وقد صار من المعروف أن نمو الطفل منذ نعومة أظفاره يؤثر تأثيرًا كبيرًا في ما سيصير عليه في ما بعد، ويؤثر بالأخص في الاضطرابات السلوكية أو النفسية التي قد يعانيها حينما يكبر.
دور الآباء
وإذا كان دور الأمهات في العناية بالطفل قد حسم منذ زمن طويل ونال عددًا لا حصر له من الدراسات، إلا أن تأثير الآباء يصعب حصره وتحديده حتى اليوم نظرًا إلى أنه يشهد تغيرًا وتطورًا منذ بضع سنوات مع ازدياد أعداد النساء اللواتي ينخرطن في مجالات العمل. فعدد لا بأس به من الرجال اليوم، من بعض الفئات الاجتماعية، أكثر مشاركة في تربية أطفالهم، لذا يكون السؤال عن تأثير انخراطهم مشروعًا.
وقد جاءت بدايات الجواب من دراسة طويلة المدى أجريت في جامعة أكسفورد وشارك فيها 1400 طفل مع والده. في بداية الدراسة سُئل الآباء عن مدى اهتمامهم بتربية أبنائهم وتركزت الأسئلة على ثلاثة محاور:
أولاً: ردة فعل الزوج العاطفية إزاء دوره الجديد كأب، هل هو سعيد أم آسف؟ هل يتحدث إلى طفله ويحتمل صراخه؟
ثانيًا: انخراطه في العناية بالطفل، هل يحضر له الطعام؟ هل يلعب معه؟
وأخيرًا: ثقة الأب في دوره كوالد وكزوج، هل تغيرت حياته الزوجية؟ هل لا يزال يحب زوجته؟ ...
وبعد انقضاء عشر سنوات، سُئلت الأم عن سلوك الأطفال وما إذا كانوا يعانون اضطرابات عاطفية وقلقاً ونشاطاً مفرطاً أو مشكلات سلوكية اجتماعية. وكانت النتيجة أن الأطفال الذين سجلوا درجة عالية من الرعاية من جانب الأب كانوا أكثر ثقة بأنفسهم وأكثر توازنًا وأقل قلقًا، مما يساعدهم إلى حد كبير في مواجهة مشكلات المراهقة التي تنتظرهم.
في المقابل، أثبت الباحثون أن الأب الذي يعمل كثيرًا ويغيب طويلاً عن المنزل أو الأب الذي يعاني مشكلات صحية يشكل عاملاً في زيادة خطر اضطرابات سلوك الطفل خلال المراهقة.
وأخيرًا لم يظهر أي تأثير في نمو الطفل لانخراط الأب في أعمال العناية اليومية، والمهم هو انخراطه العاطفي ونوعية علاقته مع الطفل واهتمامه به. لكن هذا لا يعني أن يتخلى الأب عن مساعدة الأم في أعمال الرعاية اليومية لأن مشاركته ترفع عنها جزءًا من الأعباء الكثيرة وتجعلها أكثر سعادة وارتياحًا لتجعله هي بدورها أكثر سعادة. فالحياة العائلية عبارة عن حلقة يمكن أن تكون مفرغة وبيدنا أن نجعلها حلقة فاضلة.
*د. هدى محيو