شاعت في الفترة الأخيرة ظاهرة خطيرة في المجتمع الشيعي بصورة عامة، وهي ادعاء بعض الأشخاص الإمامة أو النيابة عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وهذه الظاهرة وللأسف الشديد قد وجدت صدىً عند بعض الجهال أو أنصاف المتعلمين، ولأن الإمامة ـ كما هو مقرر عن الشيعة ـ لطف من الله تعالى إذاً لا بد من قانون يكون بموجبه اختراق الإمامة متعسر على المبطلين وإلا للزم عدم كونها لطف من الله، وهذا القانون هو (المعجزة).
لكن، ما هي المعجزة؟
بعيداً عن العبارات التي يتداولها علماء الكلام والتي يراها عامة الناس معقدة نوعاً ما، سنتناول هذا المصطلح بإسلوب بسيط لتعميم الفائدة، نقول التالي:
إن لهذا العالم قوانين تكوينية (طبيعية) تكون سارية المفعول على كل من يتواجد فيه، فعلى سبيل المثال قانون الجاذبية لا يستثني أحداً من الموجودات، فالطبيعة الأرضية من شأنها أنها تجذب الأشياء نحوها، وهذا القانون أودعه الله تعالى في الأرض، فإن حصل وشاهدنا شخصاً له سلطة على خرق هذا القانون أو غيره، كإحياء الموتى مثلاً، فمعناه أنه حجة من الله تعالى، على أن لا يكون سحراً!
وهنا سؤال آخر: كيف نفرق السحر عن المعجزة
إن السحر وإن كان الظاهر منه أن فاعله قد خرق القانون الطبيعي إلا أن ذلك خلاف الواقع، بمعنى أن السحرة يعتمدون على القوة الخيالية عند البشر وبشيء من السرعة وخفة فيتضح الأمر وكأنه حقيقي، أما المعجزة فهي خرق واقعي للقانون الطبيعي لا أنه مجرد تخيل للرائي، وكمثال على ذلك أن السحرة الذين آمنوا على يد النبي موسى (عليه السلام) كان سبب إيمانهم أنهم قد رأوا أن عصا موسى قد تحولت الى ثعبان حقيقي وأما ما فعلوه هم فإنهم قد طلوا حبالهم بمادة الزئبق بنسب وتركيبات معينة، وبخفة يدهم المعتادة تخيل المشاهدون أن حبالهم تحولت الى ثعابين، ولما إطلعوا على حقيقة فعل موسى (عليه السلام) آمنوا به لا لأن ثعبان موسى تغلب على ثعابينهم في حلبة المواجهة.
فيتضح مما تقدم أن قانون المعجزة لا يمكن إختراقه لأنه تخويل من الله تعالى لشخص يبعثه بغرض تبليغ رسالته ودعوته، ومن غير المعقول أن يفوضه للمبطلين لأنه خلاف حكمته تعالى.
فنخرج بنتيجة مفادها أن كل من يدعي أنه إمام في هذا الزمان فعليه أن يثبت لنا ذلك من خلال هذا القانون الآلهي المحكم، وقد دلت الروايات وكلام العلماء على ذلك وهذه الشواهد
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام:
" ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء الّا يُظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء "
وأما ما ذكره علمائنا في كيفية معرفة الامام
1 ] الشيخ المفيد ( قدس الله روحه ): "واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه والتوقيف، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة والمتسمون بأصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا معجز له ولا نص عليه ولا توقيف".
2 ] ما ذكره الشيخ ابو جعفر الطوسي ( قدس الله روحه ) في تلخيص الشافي
"مما يدل على ذلك أن الامام اذا وجبت عصمته وكانت العصمة غير مدركة بالحواس فيستفاد العلم بها من جهتها ولم يكن ايضا عليها دليل يوصل الى العلم بحال من كان عليها فيتوصل اليها بالنظر في الادلة فلا بد مع صحة هذه الجملة من وجوب النص على الامام بعينه أو إظهار المعجز القائم مقامه عليه".
3 ] الحر العاملي
"إنّ الإمام عليه السلام عالم بالاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به لإحياء الموتى أحياهم".
السفراء لا بد من إتيانهم بالمعجزة
إن السفراء في زمن غيبة ولي الله الأعظم (عجل الله فرجه الشريف) كان الشيعة يتعرفون عليهم من خلال المعجزة، وإليك الشاهد:
ذكر الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج ما نصه:
"وأما الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة:
فأولهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو (عثمان) بن سعيد العمري. نصبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري، ثم ابنه أبو محمد الحسن، فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام، وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.
فلما مضى لسبيله، قام ابنه أبو جعفر (محمد) بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك.
فلما مضى هو، قام بذلك أبو القاسم (حسين بن روح) من بني نوبخت.
فلما مضى هو، قام مقامه أبو الحسن (علي) بن محمد السمري ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام، تدل على صدق مقالتهم، وصحة بابيتهم..".