هل الدين وبالذات الإسلام أصل الشرٌ كما يكرر دوماً " الإلحاد الجديد - New Atheism " الذي ظهر كحركة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م ، و كمصطلح يعبر عن تلك الموجة الجديدة ضد الدين في وسائل الإعلام سنة 2006م ؟!
المقال يتعقب ذلك وبالأخص ريتشارد دوكنز بوصفه أشهر شخصيات هذه الحركة .
الدين في نظر الملحدين
يرى الصحفي والكاتب الأمريكي كريستوفر هيتشنز (توفي سنة :2011م ) : الدين قتّال ، و يسمم كل شيء ، والأخير جزء من عنوان كتابه ([1]) يشاركه عالم الأحياء التطوري البريطاني ريتشارد دوكنز : تخيل عالماً بدون دين ، عالم بدون انتحاريين أو تفجيرات 11 أيلول ، وبعد أن برأ الملحدين بقوله : لا أظن بأنّ هناك ملحداً في العالم يمكن أن يفكر بأن يهدم مكة بالجرافة ... اقتبس عن استيفن واينبيرغ : " تحتاج للدين كي تجعل أناس طيبين يفعلون الشر " ([2]) يعتبر هيتشنز ودوكنز من أشهر رموز حركة الإلحاد الجديد ([3])
ومن الواضح أنّهم يعنون بالشر هنا الإرهاب المرتكب باسم الدين ، وبالرغم من أنّ هذه المفردة (الارهاب) تم تداولها كثيراً لكن مفهومها لم يحدد إلى الآن وحتى الأمم المتحدة لم تضع لها تعريفاً يتفق أعضاؤها عليه ، مع أنّ القاعدة العقلائية تفيد : الحكم على الشيء فرع تصوره ! المهم أنّنا سنأخذ بالمفهوم المستوحى من الأمثلة والمصاديق ، قتل الأبرياء عبر التفجيرات ، الإنتحاريون ، وأحداث 11 سبتمبر وفعال داعش في بلداننا ، كلها أمثلةُ للشر والإرهاب ، ولا يختلف معنا هيتشنز دوكنز وغيرهما على ذلك .
الدين بين تطرفين
كسائر عقلاء الأديان في العام نبدي موقفاً رافضاً لكلا التطرفين ، تطرف داعش وتطرف الإلحاد الجديد ، ولأسباب معقولة جداً نعتبر الملاحدة الجدد متطرفين : إذ لو صحت مقالتهم تلك في الدين صح قول القائل : إنّ نسبية أنشتاين ارهابية لأنّها أنتجت معادلة E=mc² وأولى تطبيقاتها هي صناعة القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما و ناجازاكي في اليابان ابان الحرب العالمية الثانية ، وإذن : فالعلم ارهابي لانه أنتج لنا كل الأسلحة والقنابل النووية التي فتكت البشرية !
ولو كان الدين " جذوة الشر ، وأصل الشرور كلها أو بعضها " كما يطيب التعبير لدوكنز وزملائه فكيف تولّد كل ذلك الخراب والعنف الذي لم يشهد له التأريخ له مثيلاً في دول خلت تماماً عن الدين كالأنظمة الشيوعية في روسيا والصين وكمبوديا في القرن العشرين ؟!
يعلم دوكنز جيداً أنّ اثنين فقط من الملاحدة قتلا ما يزيد عن مئة مليون إنسان وقضيا على كل معالم الدين ، ماو تسي تونغ (زعيم شيوعيي الصين ، توفي : 1976م ) وجوزيف ستالين (رئيس الإتحاد السوفيتي بعد لينين ، توفي سنة : 1953 م ) أما أدولف هتلر(مؤسس ورئيس الحزب النازي ، انتحر سنة : 1945م ) فيشكك دوكنز في إلحاده ! وتغاضى عن ماو وبقي ستالين فألمح إلى أنّ عنفه يعود لأصوله الدينية ، وبشكل عام : إنهم لم يرتكبوا تلك الجرائم باسم الإلحاد ([4]) وبقصد المحاكمة والتقييم لا السخرية نقلنا هذا الجواب عن دوكنز !
والواقع إنّ " دوكنز يفشل في تقدير أنّه حين يرفض مجتمع ما فكرة الإيمان بالله فإنّه يميل إلى إعلاء البدائل ـ مثل الحرية والمساواة ـ فهذه تصبح الآن سلطات شبه مقدسة من غير المسموح لأحد أن يتحداها ، ربما المثال الأشهر عنها يعود إلى الثورة الفرنسية ... لما سيقت مدام رولان سنة : 1793 إلى المقصلة بتهمة ملفقة أنحنت أمام التمثال الذي يشخص الحرية في ساحة الثورة وقالت : " أيّتها الحرية أية جرائم ترتكب باسمك " ([5])
والفكرة ذاتها تنطبق على الماركسيين إذ جعلوا الدولة المطلق فيما جعل النازيون العرق والدم وهكذا .
ومع أنّه ملحد ، يصف عالم السانيات الشهير والفيلسوف الأمريكي المعاصر (نعوم تشومسكي ) في مؤتمر صحفي شخوص الإلحاد الجديد بالقول :
" متطرفون دينيون لكنهم يؤمنون بدين الدولة وهذا أخطر بكثير من الأديان الأخرى ، كلاهما يدافعان عن دين الدولة ، خصوصا الدين الذي يقول : علينا أن ندعم عنف ووحشية وظلم دولتنا لانّ هدفنا ونوايانا طيبة وهذا ما يقوله كل متدين بدين الدولة في أي دولة ..."([6]) !
الإسلام وتهمة الشرور
ينطبق على مُطلقي هذه التهمة على الإسلام تحديداً المأثور العربي : رمتني بدائها وأنسلّت ([7]) فإنّ مروّجيها إمّا ملحدين أو مسيحيين وأعلى نسب القتل وقعت تحت غطائهما .
والملحدون بالذات لا تسعفهم رؤيتهم الإلحادية من إدانة أي جريمة بما فيها جريمة القتل بل شرور البشر كلهم ـ ملحدين أو غير ملحدين ـ لا يسع الإلحاد التملص منها إن وقعت منه او إدانتها لوكانت من غير الملحدين ، والسبب واضح ، وهو فاقدان الرؤية المادية للوجود لأصل معيار الخير والشر وللوجود الموضوعي للأخلاق ، إذ لا ترى الوجود إلا في إطار الطبيعة فلا وجود لشيء يقال له خير أو شر بوصفهما قيمتان متجاوزتان للمادة !
على خلاف الملاحدة الجدد كان الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه (توفي سنة : 1900م )وفياً لرؤيته الإلحادية ملتزماً بتضميناتها ولوازمها حين قال : " تخلص من الضمير ومن الشفقة والرحمة ...اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم " ([8])
وأما المسيحيون فقد كشفت دراسة قامت بها جامعة "متشيغن الأمريكية" حول ضحايا القرن العشرين ، إنتهت أنّ قتلى القرن العشرين ١٠٢ مليون قتيل ، قتل منهم أقل من 2% على أيدي المسلمين فقط والـ98% والباقون قتلوا على أيدي المسيحيين ([9])
وفي دراسة أوسع حول أعداد القتلى في الأحداث العامة الكبرى كالحروب والحروب الأهلية والمذابح السياسية والعرقية في الفترة منذ بداية التاريخ الميلادي إلى عام 2008 (من 0 – لـ2008م) تناولت 321 حادثة عامة تورطت فيها الحضارات الإنسانية ومعتنقو الديانات المختلفة ، أظهرتْ الدراسة كلاً من الهندوس والمسلمين في آخر القائمة فيما تصدر القائمة المسيحيون والملحدون . ([10])
على الجانب الآخر ، في دراسة أجراها الباحث الأمريكي روبرت بابيه للهجمات الإنتحارية من سنة 1980 م إلى سنة : 2004 ، استنتج منها إنّ دافع الهجمات الإرهابية الانتحارية في مجملها ليس الدين بأي حال من الأحوال بل هدف استراتيجي واضح وهو إجبار الأنظمة الديمقراطية الحديثة على سحب قواتها العسكرية من الأراضي التي ينظر إليها منفذو هذه الهجمات باعتبارها وطناً لهم .
وفي استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة جالوب أيّد سبعة في المئة فقط من المسلمين الذين شملهم الإستطلاع هجمات (11 سبتمبر) مؤكدين أنّ لها ما يببرها ولكنّهم قالوا : إنّهم لن يرتكبوا مثل هذه الفضائع التي تقع مسؤليتها الأساسية في تقديرهم على سياسة الغرب الخارجية التي تسببت في هذه الاحداث الشنيعة ...أما غالبية المسلمين ممن أدانوا هجمات سبتمر فقد ساقوا أسبابا دينية مستشهدين في ذلك بالآية القرآنية : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا }" ([11])
ختاماً
الواقع الراهن ، تصريحات الصحف ، نتائج الدراسات ، كلها تشير إلى أن المسلمين هم أكثر ضحايا الإرهاب وأكد ذلك أيضاً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض إنّ " أكثر من 90% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين" .
الإنفوجرافيك يلخص أهم إحصاءات الدراسة:
([1]) عنوان كتاب هيتشنز : الإله ليس عظيمًا: كيف يسمم الدين كل شيء ؟
([2]) ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 250 ، ترجمة : بسّام البغدادي .
([3])ظهر " الإلحاد الجديد - New Atheism " كحركة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 و كمصطلح يعبر عن تلك الموجة الجديدة ضد الدين في وسائل الإعلام سنة 2006.
([4]) دوكنز – المصدر السابق صفحة 274 .
([5]) ليستر إدغار ماكغراث– ( وهم دوكنز ، الأصولية الملحدة وإنكار الإله ) صفحة 84 ، ترجمة محمد عودة ، نشر : العتبة العباسية - المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ، الطبعة الأولى : 2017 م .
([6]) نشر هذا التصريح في مقطع مرئي على الإنترنت بعنوان : ( الالحاد الجديد والعلمانية هي مجرد دين جديد ) .
([7]) يضرب لمن يُعَيِّر صاحبه بعيبٍ هو فيه ، راجع : مجمع الأمثال للميداني (توفي سنة : 581 هـ) تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد ، الناشر: دار المعرفة - بيروت، لبنان .
([8]) رحابة الإنسانية والإيمان ص113 ، دار الشروق ، مصر – القاهرة .
([9]) رابط الدراسة : https://www.juancole.com/2013/04/terrorism-other-religions.html
([10]) نقلاً عن موقع ( ساسة بوست sasapost ) والدراسة الأصلية منشورة باللغة الأنكليزية على الرابط التالي : https://www.sasapost.com/body-count-a-quantitative-review-of-political-violence-across-world-civilizations/
([11])كارن آرمسترونغ – مسعى البشرية الأزلي - الله لماذا ؟ ، ص455 ، ترجمة : فاطمة نصر و هبة محمود ، ط 1، ، الهيئة المصرية للكتاب 2010 م – القاهرة .