السيدة زينب (ع) تُسقط إمبراطورية يزيد!

الشيخ مرتضى معاش
زيارات:1382
مشاركة
A+ A A-
سيدة جليلة وعظيمة، مرت بأدوار تاريخية كبيرة وصعبة جدا، لا يمكن أن يتحمّلها إلا الشخص العظيم، وهي حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (عليهما السلام)، وأخت الحسن والحسين (عليهما السلام)، ألا وهي السيدة الحوراء زينب (عليها السلام).

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

لا شك أن الإنسان الذي يعيش في بيئة كهذه، يصبح عظيما بالإضافة إلى قابلياته الخاصة، وقد تربّتْ على صفات عالية، وكبيرة وعظيمة ترتقي إلى قمة الإنسانية، ومرت بالمواقف الصعبة واحدا تلو الآخر، وكل موقف كان ابتلاء يزيدها عظمةً إلى أن تجلى ذلك الموقف الكبير في كربلاء، وظهر المعدن الحقيقي للسيدة زينب (عليها السلام).

وقفت ذلك الموقف البطولي ولم تتزلزل عن موقعها، صامدة مستقيمة، في كل لحظة كانت تمسك بزمام الأمور، ولا تدع شيئا ينفلت حتى يصبح أبناء أهل البيت (عليهم السلام) في مأمن، فكانت هي الحامية في غياب الرجال، وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) مريضا، وكان يحتاج إلى حماية حتى يبقى نسل المعصومين (عليهم السلام) مستمرا.

كانت السيدة الحوراء (عليها السلام) هي المدافعة عن أهل البيت (عليهم السلام) في كربلاء، وعندما نقرأ التاريخ ونرى مواقفها (عليها السلام) نرى قيمة هذه الشخصية، وهناك بعض الصفات التي يمكن أن نستلهمها من شخصية السيدة زينب (عليها السلام):

أولا: الإيمان واليقين والتسليم

في شخصيتها كان الإيمان واليقين والتسليم، وهذا هو المستوى الراقي لهذه الشخصية في مقام المستوى الكبير للأولياء، فهي البذرة الصالحة الكبيرة التي جسدت في كربلاء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بقوتها وعظمتها وهيبتها، وجسدت في كربلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ببلاغتها وخطابها وشجاعتها وصمودها.

والإيمان هو المؤشّر الأول والبداية الأولى كي يكون الإنسان شخصية جيدة، وبعد الإيمان تصل إلى اليقين الذي هو قمة الإيمان، فالإنسان الذي يكون على مراتب في شخصيته وفي نموه، يكون أعلى مستويات الإيمان هو اليقين، ومن اليقين ينبثق التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى والرضى بقضائه، حيث واجهت السيدة زينب (عليها السلام) في كربلاء تلك المواقف الجليلة المأساوية.

وقفت حفيدة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابنة أمير المؤمنين العقيلة زينب على جثمان أخيها الحسين (عليه السلام) الذي مزقته السيوف، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها إلى السماء وهي تدعو بحرارة قائلة: (اللهمّ تقبَّل منا هذا القربان)، وهذا هو الإيمان واليقين والتسليم المطلق لأمر الله سبحانه وتعالى، ففي هكذا موقف جليل ويسلم انسان نفسه لله سبحانه وتعالى، فهذا يعبّر عن عظمة هذه الشخصية وقوتها.

بعض الناس عندما يواجه مواقف صعبة في حياته ينهار ويستسلم، ولا يبقى على قوته وصموده، إلا الصالحين والأولياء، والأئمة والرسل، لذلك وقفت السيدة زينب بقوة وتماسك وهذا الإيمان والتماسك يقف خلفه اليقين وقوة التسليم.

التربية على عدم الاستسلام

عندما نستلهم العبر والدروس من أهل البيت (عليهم السلام)، نحاول أن نستفيد من هذه العبر والدروس في حياتنا، ونصنع من أنفسنا شخصيات قوية من خلال التأسّي بأهل البيت (عليهم السلام)، وهذا هو المهم وهو الدرس العظيم الذي نحن بحاجة إليه، هناك كثير من الناس يستسلم وينهار وينحرف بسبب استسلامه، أو يذهب في طريق الظالمين ويكون من أعوانهم، وهذا خطأ كبير يضيع بسببه الإنسان وينتهي، وتذهب حياته هدرا في الاستسلام للظالم والطاغية، وفقا لمبدأ (حشر مع الناس عيد).

لذلك لابد أن نربي أولادنا على الإيمان واليقين، وأن لا يكون مرتابا ولا شاكّا في حياته، بل يكون عنده يقين بعقائده وإيمانه بالله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وبأئمته (عليهم السلام)، وبالمعاد والآخرة وأن هناك حساب، وهذا الايمان يجعله مسلما أمره لله سبحانه وتعالى، من خلال تلك القوة التي تجعله قادرا على مجابهة التحديات الصعبة والمشاكل التي قد تحصل في حياته.

ثانيا: البصيرة والعلم والفهم

من صفات السيدة زينب (عليها السلام) البصيرة والعلم والفهم، فالإنسان موقف، أما يتخذ موقفا صالحا أو سيئا، والذي يتخذ موقفا في حياته، وخصوصا إذا كان موقفا عظيما، فهو يمتلك بصيرة كبيرة، وهي القدرة على النظر إلى ما وراء الحُجب الدنيوية والمادية، ورؤية الواقع كما هو، وهذا ينشأ من العلم، وبالنتيجة فإن التعلّم الجيد والمركّز، والتعلّم الشخصي الصحيح، وتعلّم المبادئ الصحيحة، وأسس العلم المفيد، وخصوصا العلم الإلهي، يعطي للإنسان بصيرة.

وفي مقال سابق، تطرقنا في قضية أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى الرؤية الاستراتيجية وكيف يصل الإنسان إلى المرحلة الأخيرة للفهم، البصيرة هي كاشفة عن فهم الإنسان، ولذلك فإن السيدة زينب (عليها السلام) كان عندها علم وبصيرة وفهم، فهي تعرف وتفهم ماذا تعمل، وماذا تؤدي في حياتها، وهذا نوع من الكشف العلمي للواقع.

الإنسان الفاهم المتعلم بصورة صحيحة للعلوم سوف يصل إلى البصيرة، وهي التي تكشف له ماذا يجري في الواقع فيفهمهُ، لذلك يقول الإمام علي (عليه السلام): (إن معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس علي)، بمعنى لم أعمل على تضليل أحد، ولم يضللني أحد، فهو في مقام الإدراك الكامل، فلا ينخدع بالأباطيل والضلالة التي تبثها قوى الطغيان والانحراف.

فصاحب البصيرة لن يكون ناقلا لهذا الضلال والانحراف، كما نلاحظ ما يحصل اليوم، في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يُلبَّس على الناس، فهناك من ينقل الانحراف والأكاذيب دون أن يعلم ومع ذلك هو يلبّس الضلالة على الآخرين، وبدون أن يدقق الأمر ويمحّصه، وهذا يدل على عدم وجود البصيرة والفهم.

قيمة الفهم والإدراك والوعي

الجدير بمن يتبع أهل البيت (عليهم السلام) أن يكون متصفا بهذه الصفة، وفي حال عكس ذلك فلابد أن يسعى للوصول إلى الحقيقة، لكي يصل إلى الواقع، وهذه نقطة محورية في حياتنا، لأن كل حياتنا قد تكون عبارة عن أكاذيب أخذناها من الآخرين بسبب عدم وعينا وفهمنا للأمور، ولكن السيدة زينب (عليها السلام) كانت في قمة الفهم والإدراك.

في هذه القضية التاريخية، (لمّا أدخلوا السبايا الكوفة وأخذ الناس يبكون وينوحون لأجلهم، التفتت إليهم سيدتنا زينب (ع) وأومأت إليهم بالسكوت، ثم خطبت عليهم خطبتها الشهيرة والتي قال عنها الراوي: فلم أر والله خفره أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين (ع)، وبعد أن انتهت من خطابتها على الناس، توجه إليها الإمام زين العابدين (ع) قائلاً لها: (يا عمَّة… أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة).

هناك ثلاث معان لكلمة (خفره)، المعنى الأول شديدة الحياء، المعنى الثاني أنها كانت متعبة، والمعنى الثالث أنها كانت حامية ومجيرة لأهلها، وكل هذه المعاني تنطبق عليها، فكانت متعبة فعلا، وشديدة الحياء، وكانت هي الحامية الوحيدة لهذا الجمع، فكانت (عليها السلام) في موقف بالغ الصعوبة، يُقتَل أخوتها، وأبناء أخوتها وابنائها، فكانت مجزرة كاملة وإبادة شاملة، وكل شيء جرى أمام عينيها، وتكون بتلك القوة وذلك المنطق، (كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين)، كأن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي يخطب بالناس.

وقول الإمام زين العابدين (عليه السلام)، (يا عمَّة… أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة)، شهادة عظيمة بحق السيدة زينب (عليها السلام) من الإمام زين العابدين وهو إمام معصوم (عليه السلام)، وكلامه وسيرته وسكوته حجة.

وفعلا كانت السيدة زينب (عليها السلام) قوية بكلماتها، وعندما تراها في تلك المواقف فسوف ترى العلم والفهم.

ثالثا: الشجاعة والصمود والاستقامة

وهذه الصفات تعبر عن شجاعتها، وكيف صمدت وكيف كانت مستقيمة إلى آخر لحظة، في حماية الرسالة الحسينية العلوية المحمدية، وإيصال ذلك الخطاب للناس حتى يعرفوا الحقيقة، وهذه شجاعة وصمود واستقامة، في مواجهة الطغاة والظالمين من أمثال (بن زياد)، ويزيد عليهم لعائن الله.

بوجود الطغاة من الصعب إيصال الحقائق للناس، والإعلام المضاد لأهل البيت (عليهم السلام)، ومع وجود كل هذه التحديات استطاعت (عليها السلام)، إيصال فكرة وأهداف النهضة الحسينية إلى المجتمع، بصورتها السليمة الصحيحة.

الكلمة تُسقِط إمبراطورية كاملة

خاطبت السيدة زينب (عليها السلام) ذلك الطاغية يزيد ذلك الخطاب الذي زلزل عرشه، وزلزل عرش الأمويين، ويمكن القول أن هذا الخطاب هو الذي أسقط عرشهم، بالإضافة إلى خطاب الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فخطاب السيدة زينب أسقط الدولة الأموية، كلمة اسقطت دولة وامبراطورية كاملة.

كلمة عظيمة تعبر عن شجاعة الشخص وصموده واستقامته في مواجهة المشكلات والتحديات، والاستقامة على الدرب والطريقة، تقول السيدة زينب (عليها السلام): (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جاهدك. فو اللّه لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ولا يرخص عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة اللّه على الظالمين).

إن شجاعة السيدة زينب (عليها السلام) في توضيح الأمر أمام هذا الطاغية جعلت عرشه يتزلزل، فالشجاعة تغلب الظلم دائما، والشجاع غالب، والجبان مغلوب، فالسيدة زينب (عليها السلام) لم يرهبْها ذلك الطاغية الجالس بين جيوشه وقواته، وأخذ يستهزئ بأهل البيت (عليه السلام).

لكن السيدة زينب (عليها السلام) خاطبته بكلمات عالية جدا في رزانتها ورصانتها، وفي تبيين الأمور، كما أعطت ببصيرتها رؤية للمستقبل، وقالت للطاغية (وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد)، وهذا ما حدث بالفعل، وهذه هي صفات الطغاة، فليس لديهم رأي بل وهم يصنعوه من أجل تثبيت حكمهم، لكن كلمتها زلزلت عرش الطاغية وهزت اركانه وبددت جمعه.

رابعا: الصبر والعطاء والتضحية:

قال بن زياد: (كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتكِ)، فأجابته (عليها السلام): (ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم)، هذا هو جمال التضحية، فالجمال لا يأتي من الأشياء الظاهرية التي نراها، بل يأتي من خلال جمال المعنى وقوة الشخصية التي تعبر عن ذلك المعنى، يقول القرآن الكريم: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا) المعارج 7، فالصبر جميل لأنه يعبر عن معنى إنساني كبير، لذلك نحن نحتاج أن نقرأ معنى الجمال، فنحن دائما ننظر إلى الجمال بأعيننا وحواسنا، ولا ننظر له ببصيرتنا ورؤيتنا الداخلية، فالجمال الحقيقي ينبثق من الداخل، الجمال بالصبر، لأنه يقود إلى كل المعاني العالية في الإنسان.

أين يكمن الجمال الحقيقي؟

الجزع في مقابل الصبر، والإنسان الجزوع يعبر عن الانهيار الكامل له، فالصبر يساعد على بناء اليقين وبناء الإيمان، والرحلة طويلة نحو التألق والارتقاء والسمو إلى المعاني الإلهية الكبيرة، لذلك فإن الصبر جميل، والتضحية جمال، والعطاء جمال، وهذا الجمال انبثق في كربلاء، وتبيّن ذلك الصبر الجميل في شخصية السيدة زينب (عليها السلام).

(هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل)، فكل إنسان بالنتيجة سوف يموت، لكن كيف يموت؟، هناك من يختار الموقف الذي يموت بسببه، وهذا الموقف الذي اختاره شهداء كربلاء عبّر عن جمالهم، وجمال معانيهم الكبيرة، لذلك يتفاعل الناس مع كربلاء وشهدائها ومع السيدة زينب (عليهم السلام)، لأن موقفهم هو تعبير عن الجمال الإلهي العظيم، الذي اجتمعت فيه كل تلك القيم والمبادئ العظيمة.

هذا هو الجمال الحقيقي الذي لابد أن ننشده، أما الجمال المادي الموجود حاليا، والذي تلهث وتركض الناس وراءه، فهو جمال مزيّف يحمل في كثير من الأحيان من وراءه قبحا.

إن السيدة زينب (ع) مثال للتضحية والصبر والتحمّل، وقد لعبت دوراً مهمّاً وأساسياً في إحياء الثورة العاشورائية، وجسّدت أروع ملاحم الإيثار والمواساة، وكانت (ع) كالطود الشامخ، كيف لا وهي العالمة غير معلّمة والفاهمة غير مفهمة، كما ورد على لسان الإمام السجاد(ع).

التحديات التي تواجهها المرأة في عصرنا الحالي

إن الاستجابة التحديات التي تواجهها المرأة هو أن تجعل من السيدة زينب أسوةً لها، وتكمن التحديات في أن تتعلم المرأة اليوم معنى التضحية والعطاء، لذلك فإن التأسّي وجعل السيدة زينب نموذجا للمرأة ونموذجا للإنسان بشكل عام، يقود المرأة نحو عالم آخر غير العالم الذي نعيش فيه اليوم، ونقصد به العالم المادي الضحل، فالنموذج الزينبي يقود المرأة إلى عالم أسمى وأرقى.

أولا التحدي الذاتي:

ويتمثل في الحصول على الإيمان وبناء النفس والشجاعة وقوة الشخصية ومعرفة النفس، والبساطة في الحياة وتحصين الذات، كل هذه الصفات نستلهمها من السيدة زينب (عليها السلام)، البساطة في الحياة تجعل الإنسان لا يكون لديه توقعات مادية كبيرة، ولابد أن يعيش في المعنى لأنه هو المهم، أما الأمور المادية فهي مجرد وسائل.

لذلك ترى الناس يذهبون وراء المهور الغالية، والتعقيدات الأخرى في الحياة، كالبيت الواسع، والسيارة الفارهة، كل هذه الأمور فيها تعقيد كبير، بحيث تُخرج الإنسان من المعنوية وتغرقه في الأمور المادية، لهذا لابد من العمل على تحصين الذات، من خلال بناء النفس، وهذا التحصين يساعد الإنسان على مواجهة كل تلك الأمور التي تنهال عليه من جميع الجوانب، كالقضايا النفسية والاجتماعية والثقافية.

ثانيا التحدي التربوي:

صناعة الشخصية وظيفة أساسية، فعندما يضيع الأبناء والبنات، السبب يكمن في وجود خلل في التربية، لذلك وعلينا أن نأخذ التربية كعامل بناء كما أوصانا أهل البيت (عليهم السلام)، فحين تقرأ وصايا أمير المؤمنين إلى ولده الحسن (عليهما السلام)، تجدها جميعا وصايا تربوية، إنها منهج تربوي، وصناعة تربوية.

التربية على الاحترام والمسؤولية

التربية هي استراتيجية تُصنَع، وتسير باستقامة في الحياة، من أجل إعطاء زخم دائم لأبنائنا لكي يعرفوا كيف يعيشون، وذلك من خلال التغذية بالقيم الصالحة، والأفكار والأخلاق الصالحة، كذلك التربية بالأسوة على نموذج زينب وأهل البيت (عليهم السلام)، والتربية بالحوار أيضا، والعمل على فتح حوارات داخل الأسرة.

يجب التربية باللاعنف، وليس بالتشدد والعنف والقوة والقسر فهذا خطأ كبير، لأن الإنسان عاقل ويحتاج إلى حوار وفهم ويجب أن يقتنع بالكلام الذي يسمعه، وإذا تم كل شيء بالقوة والعنف يصبح الإنسان بليد المشاعر وأفكاره معتمة وظلامية.

وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): (حزم في لين)، فالتربية باللين هي تربية تغذي الإنسان بالأفكار والأخلاقيات الصالحة، كذلك التربية على الاحترام والمسؤولية، وأن لا نجعل أولادنا عشوائيين يتصرفون بلا مسؤولية، فالمسؤولية تربية، واحترام الآخرين تربية، وهذا يؤدي إلى احترام النفس وتقديرها لذاتها.

ثالثا التحدي الثقافي:

إننا نعيش اليوم في ظل غزو ثقافي كبير ينهال علينا، كالأعاصير الكبيرة، وهذا الغزو الثقافي يؤدي بنا الوقوع في فخ التضليل، ويدفعنا للتخلي عن أصالتنا، واستنساخ نماذج الآخرين في سلوكيات حياتنا، مما يجعلنا مقلّدين للآخرين في تقليد أنماط حياتهم، حتى أصبحت مجتمعاتنا اليوم تعيش التبعية للثقافات الأخرى.

بالإضافة إلى العيش في عالم الاستهلاك المطلق، الذي جعل ثقافتنا سطحية جدا، وقد قادنا عالم الاستهلاك إلى الضحالة، وإلى التسافل والتفاهة، وهو من أكبر التحديات الثقافية الكبيرة.

لقد أوصى القرآن الكريم ببذل الجهد والسعي، فيجدر بالمرأة أيضاً أن تكون ساعية دوماً ولا تهدر حتى لحظة واحدة من عمرها في غير النافع أو الضروري، أي لا تهدر حياتها بالتفاهة ولا بالأشياء التي ليس لها أولوية في حياتنا، فنحن نحاسَب على عمرنا، وكلما نختاره له ثمن، ولأنفسنا ثمن، فلابد أن نختار الراقي معنويا وليس الغالي ماديا.

لابد من اختيار الأشياء الضرورية والمهمة في حياتنا، وكلما اخترنا الأشياء الضرورية في حياتنا، يرتفع مستوى الفهم والوعي عندنا، وكلما نذهب إلى اختيار الماديات، فإن مستوى الوعي والإدراك ينخفض لدينا إلى أن يصبح الإنسان بلا وعي ولا إدراك.

مواضيع مختارة