عائدون إلى الحياة: ما التفسير الديني لتجربة ’الاقتراب من الموت’؟!

الشيخ معتصم السيد أحمد
زيارات:3700
مشاركة
A+ A A-
إذا كان الموت هو مغادرة الروح للجسد من دون العودة إليه، فإن الاقتراب من الموت يعني مغادرة الروح ثم العودة للجسد من جديد.

 ومع أن هذه الأمر لا يمكن التثبت منه بشواهد حسية إلا أن هناك الكثير ممن عاشوا هذه التجربة.

 فتضافر القصص التي يرويها العائدون من الموت هي الدليل الوحيد على حصولها بالفعل، فلم يخلُ مجتمع أو ثقافة تقريباً ممن عاشوا هذه التجربة ورووا ما شاهدوه في ذلك العالم، وقد انتشرت هذه القصص في هذا العصر بسبب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

 وقد أضحت هذه التجارب مورد اهتمام وتسأل الكثير؛ وذلك لأن الفضول يدفع الجميع لمعرفة ما يحصل للإنسان بعد الموت.

والوصف المشترك بين جميع مَن مرّ بهذه التجربة هو أنّ أرواحهم تنفصل وتحلق بعيداً عن أجسادهم، ومع ذلك يبقون بكامل الشعور والإدراك وبشكل أفضل مما كان عليه حالهم وهم داخل أجسادهم.

 ففي اللحظة التي تنفصل فيها أرواحهم تنكشف أمامهم الأشياء بدون أي قيود زمانية ومكانية، فيروا ويسمعوا ويشعروا بكل شيء دون أي عائق يمنعهم من ذلك.

 فيرى أحدهم نفسه مثلاً وهو مسجى في سرير المستشفى والأطباء يحاولون إنقاذه، وفي نفس الوقت يرى جميع ما حصل له في حياته من أحداث، حتى أن بعضهم تحدث عن رؤية لحظة ولادته وخروجه من بطن أمه، وهناك قصص كثيرة تم توثيقها وكتابتها وهناك أفلاما وثائقية يحكي فيها أصاحب التجربة ما شاهدوه في ذلك العالم.

 وعليه: ليس غريباً أن يعتبر الكثيرون تجربة الاقتراب من الموت هي أحد الأدلة على وجود حياة بعد الموت، كما أنها تؤكد بشكل أو بآخر النصوص الدينية التي تتحدث عن عذاب القبر ونعيمه، فما هو ثابت دينياً هو وجود حياة بعد الموت تسمى بحياة البرزخ، قال تعالى: (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ )، والآية ظاهرة الدلالة على أن هناك حياة متوسطة بين حياة الدنيا وحياة يوم القيامة.

فعن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذا الآية قال: «البرزخ: القبر، وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة».

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «القبر إمّا حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنّة».

وهناك الكثير من النصوص التي فصلت ما يحدث للإنسان بعد موته.

وهذا هو المقدار الذي يجب على المؤمن التصديق به، فلا يجوز له إنكار ما جاء في النصوص من مسألة القبر وحياة البرزخ.

 وليس واجباً عليه التصديق بالقصص التي تحكي تجارب الاقتراب من الموت، وذلك لأن النصوص الإسلامية لم تتطرق لهذه القضية، وإن كان هناك بعض الأخبار التي تشير إلى إمكانية الحديث مع الموتى مثل ما حدث مع سلمان الفارسي، ففي الرواية عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت مع سلمان وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد مرض مرضه الذي توفي فيه، فلما اشتد به المرض قال يا أصبغ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي: يا سلمان يكلمك ميت إذا دنت وفاتك، وقد اشتهيت أن أدري هل دنت وفاتي.

 فقال الأصبغ: بماذا تأمرني؟ قال آتيني بسرير واحملني عليه إلى المقبرة فقال: حبا وكرامة. ففعل ما أمره حتى وضعوه بين القبور واستقبل القبلة: بوجهه ونادى: السلام عليكم يا أهل عرصة البلا، السلام عليكم يا محتجبين عن الدنيا، السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غذاء، السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء، السلام عليكم يا من لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى، سألتكم بالله العظيم والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فإذا هو بميت قد نطق من قبره، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل الفناء، والمشتغلين بعرصة الدنيا ها نحن لكلامك مستمعون ولجوابك مسرعون، فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى.

قال سلمان: أيها الناطق بعد الموت، المتكلم بعد حسرة الفوت، أمن أهل الجنة أنت أم من أهل النار؟ فقال: يا سلمان أنا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه، وأدخله جنته برحمته.

فقال له سلمان: يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته، وما عاينت منه؟

قال: يا سلمان فوالله إن قرضا بالمقاريض ونشرا بالمناشير لأهون من نزعة من نزعات الموت، اعلم اني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله الخير وأعمل به وأؤدي فرائضه وأتلوا كتابه وأبر الوالدين، وأجتنب الكبائر والحرام، وأطلب الحلال خوفا من السؤال، فبينما أنا في ألذ العيش والسرور إذ مرضت وبقيت في مرضي أياما حتى دنا موتي، أتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة فظيع الهيئة فوقف لا إلى السماء صاعدا ولا إلى الأرض نازلا فأشار إلى بصري فأعماه، والى سمعي فأصمه، وإلى لساني فأخرسه، فقلت له من أنت يا عبد الله؟ فقد أشغلتني عن أهلي وولدي!

فقال: أنا ملك الموت أتيتك لأقبض روحك، فقد انقطعت مدتك وجاءت منيتك فجذب الروح من جسدي وليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة، حتى صارت الروح في صدري فأشار إلى بجذبة لو أشارها إلى الجبال لذابت، فقبض روحي من عرنين أنفي فعلا من أهلي الصراخ والبكاء، وظهر خبري إلى الجيران والأحباء، وليس من شيء يقال ويفعل إلا وأنا عالم به. فلما اشتد صراخ القوم علي التفت ملك الموت إليهم بغيظ وقنوط، وقال: مم بكاؤكم؟ فوالله ما ظلمناه فتصيحوا، ولا اعتدينا عليه فتبكوا، لقد انقطعت مدته، وفنى رزقه، وصار إلى ربه الكريم نحن وأنتم عبيد رب واحد، يحكم فينا ما يشاء، وهو على كل شيء قدير، فان صبرتم اجرتم، وان جزعتم أثمتم، كم لي من رجعة إليكم، آخذ البنين والبنات والآباء والأمهات.

 ثم انصرف عني والروح فوق رأسي تنظر إلي حتى جاء الغاسل وجردني من أثوابي وأخذ تغسيلي، فنادته الروح يا عبد الله رفقا بالبدن الضعيف، فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع، ولا عضو إلا انصدع فوالله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميتا ابدا.

 فلما فرغوا حملوني على السرير، والروح أمامي حتى وضعوني على شفير القبر، فلما أنزلوني في قبري عاينت هولا عظيما.

يا سلمان لقد تمثل لي أني سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي ثم شرج علي اللبن وحثي التراب علي، ورجع المشيعون، فعند ذلك أخذت بالندم، وقلت يا ليتني كنت من الراجعين لان أعمل صالحا.

فجاوبني مجيب من جانب القبر (كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).

 فقلت له: من أنت يا هذا؟ قال: أنا ملك وكلني الله عز وجل بجميع خلقه لأنبئهم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بأيديهم. ثم جذبني وأجلسني ورجعت الروح إلى جسدي، وقال: اكتب عملك.

فقلت: انا لا أحصيها فقال لي: اما سمعت قول ربك: أحصاه الله ونسوه، اكتب فانا أملي عليك.

فقلت: أين البياض؟ فجذب جانبا من كفني فقال: هذه صحيفتك.

فقلت: من أين القلم؟ قال: سبابتك. فقلت أين المداد؟ قال: ريقك. ثم أملى علي ما فعلته في دار

الدنيا فلم تبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.

 ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت: تفعل هذا بي؟ قال: ألم تسمع قول ربك: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).

 ثم انصرف عني.

 فأتاني منكر ونكير بأعظم منظر وأوحش صورة بأيديهما عمودان من الحديد لو اجتمع عليهما أهل الثقلين ما حركوهما من ثقلهما فروعاني وأزعجاني وهدداني، وقبضا بلحيتي وأجلساني، وصاحا علي صيحة لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعا، وكان من شأنهما ما كان.

 فراقب الله أيها السائل من وقفة المسائل، وخف من هول المطلع وما قد ذكرته لك، هذا ما لقيته وأنا من الصالحين.

 ثم انقطع كلامه فعند ذلك رمق سلمان بطرفه إلى السماء وبكى، وقال: (يا من بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون) وهو يجير ولا يجار عليه. بك آمنت. ولنبيك اتبعت. وبكتابك صدقت. وقد أتاني ما وعدتني. يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك. وأنزلني دار كرامتك. فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وإن محمدا عبده ورسوله. فلما أكمل شهادته قضى نحبه ولقي ربه.

مواضيع مختارة