الجنسي والشذوذ والعنف، خاصة أن «يوتيوب» لا يمنع نشر المقاطع الجنسية الشاذة غير الإباحية».
ويضيف «دائماً ما أحذر الآباء والأمهات من هذا الأمر وأقول لهم إنه ليس بالضرورة أن يقوم الطفل بالبحث عن المحتوى المسيء على «يوتيوب» بل يمكن أن يجده مصادفة خلال تصفحه، وهذا يحدث دائماً ولا يمكن تفاديه إطلاقاً، كما أن الطفل عندما يفتح الصفحة الرئيسية للمنصة تظهر أكثر المقاطع شيوعاً من حيث المشاهدة في البلد الموجود فيه والعديد منها ذو محتوى سيئ وقد يظهر محتوى مخل بالأدب أحياناً.
ورغم أن «يوتيوب» وغيره من المنصات الإعلامية تتيح لك وضع تقييد للمحتوى الذي يعرض لك كما يتيح لك اختيار بلدك من أجل وضع قيود ضد المحتوى المسيء لكن هذا لا يمنع ظهور مقاطع سيئة».
ويلفت الدكتور حمودة إلى أن الغرب أنفسهم يشتكون من أن يوتيوب لم تقدم الحماية اللازمة للأطفال من المحتوى المسيء رغم أن معايير المحتوى المسيء عندهم ضعيفة جداً.
ويشدد استشاري نفسية الطفل على أن أطفالنا بعد إدمان مثل هذه المواقع سيصبحون شخصاً آخر تماماً ويطلعون على أشياء جديدة ومثيرة ستغير مجرى نظرتهم وتفكيرهم واهتماماتهم وربما حياتهم بالكامل.
دور الآباء والأمهات
أما الدكتورة سهام حسن، استشاري الطب النفسي وخبيرة نفسية الطفل وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أنه قبل الحديث عن مخاطر وتأثير إدمان «يوتيوب» ومواقع الـ«سوشيال ميديا» في الأطفال علينا توعية الأبوين أولاً قبل الطفل من إدمان الهاتف، خاصة أن الأطفال يقلدون الأبوين والإخوة الكبار، لذا يجب عليهما أولاً وأخيراً أن يكونا قدوة لأطفالهما الصغار من خلال عدم انهماكهما هما أيضاً في مشاهدة مثل هذه المواقع.
وتشدد د. سهام حسن على ضرورة وجود اتساق في التربية بين الوالدين فهو أمر مهم حتى لا يهدم أحدهما ما يبنيه الآخر «دائما ما أدعو الآباء والأمهات إلى الاتفاق على أسلوب تربوي موحد واحترام قرارات بعضهما البعض أمام الأطفال، حتى لو وجد أحدهما أن الآخر عنيف ومتعنت مع الأولاد يجب عدم مواجهة ذلك بالدلال وترك الحبل على الغارب من الطرف الآخر بل يجب أن يتوقف المتعنت ويتوقف الدلال الزائد أيضاً، فمثلاً لا يقرر أحدهما تحجيم الطفل ومتابعة استخدام الطفل للـ «يوتيوب» والألعاب الإلكترونية ويترك الآخر الأمر على مصراعيه أمام الأبناء».
وتنصح الاستشارية النفسية أولياء الأمور وخاصة الأمهات بعدم ترك أطفالهن فريسة لهذه المواقع والألعاب الإلكترونية، وتشدد على ضرورة عدم الاستهتار بظاهرة الهواتف المحمولة التي يحملها الطفل والمراهق والشاب ليل نهار، وتبين «لا ترهقي عقل طفلك ولا تستسلمي لرغباته حتى وإن بدا الأمر صعباً خاصة أننا في عصر التكنولوجيا».
وتنصح الدكتورة سهام حسن الأمهات بأن يتبعن مع الأبناء أسلوب الإقناع وليس الإجبار «أقنعيه بترشيد استخدام هذه المواقع ولكن لا تجبريه وقدمي له المنح والمكافآت على التزامه وانتظامه في هذا الأمر».
*إيمان الحلواني