هذه القصة حقيقية، حدثت في الواقع ولم يؤلفها الخيال: قبل عشر سنوات، كانت أجهزة الهواتف الجوالة "الموبايل" قليلة التداول بين الناس، وكانت كبيرة الحجم.
وذات يوم خرج رجل من بيته في الصباح الباكر ذاهباً إلى عمله، وعلى رغم تلهفه إلى الخروج سريعاً كي يدرك الشارع قبل اختناقه بالازدحام المروري، لم ينسَ أن يمد يده إلى هاتفه الجوال الذي كان "مركوناً" على طاولة في صالة المعيشة بشقته ويمضي سريعاً من دون أن يلتفت إلى شيء.
بعد ساعة أو ساعتين، وبينما كان الرجل منهمكاً في عمله (محاسب بإحدى دور النشر)، تذكر أمراً مهماً يريد أن يبلغ زوجته به، مدَّ يده إلى "الموبايل" سريعاً ليتصل بزوجته، فإذا به يكتشف أنّ الذي يحمله في يده ليس "الموبايل" بل هو "الريموت كونترول" الخاص بتشغيل التلفزيون! كان هذا قبل عشر سنوات، عندما كان الناس مفتونين بـ "الموبايل"، ويوماً بعد يوم أصبح صرعة من صرعات حبّ الظهور ولفت الأنظار في الشوارع والأماكن العامة، وزاد استهلاكه في الاتصال، للضرورة مرة وللّعب مرات.. وهكذا، إلى أنّ التصق بالجيوب، لا يكاد يغادرها، وأصبح المرء إذا غادر بيته ومقر عمله وليس في يده أو في جيبه "الموبايل" يشعر كأنّه عريان! أو – على الأقل – كأنّه نسي بطاقة هويته أو رخصة قيادته أو مفاتيح سيارته، أو أياً من اللوازم الضرورية جدّاً التي لا تخرج من جيوبنا ولا تتركها أيدينا إلا عندما نذهب إلى الفراش.
محطة القرارات السريعة والمتسرعة
أكثر من هذا، أصبحت قرارات فردية خطيرة – سريعة، أو متسرعة – كقرارات الزواج والطلاق، تُتَّخَذ على "الموبايل"، صوتياً بالحديث المباشر، أو كتابياً على رسالة هاتفية قصيرة (SMS) ويُعتدّ بمثل هذه القرارات ويتم الاستشهاد بها في المحاكم ودوائر الشرع والقانون. ويضاعف هذه الأهمية، وهذا الوضع المصيري لـ "الموبايل"، التحديثات والاستحداثات والتجديدات والمستجدات التي تطرأ عليه بين أسبوع وآخر، حيث أصبح بوسعك أن تشاهد على شاشة هاتفك الجوال قنوات التلفزيون، وتتلقى أخبار العالم، وتتواصل عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني وغير ذلك ويوماً بعد يوم، وإدماناً فوق إدمان.. بات الناس "يشعرون بأنّ الهواتف الجوالة أصبحت جزءاً من الجسم"، كما أشارت نتائج استطلاع أجري على المستوى العالمي عن طريق الإنترنت قبل أسبوعين، وخضعت له عينة تزيد على ثمانية آلاف شخص ينتمون إلى كلّ من كندا والدنمارك وفرنسا وماليزيا وهولندا والفلبين وروسيا وسنغافورة وتايوان وبريطانيا والولايات المتحدة، وجاء في الاستطلاع أنّه "لم يعد معظم الناس يعيشون من دون هواتفهم الجوالة ولا يغادرون منازلهم من دونها، حتى إن بعضهم يمكنهم التخلي عن حافظات جيوبهم بدلاً من أن يتخلوا عنها".
تحكُّم عن بُعد
في هذا الاستطلاع الذي أجرته شركة بحوث الأسواق "سينوفيت"، جاء وصف الهواتف الجوالة بأنّها "تحكُّم عن بعد في الحياة"، أي.. "ريموت كونترول" نتحكم به في معظم مواقف حياتنا، الكبير منها والصغير، فقد أصبحت تحظى بوجود قوي إلى درجة أن عدد الذين يملكون هواتف جوالة زاد بشكل كبير خلال العام الماضي، وجاء في الاستطلاع أن ثلاثة أرباع العينة المشاركة فيه قالوا إنّهم يأخذون هواتفهم الجوالة معهم في كلّ مكان، مع التنبيه إلى أنّ الروس والسنغافوريين أكثر تعلقاً به، كما قال أكثر من ثلث العينة إنّهم لا يمكنهم العيش من دون هواتفهم الجوالة، ويتصدر التايوانيون والسنغافوريون هؤلاء مرة أخرى، بينما يجد واحد من كلّ أربعة أشخاص صعوبة في إعطاء أولوية للهاتف الجوال على حافظة النقود، ويذهب نحو ثلثي العينة إلى الفراش وهواتفهم الجوالة بجوارهم، ولا يمكنهم إغلاقها حتى وإن كانوا يريدون ذلك، بسبب خشيتهم أن يفقدوا شيئاً ما.
وجاء في بيان أصدرته جيني شانغ المديرة الإدارية لـ"سينوفيت" في تايوان أنّ "الهواتف الجوالة توفر لنا الأمن والأمان والحصول الفوري على المعلومات، وهي الأداة رقم واحد في الاتصالات بالنسبة إلينا، بل إنّها في بعض الأحيان تفوق الاتصالات وجهاً لوجه فهي اتصالاتنا مع حياتنا".
نمط حياة جديد
كما غيرت الهواتف الجوالة طبيعة العلاقات، حيث وجد الاستطلاع أن نصف المشاركين تقريباً يستخدمون الرسائل النصية القصيرة في المغازلة، وأن خُمسهم يرتبون أوّل اللقاءات عبر الرسائل النصية، كما ينهون علاقاتهم عبرها، وإلى جانب الاتصال العادي والرسائل النصية القصيرة، هناك أهم ثلاث مزايا تُستخدم بشكل دوري في الهواتف الجوالة على المستوى العالمي هي المنبه والكاميرا والألعاب، أمّا بالنسبة لاستخدام الهاتف الجوال في البريد الإلكتروني والدخول إلى الإنترنت، فقد قال 17% من العينة إنهم اطلعوا على صندوق الوارد لرسائلهم، أو تصفحوا الإنترنت عبر هواتفهم، ويتصدر هؤلاء سكان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الذين يتصدرون أيضاً العُشر الذي يدخل مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت مثل "فيس بوك facebook" و"ماي سبيس Myspace" بشكل دوري عبر الهاتف الجوال.
المصدر: البلاغ