يلحظ الناظر في الفضاء العام الإسلامي كلاما حول وجود تشكيك في الأحكام الدينية، أو رفض لبعضها، أو رد لبعض الاعتقادات الإسلامية.
بل ربما تصاعد ذلك إلى التشكيك في أصول الاعتقادات، ويشير هؤلاء إلى تغيير بعض الناس لإسلامهم، والانتقال عنه إلى مثل المسيحية، بل ما هو أكبر وهو عدم الاعتقاد بالله، أو ما اصطلح عليه بالإلحاد.
في البداية لا بد من التفريق بين مستويات: حالة من اللا التزام الديني المبرر بفكرة التشكيك أو الالحاد: بل يريد الانسان ليفجر أمامه للتهرب من الالتزامات.
لماذا تحدث الحالة اللادينية؟١- اليقينيات بالجملة قد تنتج شكا بالجملة: يتصور البعض أن تفاصيل المسائل الاعتقادية هي يقينيات لا بد من الايمان بها جملة واحدة وبنفس المستوى وأن التشكيك في بعض منها مرفوض (على طريقة لعن الله الشاك !!)، مع أنه لا بد من التفريق بين المسائل الأصيلة وبين فروعها.. لا يمكن أن يتساوى الايمان بالله الواحد الأحد، أو الايمان بالنبي محمد، مع الايمان بالرجعة للأئمة! في المستوى الأول من لا يؤمن بها بالتفصيل يصبح غير مسلم، بينما من لم يصل إلى الاعتقاد بالرجعة لا يخرج من الإسلام ولا التشيع! وفي مدرسة الخلفاء لا بد من التفريق بين الايمان بأصل المعاد، وبين الاعتقاد بعدالة كل الصحابة! مثلا أو بأن الميزان يوم القيامة هو مثل موازين الدنيا له كفتان!
أحد الباحثين قال (ومن المسائل المهمة أيضا هي أن طبيعة الخطاب الديني عندنا تدفع الشخص لأن يعتقد أو يفترض بأنه سيوقن بكل شيء، التربية على اليقين (في كل شيء) لها تأثير سلبي، فبمجرد أن يدخل الشك في مسألة تبدأ المسائل كلها تنفرط لأنها بذات الدرجة من اليقينية! وهكذا يصبح الشك أو الارتباك أمام بعض القضايا سببا أو دافعا لأن يشك هذا الشاب في كل شيء، وهذا أمر خطير، عدد من هؤلاء الذين ألحدوا كانت شرارة الإلحاد بالنسبة لهم هو أن إحدى المسائل التي تربوا على أنها مسألة يقينية ومحسومة اكتشفوا أن فيها خلافا شديدًا بين أهل الدين أنفسهم، فشعروا بأنهم كانوا مخدوعين أو أن ما تربوا عليه وغرس في عقولهم كان خاطئاً، وربما كانت هذه المسألة فقهية بسيطة!
2- تعليلات علمية ونظريات دينية حول الخلق والكون: ابتليت الكنيسة في أوروبا بخوض صراع جاهل مع العلماء الطبيعيين، وأنتج ذلك تراجعا في إيمان الناس.. ولم يحدث في الحالة الإسلامية هذا بنفس المقدار لكون الدين يحث على العلم، إلا أن قسما من علماء الدين أو بعض التراث الديني، قدم للناس نظريات، وسميت بأنها نظريات دينية تامة، ثم جاء العلم الحديث وقدم تخطئة لها، وهذا ما جعل دارسي العلم الحديث يشككون في تلك النظريات (المسماة دينية) ويرفضونها، (مثال مرض الصرع حيث قدم تاريخيا على أنه عارض يحصل بسبب دخول الجن في الشخص، جاء العلم وقدم نظرية تقوم على أساس أنه كهرباء زائدة في البدن وأصبح له علاجاته كما يقول أحد الأطباء: فإن الصرع حالة مرضية مزمنة ناتجة عن زيادة النشاط الكهربائي لخلايا المخ وينتج عنها اختلال في وعي المريض وتصرفاته لمدة مؤقتة تزول من دون إحداث أي تغيرات دماغية بعد زوالها).
وإذا كانت بعض الآراء (الدينية) ترفض فكرة كروية الأرض أو أنها تدور حول نفسها أو حول الشمس أو تؤكد أنها على قرن ثور، فإن العلم الحديث قد رفض هذه الآراء وبرهن على خطئها.. وقد جر هذا إلى التشكيك في قضايا مثل: الملائكة والجنة والنار، والاله وهكذا التفريق بين الحقائق العلمية والنظريات العلمية، وأنه ليس كلما قاله العلماء والعلم في وقت ما هو حقيقة نهائية.
٣- حركة احتجاج اجتماعي أو سياسي أو فاقدة للثقة بالموجود: الاحتجاج على الحكومة الدينية أو الحالة الدينية يأخذ هذا المدى، او الاحتجاج على الشخصيات الدينية أو الاجتماعية أو على الوضع السياسي القائم .. الربط بين الدين وبين رجاله (أثر النماذج السيئة على التدين).
عالم ينحرف يتبين للناس أنه منحرف.. قال أحد العلماء: "نصف أوزار الملحدين في هذا العالم يحملها متدينون كرّهوا خلق الله في دين الله".
٤- الحيرة أمام أسئلة نظرية: تساؤل عن عدالة الله في الامراض والبلايا والظلم في كل مكان ..الخ او الأحكام قضايا القصاص والحدود والعقوبات الدنيوية وأمثال ذلك الخمس والضرائب المالية! انفتاح لا محدود على الأفكار قبل مرحلة النضج، نداء لأهل الأفكار ان يتقوا الله في هذا الجيل: البعض منهم يفقد توازنه عندما يعرف بعض الكلمات ويجادل في بعض الثوابت: كما قال عبد السلام ديك الجن " أَتَاني هَواها قبلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى فصادَفَ قَلْباً خَالياً فَتَمَكّنَا"، يرافقه دعوة خاطئة إلى اتخاذ الشك منهجا لليقين، لكل شخص! وكأن الكل له استعداد ذلك!
في العلاجات يمكن القول ما يلي:أولا: الاحتضان والمناقشة: على المجتمع أن يحتضن المشككين وأن لا يكون عونا للشيطان عليهم! بين توجه العباسيين: صاحب الزنادقة والإعدامات وبين توجه الامام الصادق عليه السلام.
في توحيد المفضل: إنه لما سمع المفضل من ابن أبي العوجاء، بعض كفرياته، لم يملك غضبه، فقال: يا عدو الله ألحدت في دين الله، وأنكرت البارئ جل قدسه، إلى آخر ما قال له .
فقال ابن أبي العوجاء: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبت لك الحجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وإنه الحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خرق، ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستعرف حجتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا، وظننا إنا قد قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردا، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه. (الشيخ عباس القمي في الأنوار البهية). الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم قال قال أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قولنا (الثنوية، يزدان في السماء وأهريمن في الارض) قلت: ما هي؟ فقال: (وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله)، فلم أدر بما أجيبه فحججت فخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: هذا كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل له ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول فلان فقل له: ما اسمك بالبصرة؟ فانه يقول فلان، فقل كذلك الله ربنا، في السماء اله، وفي الأرض اله، وفي البحار اله، وفي القفار اله، وفي كل مكان اله، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال: هذه نقلت من الحجاز.
من كان على شبهة فهو يحتاج الى نقاش المتخصصين معه. ونحذر من ان يقوم بهذا العمل غير المتخصص فلا ينفع غيره بل ربما أضر نفسه بتعريضها للشبهات.
الاستشهاد باحتجاج السيد الطباطبائي على السيد البروجردي في تدريس الفلسفة ... التأكيد على دراسة الفلسفة، والمصالحة مع التوجه التفكيكي.
في تاريخ المعصومين كان هناك جماعة لكل تخصص مثال هشام بن الحكم فإن له في الفقه والأخلاق خمسة وثلاثين رواية فقط بينما في العقائد والاحتجاج له عشرات الروايات المفصلة. ثانيا: نصيحة بترك منهج التشكيك: من الخطأ ان يفرض على الآخرين الشك والتساؤل الفلسفي بحجة أنه طريق اليقين، في حين أن إدراكات الناس تتفاوت وطرق وصولهم لليقين تتنوع وتتعدد بتعدد أنفاس البشر! على المفكرين الذين يطرحون شبهات هنا وهناك على الملأ العام أن اتقوا الله في أنفسكم أولا، وفي هذا الجيل الناشئ ثانيا .. في أنفسكم فإن إضلال شخص بفكرة باطلة يحمل الانسان مسؤولية قتلها.. ولا ينفعه أن تتغير فيما بعد عقائده.. هذا الولع بالشيء الجديد الصادم والذي لم ينضج عند صاحبه قد يعقبه ندما لا ينقضي.. إذا كانت الكلمة تخرج من فم الانسان فيرتكب بها الحرام (يسفك بها الدم أو ..) تحمل الانسان مسؤولية فما ظنك فيمن يضل جماعة.. ثم قد يرجع إلى رشده.. وإلى الشباب، حقق فيما تقول قدر الإمكان! لا يكن الأمر هكذا بمجرد أن يتبادر إلى ذهنك كلام أو فكرة، تطرحه وكأنه آية منزلة أو سنة محكمة! يكتب شخص مثلا عن مسائل عقدية وهو لم يراجع أدلتها! أو عن قضايا فقهية وهو لا يعرف أوليات الاستنباط! ثم يقول فهم الدين ليس حكرا على رجال الدين! نحن نقول حتى رجال الدين أيضا مخاطبون بالتحقيق قدر الإمكان.
يذكرنا هذا بأشهر الفلاسفة الملحدين في بريطانيا / أنتوني نيوتن فلو ت 2010 / بدأ من عمر الخامسة عشر في التشكيك وبقي هكذا وألف قرابة 30 كتابا في الالحاد، وفي الثمانين من عمره تراجع وألف كتابا، عنوانه: هناك إله there s a god.
واضاف يقول: "إن العلم الحديث يجلى خمسة أبعاد تشير إلى الإله الخالق: الكون له بداية، وخرج من العدم. أن الطبيعة تسير وفق قوانين ثابتة مترابطة. نشأة الحياة، بكل ما فيها من دقة، من المادة غير الحية. أن الكون، بما فيه من موجودات وقوانين، يهيئ الظروف المثلى لظهور ومعيشة الإنسان، وهو ما يعرف بالمبدأ البشرى. العقل، خصوصية الإنسان لقد أصبح لا مفر من اللجوء إلى عالم ما وراء الطبيعة لتفسير قدرات العقل الخارقة.
ثالثا: الخطباء ومسؤولية الخطاب العلمي: نداء للخطباء ان يتكلموا خارج هذه الاطر. التفريق بين أصول العقائد الدينية وبين ما يصعب توجيهه علميا وبين ما هو غير معقول! التصور ان هذا النمط من الأحاديث سيزيد ايمان الناس: خاطئ! بل قد ينعكس الامر.. إذا كانت القصة التي تورد (ولا نريد أن نأتي بأمثلة) تثير أسئلة فلا ينبغي إيرادها إلا مع التحقيق فيها أو محاولة الإجابة على تلك الأسئلة!