ممّا لا شكَّ فيه أنَّ اتّباعَ المعصومِ عليهِ السلام، أمرٌ واجبٌ، قد تواترَت عليهِ الرّوايات. فالإمامُ المعصومُ عليهِ السلام هوَ المرجعُ للنّاسِ كافّةً بالأصالة، وما مرجعيّةُ الفقهاءِ إلّا مِن تفرّعاتِ مرجعيّتِهم عليهم السلام. غيرَ أنَّ هذا لا يعني إلغاءَ دورِ الفقهاءِ لأنَّ وجودَ الفقهاءِ والحاجةَ إليهم، ليسَ مُختصّاً بزمنِ الغيبة، فقد كانَ الفقهاءُ موجودينَ في زمنِ الحضورِ وبصمتُهم حاضرةٌ ايضاً، ففي زمنِ الإمامِ الباقرِ والصّادقِ والكاظمِ والرّضا عليهم السلام إلى زمنِ الغيبةِ الصُّغرى كانَ لفقهاءِ الطائفةِ الأثرُ الكبيرُ ولهم الفضلُ العظيم في ترسيخِ معالمِ الدين وبيانِها للنّاسِ كافّة، لقد كانَت هنالكَ طبقاتٌ منَ الفقهاءِ الذينَ كانَ يعتمدُ عليهم أئمّةُ الهُدى عليهم السلام، في بيانِ معالمِ الدين منَ الفقهِ والعقيدةِ والتفسيرِ وغيرِها للنّاس. ومِن أجلِ توثيقِ ما أقول سأسردُ لكَ جُملةً منَ الرواياتِ التي تدلُّ على ذلك. فقد روى العامليّ رحمَهُ الله عن داودَ بنِ سرحان قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله ( عليهِ السلام ) يقول : ... إنَّ أصحابَ أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً ، أعني زُرارةَ ، ومحمّدَ بنَ مسلم ، ومِنهم ليثُ المُرادي ، وبريدُ العجلي ( هؤلاءِ القائلونُ بالقسط ) ، هؤلاءِ القوّامونَ بالقِسط ، هؤلاءِ السّابقونَ السّابقون أولئكَ المقرّبون. وسائلُ الشيعة - الحرُّ العاملي (27/ 145). فإنَّ قولَهُ ( عليهِ السلام) في حقِّ زُرارةَ وأضرابِه ( القائلونَ بالقِسط ) أي بالعدلِ فهؤلاءِ يقولونَ للناسِ ما حملوهُ مِن علومِ أهلِ البيت ( عليهم السلام ) بالعدلِ أي بما يطابقُ السنّةَ المُطهّرةَ فهُم يحملونَ أحاديثَ أهلِ البيت ويبثّونها في الناسِ ويبيّنونَ لهم مقاصدَ أهلِ البيت عليهم السلام ومراداتِهم، مِن غيرِ تأويلٍ باطل، ولا يجادلونَ أو يمارونَ فيها ، أي أنّهم ينقلونَ إلى الناسِ علومَ آلِ مُحمّد عليهم السلام، والناسُ تأخذُها عنهم وتلكَ وظيفةُ الفُقهاء. ( القوّامونَ بالقِسط ) وهُنا أعطاهُم صفةَ القيوميّةِ على الدين ولا شكَّ أنَّ الأئمّةَ الاثنا عشر ( عليهم السلام ) هُم القوّامونَ على الدينِ كما وردَ في الأحاديثِ عن أهلِ البيت ( عليهم السلام ) ، والمُرادُ منها هُنا أنَّ لهُم المقاميّةَ والنيابةَ عن أئمّةِ أهلِ البيت في حملِ وتبليغِ الدينِ القيّمِ إلى الناسِ ووجوبِ رجوعِ الناسِ إليهم كما قالَ اللهُ تعالى في كتابِه الكريم ( لَقَد أَرسلنَا رُسلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَ أَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَ المِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسطِ ). وروى المفيدُ رحمَه الله عن سعدٍ ، عن محمّدِ بنِ عيسى ، عن أحمدَ بنِ الوليد ، عن عليّ بنِ المسيّبِ الهمداني قالَ : قلتُ للرّضا ( عليهِ السلام ) : شقّتي بعيدةٌ ، ولستُ أصلُ إليكَ في كلِّ وقت ، فمِمَّن آخذُ معالمَ ديني ؟ قالَ : مِن زكريّا ابنِ آدمَ القُمّيّ المأمونِ على الدينِ والدّنيا ، قالَ عليٌّ بنُ المسيب : فلمّا انصرفتُ قدِمنا على زكريّا بنِ آدم ، فسألتُه عمّا احتجتُ إليه. الاختصاص (32/ 1). ودلالةُ الروايةِ على تنصيبِ زكريّا بنِ آدم رحمَهُ الله كفقيهٍ واضحةٌ لا تخفى، لأنَّ السؤالَ كانَ عمَّن ينوبُ عن الإمامِ عليهِ السلام في أخذِ معالمِ الدينِ عنه وهذا ما لا يتسنّى لكلِّ أحدٍ بل لخصوصِ الفُقهاء. وروى الحرُّ العامليّ رحمَهُ اللهُ عن محمّدِ بنِ نصير، عن محمّدِ بنِ عيسى، عن عبدِ العزيزِ بنِ المُهتدي والحسنِ بنِ عليٍّ بنِ يقطين جميعاً، عن الرّضا (عليهِ السلام) قالَ: قلتُ : لا أكادُ أصلُ إليكَ أسألُك عن كلِّ ما أحتاجُ إليه مِن معالمِ ديني ، أفيونسُ بنُ عبدِ الرّحمن ثقةٌ ، آخذُ عنهُ ما أحتاجُ إليه مِن معالمِ ديني ؟ فقالُ: نعم . وسائلُ الشيعة - الحرُّ العامليّ (27/ 147). وروى العامليُّ أيضاً عن معاذِ بنِ مُسلمٍ النحويّ عن أبي عبدِ الله ( عليهِ السلام ) قالَ : بلغني أنّكَ تقعدُ في الجامعِ فتِفتي الناسَ ؟ قلتُ : نعم و أردتُ أن أسألكَ عن ذلكَ قبلَ أن أخرُج ، إنّي أقعدُ في المسجدِ فيجئُ الرجلُ فيسألُني عن الشيءِ فإذا عرفتُه بالخلافِ لكُم أخبرتُه بما يفعلون ، ويجئُ الرّجلُ أعرفُه بمودّتِكم وحبِّكم فأخبرُه بما جاءَ عنكم ، ويجيءُ الرّجلُ لا أعرفُه ولا أدري مَن هوُ فأقول : جاءَ عن فلانٍ كذا ، وجاءَ عن فلانٍ كذا ، فادخلُ قولَكم فيما بينَ ذلك ، فقالَ لي : اصنًع كذا فإنّي كذا أصنَع . وسائلُ الشيعة - الحرُّ العامليّ (16/ 234).
لماذا لا نقلّد الإمام المهدي بدل «الفقهاء»؟!
الشيخ عباس الجشعمي
زيارات:1304
هل يمكننا أن نأخذ إمامنا الثاني عشر كمرجع ونقلده مباشرة؟
مواضيع مختارة