أيّها الإخوة والأخوات أعرض على مسامعكم الكريمة الأمرين التاليين:
الأمر الأوّل: تلقّينا وتلقّى العراقيّون جميعاً ببالغ الأسى والأسف نبأ العمليّة الإجراميّة التي قامت بها عصاباتُ داعش الإرهابيّة، باختطافها وقتلها لعددٍ من الإخوة العاملين في إسناد القوّات الأمنيّة ومنتسبي الشرطة، ونتقدّم بهذه المناسبة بأحرّ التعازي وخالص المواساة لعوائل هؤلاء الشهداء الأعزّاء، وخصوصاً آبائهم وأمّهاتهم وزوجاتهم وأيتامهم الذين لم تنفع مناشداتُهم في قيام الجهات المعنيّة بتحرّكٍ سريع لإنقاذ حياة آبائهم، سائلين الله تعالى أن يتغمّد الشهداء الكرام برحمته الواسعة وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان، إنّ استهداف عصابات داعش لمجموعة من المواطنين العراقيّين المنتمين الى محافظات ومكوّنات مذهبيّة، واختلاط دماء مواطنين من مدينة كربلاء المقدّسة بدماء مواطنين من محافظة الأنبار العزيزة، دليلٌ على أنّ الإرهابيّين الدواعش هم أعداء للعراق بجميع مكوّناته، وأنّهم لا يفرّقون في جرائمهم واعتداءاتهم بين عراقيّ وآخر، ممّا يستدعي تضافر جهود جميع العراقيّين بمختلف انتماءاتهم للقضاء التامّ على هذه العصابات المجرمة ومواجهة فكرها الضالّ الذي يبتنى على ممارسات الخطف والسبي والذبح وغيرها من الجرائم الوحشيّة، وسبق أن نبّهنا أنّ المعركة مع عصابات داعش لم تنتهِ وإن انكسرت شوكتها وذهبت دولتها المزعومة، إذ لا تزال هناك مجاميع من عناصرها تظهر وتختفي بين وقتٍ وآخر في مناطق مختلفة وتقوم بإرعاب المواطنين والاعتداء عليهم، فليس من الصحيح التغاضي عن ذلك والانشغال بنتائج الانتخابات وعقد التحالفات والصراع على المناصب والمواقع عن القيام بمتطلّبات القضاء على الإرهابيّين وتوفير الأمن والحماية للمواطنين في مختلف المناطق والمحافظات، إنّ الردّ الصحيح والمُجدي على جريمة اختطاف وقتل المواطنين الستّة المغدور بهم يتمثّل بالقيام بجهدٍ أكبر استخباريّاً وعسكريّاً في تعقّب العناصر الإرهابيّة وملاحقتها في مناطق اختفائها، وتمشيط تلك المناطق وفق خططٍ مدروسة والقبض على المتورّطين في الأعمال الإرهابيّة وتسليمهم للعدالة، مع ضرورة المحافظة على حقوق المواطنين المدنيّين وتجنّب الإساءة لهم أو تعريضهم الى المخاطر في المناطق التي تجري فيها العمليّات الأمنيّة والعسكريّة.
وبهذه المناسبة نودّ الإشادة مرّةً أخرى بجهود وتضحيات أعزّتنا في القوات الأمنيّة بمختلف عناوينهم، فهم الصفوة من أبناء هذا البلد الذين يسترخصون أرواحهم ودماءهم بالذبّ عنه وحماية الأرض والعرض والمقدّسات، والأمل معقودٌ عليهم في تخليص هذا الشعب الجريح والصابر من بقايا العصابات الإرهابيّة، فعليهم أن لا يفتروا أو يملّوا عن ملاحقتها والقضاء عليها لينعم العراق بالأمن والاستقرار إن شاء الله تعالى.
كما نودّ أن نقدّر عالياً جهود الإخوة الكرام في مواكب الدعم اللوجستيّ للقوّات الأمنيّة، فقد أدّوا دوراً بالغ الأهميّة في الانتصارات التي تحقّقت على مدى السنوات الماضية، ولا تزال الحاجة ماسّةً الى قيامهم بهذا الدور.
ومن هنا نهيب بجميع المواطنين الميسورين أن يستمرّوا في إسنادهم وتوفير ما يحتاج اليه أبناؤهم المقاتلون في سواتر العزّ والكرامة من مختلف المؤن والموادّ الغذائيّة وغيرها.
الأمر الثاني: إنّ هناك الكثير من المشاكل والأزمات التي يُعاني منها شرائح مختلفة من المواطنين، وطالما يطلبون منّا طرحها في خطب الجمعة ومطالبة المسؤولين بمعالجتها، لكنّنا لا نرى جدوى من ذلك في غالب الحالات، حيث لا نجد آذاناً صاغية واهتماماً مناسباً لدى الجهات المعنيّة، ولكن معاناة القطّاع الزراعيّ اشتدّت في الآونة الأخيرة وازدادت شكاوى المزارعين من قلّة مصادر المياه وملوحة الأراضي، وعدم توفّر مقوّمات الإنتاج بصورة صحيحة، والذي أدّى الى تراجع هذا القطّاع المهمّ الى حدٍّ مخيف مع ما له من أهمّية بالغة في توفير فرص العمل وتحقيق موارد ماليّة تُساعد على تحسّن الوضع الاقتصاديّ، إنّ ممّا يؤسف له أنّ القطّاع الزراعي لم يأخذ استحقاقه من الاهتمام والعناية خلال السنوات الماضية من الجهات الرسميّة ذات العلاقة، فصار يُعاني من أزمةٍ حقيقيّة وقد زاد من تفاقم أزمتها تناقص المياه الواصلة من الدول المجاورة على مرّ السنين، بعد أن بادرت هذه الدول الى الاهتمام ببناء السدود وبالتالي حجب مزيدٍ من المياه عن الوصول الى الأراضي العراقيّة.
إنّ المطلوب من الجهات المعنيّة في الحكومة العراقيّة المسارعة الى مساعدة المزارعين العراقيّين لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، ووضع خطط صحيحة مستقبليّة لاستخدام التقنيّات الصحيحة في تطوير القطّاع الزراعيّ ولاسيّما في عمليّات السقي لقليل المياه المصروفة فيها، وغير ذلك من الأساليب المتّبعة في الدول التي تُعاني من شحّة المياه.
كما أنّ من الضروري بذل كلّ الجهود مع دول الجوار لضمان رعايتها لحقوق العراق بموجب القوانين الدوليّة الخاصّة بالمياه المتدفّقة عبر الأنهار المشتركة، بل وعرض اتّفاقات ثنائيّة وفق ما تمليه المصالح الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة المتبادلة لتأمين الكميّة اللازمة من المياه للقطّاع الزراعيّ العراقيّ.
نسال الله تعالى أن يتغمّد الشهداء الأبرار بالرحمة والرضوان، وأن يمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء والعافية، وأن يغيّر سوء حالنا الى أحسن حال إنّه سميعٌ مجيب، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
*الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 14/شوال/1439هـ الموافق 29 /6 /2018 م