ومن أكثر الحوادث وضوحاً في هذا الجانب حادثة أصحاب الفيل، حيث قادهم أبرهة القادم من الحبشة مع جيش جرار مدجج بالفيلة، غرض هذا الجيش هو تهديم البيت العتيق بمكة الذي شيده إبراهيم الخليل وولده إسماعيل (عليهما الصلاة والسلام).
وما هي إلا لحظات وقد حجبت ضوء الشمس أسراب طير الأبابيل تحمل تلك الحجارة التي وصفها القرآن الكريم بأنها (من سجيل) فما كان من القوم إلا أن يهلكوا مستأصلين بهذا العذاب، بعد أن جعلهم (كعصفٍ مأكول).
وآيات العذاب من هذا القبيل مذكورة في القرآن الكريم بما لا يدع مجالاً للشك في أن عاقبة الاجتراء على حرمات الله وشعائره جزائها الهلاك والعذاب.
وهذا ما حصل عند اجتراء هذه الأمة العاصية على قتل سبط رسول الله (صلى الله عليه واله) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).
فآيات غضب الله عند إجتراح هذه الجريمة أكثر من أن تحصى، يكفيك منها ظهور الحمرة في السماء ونبع الدم عند رفع أي حجر من بيت المقدس عشية مصرع الإمام الحسين (روحي له الفداء).
كما أن سبب تأخير فرج آل محمد (صلوات الله عليهم) على يد قائمهم (عليه السلام) لمقتل الحسين (عليه الصلاة والسلام) له علاقة به.
فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: " يا ثابت إن الله تعالى قد كان وقت هذا الامر في سنة السبعين فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم بذلك فأذعتم وكشفتم قناع الستر فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك وقتا عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
قال أبوحمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال: قد كان ذلك ".
وهنا يحتمل أن يكون المبدء يوم غيبته (عليه السلام) كما احتمله بعض الأكابر، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى قرره أولاً بشرط أن لا يقتل الحسين (عليه السلام) بعد السبعين من غيبة المهدي (عليه السلام) فبعد أن قتل الحسين (عليه السلام) أخره إلى المائة والاربعين بشرط عدم الاذاعة لسرهم، فقال (عليه السلام) بعد أن أذعتم السر وكشفتم قناع الستر، وستر عنا علمه، أو لم يأذن لنا في الاخبار به.
تبقى ملاحظة أخيرة لا بد من بيانها وهي:
لماذا أهلك الله تعالى أصحاب الناقة وأصحاب الفيل بالاستئصال ولم يهلك مجرمي كربلاء بمثل هذا العذاب مع العلم بأن الحسين (عليه الصلاة والسلام) أكثر قداسة من البيت الحرام وأعظم شرافة وطهراً من الناقة؟
الجواب: للأسباب التالية:
1 ـ لم يكن جميع من حضر في كربلاء في جيش الكوفة القادم لقتال الحسين (عليه الصلاة والسلام) على قلب واحد بل كان بعضهم غير راضٍ بقتله بل كان بعض الضعاف المهزوزين يدعو له، وهذا ما لم يحصل عند قوم نوح أو لوط أو صالح (صلوات الله عليهم) أو جماعة أبرهة، حيث كانوا على قلب رجل واحد متفقين على اجتراء المعاصي عداوة لله تعالى ورسله وأنبيائه (صلوات الله عليهم)، فما كان من الله إلا أن يُنزل عليهم عذاب الاستئصال بأن يبيدهم عن بكرة أبيهم.
2 ـ أعقبت حادثة مصرع الحسين (عليه السلام) إقامة العزاء والنياحة من قبل الموالين للحسين وأهل بيت (عليهم السلام) سيما يوم مواراة جسده القدسي والكوكبة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه (صلوات الله عليهم) وهذا له أثر كبير في دفع غضب الله عن الحلول في ساحة خلقه.