يتفق الفقهاء على ان الولد اذا كان بالغاً رشيداً لا ولاية للولي عليه فيجوز له الزواج ولا سلطة لاحد عليه في هذا القرار.
ويتفقون ايضا على ان المرأة إذا كانت ثيباً ـ وهي المدخول بها بزواج شرعي صحيح وان لم تفتضّ بكارتها ـ يجوز لها الزواج ولا ولاية للاب او الجد من الاب عليها.
ويتفقون ايضا ان البنت إذا كانت صغيرة لم تبلغ بعد فهي خاضعة لسلطة الولي الشرعي.
ونفس الحكم بالنسبة للولد الصغير والمجنون والمجنونة والسفيه والسفيهة فيرجع امرهم للولي الشرعي على تفصيل مذكور في محله.
انما الكلام ومحل البحث في البنت اذا كانت بالغةً بكراً رشيدةً فهل يجوز لها الزواج بدون اذن الولي الشرعي او لا؟
وقع الخلاف بين فقهاء الامامية في ولاية الاب والجد من طرف الاب على البكر البالغة الرشيدة في امر زواجها على اقوال سيتبين بعضها عند التكلم في جهتين:
الجهة الاولى: هل يحق للاب او الجد من طرف الاب ان يزوج البكر البالغة الرشيدة من دون إذنها، ام لا يحق لهما ذلك الا برضاها؟
الجهة الثانية: هل يحق للبكر البالغة الرشيدة ان تتزوج من دون إذن ابيها او جدها لأبيها، أو ليس لها ذلك الا بإذن أحدهما؟
اما الجهة الاولى فقد ذهب جمع من الفقهاء منهم صاحب الحدائق الى ان الاب والجد من الاب لهما الولاية في تزويج البنت البكر البالغة الرشيدة من دون رضاها واستدلوا على ذلك بجملة من الروايات نذكر روايتين منها:
- صحيحة الحلبي، عن ابي عبدالله عليه السلام في الجارية يزوجها ابوها بغير رضاً منها، قال : ليس لها مع ابيها امر، اذا انكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهةً. الكافي ج5 ص393.
- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين ابويها، ليس لها مع الاب أمر، وقال: يستأمرها كل أحد ماعدا الاب. الكافي ج5 ص393.
وأورد بعض الفقهاء على الاستدلال بهذه الروايات ايرادين:
الاول: ما ذكره السيد الخوئي (قد) من ان هذه الروايات معارضة بجملة من الروايات الدالة على لزوم استشارة البنت البكر كما جاء في معتبرة صفوان قال: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه؟ فقال: افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيبا، قال: واستشار خالد بن داوود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر؟ فقال: افعل ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها حظاً . الوسائل ج 14 ص 214.
فان قوله عليه السلام: ان لها في نفسها نصيبا او حظا يدل على عدم استقلالية الاب في امر زواجها فيكون بعض الامر بيدها.
وهذا يُفرض في البكر البالغة الرشيدة، لان الثيب امرها بيدها. كما ان الصغيرة ليس لها من الامر شيء فيتحقق التعارض بينها وبين الروايات الدالة على استقلالية الاب.
الايراد الثاني: ما أفاده سماحة السيد السيستاني دام ظله، وحاصله:
ان بعض تلك الروايات دلت على استقلالية الاب مطلقاً كصحيحة الحلبي المتقدمة، لكن بعضها الاخر كصحيحة محمد بن مسلم دلت على ولاية الاب في خصوص البكر التي بين ابويها لا مطلقا، فتقيد صحيحة الحلبي المطلقة بمفهوم الشرط في صحيحة محمد بن مسلم، والشرط هو قوله عليه السلام: اذا كانت بين ابويها.
والنتيجة المترتبة على ذلك هي: التفصيل بين البكر التي بين ابويها فيكون للاب الولاية في تزويجها، وبين البكر التي لا تكون كذلك فلا ولاية للاب عليها.
الجهة الثانية: هل يحق للبكر البالغة الرشيدة ان تتزوج من دون اذن ابيها وجدها لأبيها، ام ليس لها ذلك الا بإذن احدهما؟
المشهور بين الفقهاء ان البنت البكر البالغة الرشيدة مستقلة في امر زواجها كما هي مستقلة في سائر شؤون حياتها وقد استدلوا على ذلك بعدة روايات.
منها: مرسلة أبي سعيد القماط عمّن رواه ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها ، فأفعل ذلك ؟ قال : «نعم واتق موضع الفرج» . قال : قلت : فإن رضيت بذلك ؟ قال : «وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار» (الوسائل باب 11 من أبواب المتعة ، ح 7 .) .
لكن الاستدلال بهذه الرواية وامثالها مبني على التعدي عن موردها وهو المتعة الى الدائم، لكن هذه الرواية مرسلة فتكون ضعيفة.
ومنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام، قال: المـرأة التي قد ملكت نفسها، غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز.
ومنها: عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز تزوج إن شاءت بغير إذن وليها وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بإذن وليها. (تهذيب الاحكام ج7 ص378).
ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها فإن شاءت جعلت وليا. الكافي ج ٥ - الصفحة ٣٩٢.
وقد ناقش السيد الخوئي قدس سره بما حاصله: ان الموضوع للحكم بجواز التزويج من دون اذن الولي في هذه الروايات هي (المرأة) وهي أعم من البكر والثيب فيجب تخصيص هذه الروايات الثلاث بصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام: لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا بإذن آبائهن. الكافي ج5/393
لكن هذه المناقشة مبنيّة على ان يكون المقصود بقول الامام ملكت نفسها، ومالكة لأمرها هو ما يتراءى منه في بادئ النظر من ان المرأة التي قد ملكت امرها ونفسها شرعا بأن لا يكون عليها ولي في غير النكاح.
وأما بناء على تفسير سماحة السيد السيستاني دام ظله، حيث جعل قول الامام عليه السلام قد ملكت نفسها او مالكة لأمرها في مقابل ما ورد في جملة من النصوص من التعبير بالتي بين ابويها، وافاد ان المراد بالمالكة لأمرها هي التي ملكت نفسها عملاً وممارسة لا شرعاً فقط، اي: انها التي تكون مستقلة في امور حياتها، وتتصدى لها بنفسها، فتبيع وتشتري وتوقف وتؤجر وهكذا في جميع معاملاتها في سائر شؤون حياتها.
والسؤال هو: ما هو الوجه والقرينة لاختيار هذا التفسير لقول الامام عليه السلام: "قد ملكت نفسها او مالكة لأمرها، مع وجود احتمال كون المراد منه مَن لا أب له، او المراد به الثيب؟".
الجواب: الوجه في ذلك:
اولا: نفس رواية زرارة المتقدمة فان الظاهر منها ان قول الامام عليه السلام: تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي بيان لقوله: مالكة لأمرها، نظرا الى ان الامام جعل التصدي الخارجي للبيع والشراء... موضحا للمراد بـمالكة لأمرها.
وثانيا: معتبرة ابي مريم، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: الجارية البكر التي لها اب لا تتزوج الا بإذن ابيها، وقال: اذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت. الكافي ج5/391.
ووجه الاستشهاد بها هو: ان مرجع الضمير في قوله عليه السلام: اذا كانت هي الجارية البكر التي لها اب، فيكون معنى الكلام: الجارية البكر التي لها اب لا تتزوج الا بإذن ابيها، واذا كانت الجارية البكر التي لها اب مالكة لأمرها...
فلا يكون المراد من قول الامام مالكة لأمرها: الجارية التي لا اب لها، ولا (الجارية الثيب.
الى هنا تبين الوجه ـ اجمالاـ من التفصيل الذي اختاره سماحة السيد السيستاني دام ظله، من ان البكر البالغة الرشيدة ان كانت مستقلة في شؤون حياتها عن ابويها فيجوز لها الزواج من دون اذن ابيها ، وان البكر البالغة الرشيدة غير المستقلة لا يجوز لها الزواج من دون اذن الاب، ويجوز لأبيها ان يزوجها من دون رضاها.
ولكن سماحته احتاط لزوماً بعدم تزويج المستقلة بدون اذن ابيها، وان لا يزوّج الاب غير المستقلة من دون رضاها.
ويمكن ان يُوجه الاحتياط في الموردين بالنظر الى معتبرة صفوان المتقدمة حيث ورد فيها فإن لها في نفسها نصيبا وفإن لها في نفسها حظا.
حيث يدل هذا التعبير على اشراك الامر بينها وبين ابيها، فلا يجوز للاب ان يزوجها من دون رضاها، كما انه ليس لها ان تتزوج من دون اذنه.
الخلاصة: ذهب صاحب الحدائق الى ان الاب والجد من الاب لهما الولاية في تزويج البنت البكر البالغة الرشيدة من دون رضاها.
وذهب البعض الى رضا الطرفين الولي والبنت البكر.
اما من ناحية البنت فقد ذهب المشهور الى صحة العقد برضا البنت فقط وذهب البعض الى اشتراط رضاهما.
وذهب سماحة السيد السيستاني دام ظله الى التفصيل بين المالكة لأمرها فاحتاط برضا الطرفين وبين غير المالكة فأفتى بالاشتراط.