إن التختُّم بالحديد خلافُ السُنَّة الشريفة، فقد كان خاتمُ رسول الله (ص) مِن ورق أيّ من فضَّة بل ورد النهيُ عن التختُّم بغير الفضَّة للرجال، فمِن ذلك ما رواهُ الشيخ الكلينيُّ بسندِه عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: قال أميرُ المؤمنين (ع): "لا تختَّموا بغير الفضَّة فإنَّ رسول الله (ص) قال: "ما طهرتْ كفٌ فيها خاتمُ حديد"(1). وروى الصدوق مرسلاً قال: قال رسولُ الله (ص): "ما طهَّر اللهُ يداً فيها خاتمُ حديد"(2).
وليس المقصود من الطهارة -في الروايتين- الطهارةَ المصطلحة المقابلة للنجاسة وإنَّما المقصود ظاهراً هو الطهارة المقابلة للقذارة.
ثم إنَّ مرجوحية التختُّم بالحديد تشتدُّ في الصلاة، وذلك لورود النهي عنه بالخصوص مضافاً إلى النهي العام، فمِن ذلك ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن السكوني عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: قال رسولُ الله (ص): "لا يُصلِّ الرجل وفي يدِه خاتمُ حديد"(3).
ومنه: ما رواه الصدوق بسندٍ معتبرٍ عن عمَّار الساباطي عن أبي عبدالله (ع) في الرجل يُصلِّي وعليه خاتمُ حديد؟ قال (ع): "لا، ولا يتختَّم به الرجل، فإنَّه من لباس أهلِ النار"(4).
فالفقرةُ الأولى من الرواية أفادتْ النهيَ عن التختُّم بالحديد في الصلاة، وفي الفقرة الثانية أفادت النهيَ عن التختُّم به مطلقاً.
والمقصود من أنَّ التختم بالحديد من لباس أهل النار هو أنَّ التختم به من فِعل أهل الفسوق، وهو تعبيرٌ أُريد به إفادة المرجوحيَّة الشديدة، وذلك للقطعِ بعدم الحرمة.
وأمَّا أفضلُ ما يُتختم به من الأحجار فهو العقيق، وقد وردت في إستحباب لبسه رواياتٌ مستفيضة:
منها: ما رواه الكليني بسنده إلى أبي عبد الله قال: قال رسول الله (ص): "تختَّموا بالعقيق فإنَّه مبارَك، ومن تختَّم بالعقيق يُوشكُ أنْ يُقضى له بالحسنى"(5).
ومنها: معتبرة الوشا، عن الرضا (ع) قال: "مَن ساهم بالعقيق كان سهمُه الأوفر"(6).
ورُوي رجحان التختُّم بمثل بالزمرُّد، فإنَّه كما ورد عن الإمام الكاظم (ع): "يسرٌ لا عسر فيه"(7)، وروى الطبرسي مُرسَلاً عن النبيِّ (ص) أنَّه قال: "التختُّم بالزمرد ينفي الفقر"(8).
وبالياقوت فإنَّه ينفي الفقر كما في معتبرة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (ع) قال: "يُستحبُّ التختُّم بالياقوت"(9) وروى الكليني بسندٍ إلى الرضا (ع) قال: كان أبو عبد الله (ع) يقول: "تختموا باليواقيت فانَّها تنفي الفقر"(10).
وبالبلور فقد رُوي عن أبي عبدالله (ع) انَّه قال: "نِعمَ الفصُّ البلّور"(11). والظاهر انَّ المقصود من البلور هو المسمى بالدرَّ النجفي أو هو منه.
وبالفيروزج، فقد ورد انَّه للنصر والظفر، وورد فيه أنَّ: "مَن تختَّم بالفيروزج لم يفتقر كفُّه إنْ شاء الله"(12)، وفي مهج الدعوات لابن طاووس عن الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): "قال الله سبحانه: إنِّي لأستحيي من عبدٍ يرفعُ يده وفيها خاتمٌ فصُّه فيروزج فاردُّها خائبة"(13).
وروى الحسن بن محمد الطوسي بسنده عن علي بن محمد الصيمري الكاتب انَّه ذكر لعليِّ بن محمد بن الرضا (ع) انَّه لا يُولد له فتبسَّم وقال: "إتخذ خاتماً فصُّه فيروزج واكتُب عليه "ربِّ لا تذرني فرداً وانت خيرُ الوارثين"، قال: ففعلتُ ذلك فما أتي عليَّ حولٌ حتى رُزقت منها ولداً ذكراً"(14).
والظاهرُ أنَّ هذه الآثار كاليُسر ونفيِ الفقر والظفرِ أنَّها للتفاؤل، فإنَّ التفاؤلَ محبوبٌ في الدين، واستشعارُه يبعثُ على إنبساطِ النفس ونشاطِها، وعلى خلافِه التطيُّر والتشاؤم، ولعلَّه لذلك حضَّت الرواياتُ على التفاؤل وحذَّرت من التشاؤم، وليس بمستوحَشٍ أنْ يمنحَ اللهُ تعالى المتفائِلَ ماتفاءلَ به، جزاءً له على التمثُّل والإستنان بما حبَّذه له الرسولُ (ص) وأهلُ بيته (ع) من حمل النفس على التفاؤل وترقُّب الخير.
الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص78. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص417. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص417. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص418. 5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص86. 6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 5 / ص85. 7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص93. 8- مكارم الأخلاق -الشيخ الطبرسي- ص89. 9- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص92. 10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص93. 11- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص97. 12- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص94. 13- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص95. 14- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص95.