هل يهدد الذكاء الاصطناعي الوظائف والأعمال؟

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:736
مشاركة
A+ A A-
ذكّرت مجلة "إيكونوميست" أن الخبراء التكنولوجيين لطالما زعموا لعقود بأن الذكاء الاصطناعي سيشكل انقلاباً في عالم الأعمال، فيولد منافع جمة للشركات والمستهلكين، ولفتت إلى أن هذا الزعم بدأ يتحقق أخيراً. إذ بيّن استطلاع أجرته مؤسسة "ماكينزي" الاستشارية أن 50 في المئة من الشركات حول العالم جربت العام الماضي تطبيقات تخص الذكاء الاصطناعي بطريقة أو بأخرى، مقارنة بـ20 في المئة عام 2017. ونسبت ذلك إلى انتقال سريع للنماذج التأسيسية في الذكاء الاصطناعي من المختبرات إلى العالم الفعلي.

 ويصلح كمثل على ذلك تطبيق "تشات جي بي تي" ChatGPT، وهي أداة ذكاء اصطناعي بدأت تجربتها علناً "فأثارت الاهتمام بسبب قدرتها على ابتكار نكات ذكية وشرح مفاهيم علمية"، وفق المجلة، ويشمل ذلك الاهتمام الشركات، ومطوري الذكاء الاصطناعي، وممولي هؤلاء المطورين. وبرز هذا الاهتمام في شكل خاص خلال مناسبة استضافتها طيلة سبعة أيام "خدمات أمازون الشبكية"، ذراع الحوسبة السحابية لدى "أمازون"، خلال الشهر الماضي ضمن "معرض إلكترونيات المستهلك، لاس فيغاس 2023".

 وبالاسترجاع، خلال الخريف، بدأت "جون دير"، وهي شركة أميركية مصنعة للجرارات، بشحن جرارات ذاتية القيادة إلى عملائها من المزارعين، وقد زودت كل جرار بست كاميرات تستخدم الذكاء الاصطناعي في التعرف على العقبات وتجاوزها، بحسب "إيكونوميست"، ووفق جوليان سانشيز، رئيس الوحدة التكنولوجية المؤسَّسة حديثاً في شركة "جون دير"، تزود الأخيرة المزارعين بآلات تتعرف على الأعشاب الضارة من بين المحاصيل وترشها بمبيدات، إلى جانب حصّادات تقلل كمية الهدر في المحاصيل التي تجمعها، ويشدد سانشيز على أن التكاليف الإضافية لاقتناء آلات زراعية تعمل بالذكاء الاصطناعي، يستعيدها المزارع خلال سنتين إلى ثلاث سنوات.

وكذلك أشارت المجلة إلى أن ازدهار مشهد الذكاء الاصطناعي يخالف المزاج المتشائم الذي يسود قطاع التكنولوجيا الغارق في ركود عميق. ففي العام 2022، ضخ أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية 67 مليار دولار في شركات تطور تطبيقات تعمل بالذكاء الاصطناعي، وفق "بتش بوك"، وهي شركة متخصصة في البيانات المؤسسية، وبين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول) 2022، نشأت 28 شركة في هذا المجال تبلغ قيمة كل منها مليار دولار على الأقل. ويُزعم إن شركة "مايكروسوفت" تدرس زيادة حصتها في شركة "أوبن إيه آي" Openai المصنعة لـ"تشات جي بي تي"، في حين تعتزم "ألفابت" ضخ 200 مليون دولار في "كوهير" المنافسة لـ"أوبن إيه آي"، وأطلق موظفون سابقون في "أوبن إيه آي" و"ديب مايند" Deep Mind [مختبر للذكاء الاصطناعي لدى شركة "ألفابت" التي تسيطر على غوغل] 22 شركة ناشئة في هذا المجال على الأقل، بحسب أيان هوغارث وناثان بينايتش، وهما رائدا أعمال بريطانيان.

 وفي سياق متصل، نقلت "إيكونوميست" عن "بتش بوك" PitchBook أن شركات أميركية كبرى مدرجة في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" اشترت خلال العام الماضي 52 شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ24 شركة من هذا النوع اشتُرِيت عام 2017 في المقابل، أوردت "بريديكت ليدز" PredictLeads، وهي مؤسسة أخرى متخصصة بالبيانات، أن شركات كبرى أعلنت خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) عن سبعة آلاف وظيفة شاغرة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلات، بزيادة 10 أضعاف عن الرقم نفسه خلال الفصل الأول من عام 2020، وقد ذكر ديريك زوناتو من شركة "كابيتال جي"، وهي قسم من أقسام رأس المال الاستثماري لدى "ألفابت"، إن الشركات الكبرى راكمت كميات ضخمة من البيانات وتريد تطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي لاستغلال تلك البيانات.

 وذكّرت المجلة بأن شركات التكنولوجيا تمثل بحد ذاتها أول قطاع اعتمد الذكاء الاصطناعي. فمنذ مطلع القرن الحالي، قدمت تقنيات تعلّم الآلات مساعدة إلى "غوغل" في تعزيز النشاط الإعلاني عبر الإنترنت، وعلى نحوٍ مماثل، بات ذكاء الآلات يقدم يد المساعدة اليوم لمستخدمي الموقع في الحصول على نتائج بحث محسنة واستكمال الجمل التي يكتبونها في رسائلهم الإلكترونية عبر تطبيق "جي ميل" التابع لمحرك البحث "غوغل"، ويدير الذكاء الاصطناعي سلاسل الإمداد لدى "أمازون" ويأمر الروبوتات في مخازن الشركة ويفرز طلبات التوظيف لديها. وتستند "سيري"، أداة المساعدة الرقمية لدى "أبل"، إلى الذكاء الاصطناعي الذي يعزز أيضاً المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تملكها "ميتا" [الشركة الأم بالنسبة إلى فيسبوك]. ضمن الصورة نفسها، يستطيع تطبيق "تيمز" التابع لـ"مايكروسوفت" حجب الضجيج في الخلفية الصوتية أثناء نقل وقائع المؤتمرات عبر الفيديو، وكذلك بات معلوماً أن مستخدمي تطبيق "باور بوينت" الذي تصدره "مايكروسوفت"، يسهل عليهم صنع مسودات لعروضهم التقديمية، بفضل الذكاء الاصطناعي في ذلك التطبيق.

 وفي سياق متصل، لاحظت الشركات التكنولوجية الكبرى بسرعة وجود فرصة لبيع بعض من تلك الأدوات في الذكاء الاصطناعي إلى عملائها، بحسب "إيكونميست"، إذ توفر شركات "أمازون" و"غوغل" و"مايكروسوفت" كلها خدمات تعمل بالذكاء الاصطناعي في مجال "الحوسبة السحابية" Cloud Computing. وتضاعفت عوائد "مايكروسوفت" من هذه الخدمات في الفصول المالية الأربعة المنصرمة، مقارنة بما سجلته خلال العام السابق. وفي مايو (أيار) 2022، ذكر رئيس "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، "نرى عالماً يستطيع فيه كل شخص، بغض النظر عن مهنته، امتلاك مساعد لكل شيء يفعله". وفي أكتوبر 2022، أطلقت شركته أداة تعيد تنظيم البيانات بعد طلبها الموافقة على ذلك من المستخدم. كذلك يحكى إن "أمازون" و"غوغل" تدرسان إصدار أداتين مماثلتين.

 وفي نفسٍ نقدي، لفتت المجلة إلى وجوب الحذر في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، فوفق دراسة أجراها أكاديميون لدى "جامعة ستانفورد"، مالت الأداة "جي بي تي 3" المخصصة لاستكمال النصوص، وقد أطلقتها "أوبن إيه آي"، إلى إضافة كلمات تتناول العنف كلما كتب المستخدم شيئاً على غرار "دخل مسلمان مشياً إلى..."، خلافاً للأمر حين يتعلق بمسيحيين أو بوذيين، مثلاً، وسحبت "ميتا" تطبيق "غالاكتيكا" Galactica المخصص للبحث العلمي من التداول بعدما تكرر إيراده بحوثاً مزيفة. وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت ربع المؤسسات المشاركة في دراسة "ماكينزي" الآنفة الذكر إن الذكاء الاصطناعي لم يعزز عوائدها إلا بحوالى خمسة في المئة. في المقابل، لم يتوقع سوى الشركات التكنولوجية نفسها تحقيق قفزة في العوائد تفوق 20 في المئة بفضل الذكاء الاصطناعي. في مقلب مغاير، أشارت المجلة إلى أن "هذه النسب مرشحة للارتفاع المستمر مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى أمر يومي شائع".

*اندبندنت عربية 
مواضيع مختارة