الأوّل: ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأوّليّة من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشروط المعتبرة فيه. ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه، وكذلك السعي إليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً أنّه غير واجد للماء.
ولا يسوغ للمسافر أن يتيمّم بمجرّد عدم علمه بوجود الماء لديه، بل لا بُدَّ له من إحراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى أن يحصل له الاطمئنان بالعدم، فلو احتمل وجود الماء في رحله أو في القافلة أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق، والأحوط وجوباً الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غَلْوَة(1) سهم في الأرض الحَزْنَة (الوَعْرَة)، وغَلْوَة سهمين في الأرض السهلة، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك إلّا إذا اطمأنّ بوجوده خارج الحدّ المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً أنّه غير واجد للماء.
ويسقط وجوب الفحص عند تضيُّق الوقت بمقدار ما يتضيّق منه، وكذا إذا خاف على نفسه أو ماله المعتدّ به من لصّ ونحوه، أو كان في الفحص حرج لا يُتحمّل عادة.
(مسألة 138): إذا تيمّم من غير فحص - فيما يلزم فيه الفحص - ثُمَّ صلّى في سعة الوقت برجاء المشروعيّة لم يصحّ تيمّمه وصلاته وإن تبيّن عدم الماء على الأحوط لزوماً.
(مسألة 139): إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرّف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمّم، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.
الثاني: عدم تيسّر الوصول إلى الماء الموجود، إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه، أو لتوقّفه على ارتكاب عمل محرّم كالتصرّف في الإناء المغصوب، أو لخوفه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به من سبع أو عدوّ أو لصّ أو ضياع أو غير ذلك.
ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضّة - حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحَدَث والخَبَث على الأحوط كما تقدّم في المسألة (30) - فإن أمكن تخليصه منها بما لا يعدّ استعمالاً في العرف وجب الوضوء، وإلّا ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمّم إشكال.
الثالث: كون استعمال الماء مضرّاً به، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدّته، وإنّما يشرع التيمّم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائيّة مع المسح على الجبيرة وإلّا وجبت، وقد مرّ تفصيل ذلك.
الرابع: خوف العطش على نفسه أو على غيره ممّن يرتبط به ويكون من شأنه التحفّظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة إنساناً كان أو حيواناً. ولو خاف العطش على غيره ممّن لا يهمّه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.
الخامس: استلزام الحرج والمشقّة إلى حدٍّ يصعب تحمّله عليه، سواء كان في تحصيل الماء كما إذا توقّف على الاستيهاب الموجب لذلّه وهوانه، أو على شرائه بثمن يضرّ بحاله - وإلّا وجب الشراء وإن كان بأضعاف قيمته -، أم في نفس استعماله لشدّة برودته أو لتغّيره بما يتنفّر طبعه منه، أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته إليه لشدّة حرارة الجو - مثلاً - بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقّة.
السادس: ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.
السابع: أن يكون مكلّفاً بواجب أهمّ أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كإزالة الخبث عن المسجد، فإنّه يجب عليه التيمّم وصرف الماء في تطهيره، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجّساً ولم يكفِ الماء الموجود عنده للطهارة الحَدَثيّة والخَبَثيّة معاً، فإنّه يتعيّن صرفه في إزالة الخبث، وإن كان الأولى فيه أن يصرف الماء في إزالة الخَبَث أوّلاً ثُمَّ يتيمّم بعد ذلك.
يجوز عند تعذّر الطهارة المائيّة التيمّم بمطلق وجه الأرض من تراب أو رمل أو حجر أو مدر، ومن ذلك أرض الجصّ والنورة، وهكذا الجصّ المطبوخ والآجر والخزف، والأحوط الأولى تقديم التراب على غيره مع الإمكان.
ويجوز التيمّم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عُدّ تراباً دقيقاً بأن كان له جرم بنظر العرف، وإن كان الأحوط استحباباً تقديم غيره عليه.
وإذا تعذّر التيمّم بالأرض وما يلحق بها تيمّم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد، والأحوط وجوباً عدم إزالة شيء منه إلّا ما يتوقّف على إزالته صدق المسح باليد.
وإذا تعذّر التيمّم بالوحل أيضاً تعيّن التيمّم بالشيء المغبر - أي ما يكون الغبار كامناً فيه - أو لا يكون له جرم بحيث يصدق عليه التراب الدقيق كما تقدّم.
وإذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور، وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.
(مسألة 140): إذا كان طين وتمكّن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة إلى التيمّم بالطين أو الشيء المغبر. ولا بأس بالتيمّم بالأرض النديّة، وإن كان الأولى أن يتيمّم باليابسة مع التمكّن.
(مسألة 141): الأحوط وجوباً اعتبار علوق شيء ممّا يُتيمّم به باليد، فلا يجزئ التيمّم على مثل الحجر الأملس الذي لا غبار عليه.
(مسألة 142): لا يجوز التيمّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها كالنباتات وبعض المعادن كالذهب والفضّة، ورماد غير الأرض ونحوها. وإذا اشتبه ما يصحّ به التيمّم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمّم ليتيقّن معه الامتثال.
(مسألة 143): يجب في التيمّم أمور:
1- ضرب باطن اليدين على الأرض، ويكفي وضعهما عليها أيضاً، والأحوط وجوباً أن يفعل ذلك دفعة واحدة.
2- مسح الجبهة - وكذا الجبينين على الأحوط وجوباً - باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى وإلى الحاجبين، والأحوط الأولى مسحهما أيضاً.
3- المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى. والأحوط وجوباً رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.
ويجتزئ في التيمّم - سواء كان بدلاً عن الوضوء أم الغسل - بضرب اليدين أو وضعهما على الأرض مرّة واحدة، والأحوط الأولى أن يضرب بهما أو يضعهما مرّة أخرى على الأرض بعد الفراغ من مسح الوجه واليدين، فيمسح ظاهر يده اليمنى بباطن اليسرى، ثُمَّ يمسح ظاهر اليسرى بباطن اليمنى.
1- أن يكون المكلّف معذوراً عن الطهارة المائيّة، فلا يصحّ التيمّم في موارد الأمر بالوضوء أو الغسل.
2- إباحة ما يتيمّم به.
3- طهارة التراب ونحوه، والأحوط وجوباً اعتبار الطهارة في الشيء المُغبر أيضاً، كما أن الأحوط لزوماً أن يكون ما يتيمّم به نظيفاً عرفاً.
4- أن لا يمتزج بغيره ممّا لا يصحّ التيمّم به كالتبن أو الرماد. نعم، لابأس بذلك إذا كان المزيج مستهلكاً.
5- طهارة أعضاء التيمّم على المشهور، ولكنّ الظاهر عدم اعتبارها. نعم، يعتبر أن لا تكون النجاسة حائلة أو متعدّية إلى ما يتيمّم به.
6- أن لا يكون حائل بين الماسح والممسوح.
7- أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل على الأحوط لزوماً.
8- النيّة على تفصيل مرّ في الوضوء، والأحوط لزوماً أن تكون مقارنة للضرب أو الوضع.
9- الترتيب بين الأعضاء على ما مرّ.
10- الموالاة، والمناط فيها أن لا يفصل بين الأفعال ما يخلّ بهيئته عرفاً.
11- المباشرة مع التمكّن منها.
12- أن يكون التيمّم بعد دخول وقت الصلاة على الأحوط استحباباً، وإن كان يصحّ قبله أيضاً مع عدم رجاء زوال العذر في الوقت، وأمّا مع رجاء زواله فلا يجوز التيمّم حتّى بعد دخول الوقت كما سيأتي.
وإذا تيمّم لأمر واجب أو مستحبّ قبل الوقت ولم ينتقض تيمّمه حتّى دخل وقت الصلاة لم تجب عليه إعادة التيمّم، وجاز أن يصلّي مع ذلك التيمّم إذا كان عذره باقياً.
(مسألة 145): لا يجوز التيمّم للصلاة الموقّتة مع العلم بارتفاع العذر والتمكّن من الطهارة المائيّة قبل خروج الوقت، بل لا يجوز التيمّم مع عدم اليأس عن زوال العذر أيضاً، إلّا إذا احتمل طروّ العجز عن التيمّم مع التأخير، وأمّا مع اليأس منه فلا إشكال في جواز البدار، ولو صلّى معه لم تجب إعادتها حتّى مع زوال العذر في الوقت.
(مسألة 146): إذا تيمّم لصلاة فصلاها ثُمَّ دخل وقت صلاة أخرى فمع عدم رجاء زوال العذر والتمكّن من الطهارة المائيّة تجوز له المبادرة إليها في سعة وقتها، ولا تجب عليه إعادتها لو ارتفع عذره بعد ذلك، وأمّا مع رجاء زوال العذر وعدم احتمال طروّ العجز عن الصلاة متيمّماً فالأحوط لزوماً التأخير.
ولو وجد الماء في أثناء الصلاة مضى في صلاته وصحّت مطلقاً. نعم، الأحوط الأولى الاستئناف مع الطهارة المائيّة إذا كان الوجدان قبل الركوع، بل أو بعده ما لم يتمّ الركعة الثانية.
(مسألة 147): إذا صلّى مع التيمّم الصحيح لعذر ثُمَّ ارتفع عذره في الوقت أو في خارجه صحّت صلاته ولا تجب إعادتها.
(مسألة 148): إذا تيمّم المحدث بالحَدَث الأكبر لعذر ثُمَّ أحدث بالحَدَث الأصغر لم ينتقض تيمّمه، فيتوضّأ إن أمكن وإلّا فيتيمّم بدلاً عن الوضوء، والأحوط الأولى أن يجمع بين التيمّم بدلاً عن الغسل وبين الوضوء مع التمكّن، وأن يأتي بتيمّمه بقصد ما في الذمّة إذا لم يتمكّن من الوضوء.