حبذا لو يظهر لنا تفسير وتبرير مقنع لهذا الكلام؟ وماذا لو كان ابن الزنا مؤمن ويصلي ويصوم. ثم ان التاريخ يحدثنا عن زياد بن ابيه وهو ابن زنا ثم ولاه الامام علي خراسان ايام خلافته!
إبن الزنا كبقية البشر!إن مشهور أهل القبلة الأعظم، شيعة وسنّة، ولا عبرة بمن شذّ من الفريقين، أنّ ابن الزنا، من حيث التكليف، حاله –في الجملة- حال بقيّة البشر، فيمكن أنْ يدخل الجنّة إنْ أحسن، وعاقبته النّار إنْ ساء.
فأمّا على أصول أهل السنّة، فلقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فلا ذنب له في كونه ابن زنا من هذه الجهة.
وأمّا على أصول الشيعة الإماميّة؛ فلأنّ الجزم بكونه من أهل النّار، خلاف أصول العدل الإلهي، القائمة على الاختيار ونفي الجبر من رأس.
فأصول الشيعة الأماميّة الاثني عشريّة، قائمة على امتناع التكليف إلاّ مع القدرة على الطاعة والاستطاعة على الامتثال، وإلّا لزم السفه واللغويّة في أفعال الله تعالى، وهذا ممتنع على الذات الحكيمة الرحيمة.
وافتراض أنّ ابن الزنا في النّار حتى لو عمل صالحاً، خلاف هذه العقيدة المعلومة ضرورة عن أهل البيت عليهم السلام، وعن شيعتهم أنار الله برهانهم.
لذلك، تأوّل مشهور أهل القبلة الأعظم، سنّة وشيعة، الروايات صحيحة الإسناد، عن النبي وأهل البيت عليهم السلام، الصريحة أنّ ابن الزنا لا يدخل الجنّة، بوجوه من التأويل، مردّها كلّها إلى أنّ ابن الزنا لا يدخل الجنّة إذا لم يعمل صالحاً، أمّا إذا عمل صالحاً فلا يعذب بالنار، بل يمكن أن يدخل الجنّة.
بقي شيء!!اتضح أنّ مشهور علماء الفريقين الأعظم، سنة وشيعة - ولا عبرة بمن شذ - أنّ ابن الزنا، له استطاعة لأن يعمل صالحاً فيدخل الجنّة. لكن هذا، باتفاق علماء الفريقين، لا ينفي أنّ نطفته خبيثة ليست طيّبة؛ كونها من زنا وسفاح، لا عقد ونكاح؛ لذلك قال العلماء: إنّ اقتضاء ذات ابن الزنا لصدور فعل الحرام والشرور عنها، أقوى قياساً بذات ابن الحلال، والسبب خبث النطفة؛ لذلك على ابن الزنا أن يحتاط في كثير من أفعاله قياساً بابن الحلال.
الزبدة: خبث النطفة ليس سبباً تامّاً لدخول النار؛ إذ لا إلجاء في البين ولا جبر ولا سفه في أفعال الله تعالى على أصول الشيعة، وكذا على أصول أهل السنة الجازمة بأنّه لا ذنب له في كونه كذلك.
ما قصة ولاية ابن زياد من قبل أمير المؤمنين؟وأمّا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولى ابن زياد، وهو ابن زنا؛ ففيه جوابان:
الأوّل: المعصوم، يرتب الأحكام الشرعيّة على الظاهر والبيّنة، لا الباطن والواقع الذي في اللوح المحفوظ، فهذا غير سائغ لأي معصوم، حتى لو كان مطلعاً عليه بإذن الله تعالى، إلاّ داود النبي بضع ساعات، وربما بعض المعصومين كالخضر عليه السلام نادراً، إذ لا يسوغ هذا تماماً إلّا للمهدي صلوات الله عليه.
والمعيار فيما نحن فيه، قول النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) علي عليه السلام تعبد بهذا في زياد لعنه الله، لا يسوغ له غيره.
وهو ما فعله الفقيه الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام، لما كفّ عن اغتيال عبيد الله بن زياد؛ ضرورة حرمة القصاص قبل الجناية خارجاً = ظاهراً؛ إذا العمل بعلم الباطن، لا يسوغ.
الثاني: لو تساءلنا، هل كان أمير المؤمنين عليه السلام، مبسوط اليد تمام البسط إبّان خلافته المقدسة صلوات الله عليه؟!!
قلنا بإجماع: يكفي أن نعرف أنّه صلوات الله عليه، أكره على وقف الحرب في صفين، مع أنّ بينه وبين أن يكون معاوية بين يديه أسيراً فواق ناقة، كما قد أكره على الحكمين في دومة الجندل، بل قد أكره على إرسال أبي موسى الأشعري مع أنّه عليه السلام انتخب ابن عباس.
أكثر جيشه كان من الخوارج، عمريو الهوى، تحت إمرة الأشعث بن قيس الكندي المنافق، بل كانوا يصلون التروايح وأمير المؤمنين –شرعاً- مكرهاً لا حول له ولا قوّة = التقيّة..
إذا اتّضح هذا، فلا دليل عندنا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام، ولّى زياد مختاراً؛ إذ الأصل أنّه صلوات الله عليه، كان مجبراً مكرهاً (=التقيّة) في أكثر أفعاله الدائرة مدار السياسة والحرب.
بل إنّ أمير المؤمنين عليه السلام، لم يرض بالخلافة بعد مقتل عثمان، وإنّما أكره على قبولها، بل قد ورد: (حتى وطىء الحسنان) وموجز السبب ببساطة، ظهور الحال القطعي بأنّ أغلب الأمّة لا تريده، ولا تحبّه إلّا على هواها هي، لا على ما جاء به محمد والقرآن، وإنّما أرادوه وسيلة لتحقيق مطامعهم وأهوائهم، ابتداءً من طلحة والزبير، ومروراً بالأشعث بن قيس وأبي موسى الأشعري وزياد بن أبيه الذي كان في الأصل كاتباً لأبي موسى الأشعري، وانتهاءً بلا انتهاء بالخوارج.
ومن القرائن القطعيّة، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام، في تولية زياد، كان يتعاط التقيّة والإكراه، إجماع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم أنّ ابن الزنا، بعد ثبوت كونه كذلك شرعاً، لا يسوغ له أن يؤم النّاس في الصلاة، ناهيك أن يتسلط عليهم بالولاية والرئاسة، فتعيّن أن يكون ما نحن فيه إكراه واضطرارٌ وتقيّة.