لماذا يدفنون الموتى بجوار الإمام علي (ع)؟

علي بن محمد بن عساكر
زيارات:4553
مشاركة
A+ A A-
ما هو الدليل على أفضلية الدفن بجوار الإمام أمير المؤمنين، وأن ذلك يكون نافعا للميت، وكيف نوفّق بينه وبين ما هو ثابت في الدين من أنه لا ينفع الإنسان إلا عمله؟!

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

صحيح أن الإنسان إنما يحاسب على أعماله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} سورة الزلزلة (7-8) ، ولكن من لطف الله ورحمته بعباده، وحبه لهم ولخيرهم، أن فتح أبوابا كثيرة جدا لمنفعتهم وسعادتهم، سواء فيما يضاعف حسناتهم، أم يرفع درجاتهم، أم يغفر ذنوبهم ويتجاوز عن سيئاتهم، أم يخفف عنهم...ومن ذلك -على سبيل المثال- أن جعل الشفاعة لغفران بعض الذنوب والمعاصي، كما جعل سبحانه وتعالى أعمال المؤمنين لبعضهم نافعة لهم جميعهم، وفي مضمون الأحاديث الشريفة: (ادعني بلسان لم تعصني به) وقد فسّر ذلك بدعاء المؤمنين لبعضهم البعض، وليس ذلك محصورا في الدعاء، بل يشمل كل عمل صالح، كالاستغفار والصدقة وقراءة القرآن والصلاة... وغيرها من الأعمال التي يمكن للمؤمنين أن يقوموا بها نيابة عن بعضهم البعض، أو أن يهدوا ثوابها لأرحامهم وأقاربهم وأصدقائهم، ولمن أحبوا من المؤمنين، بل من لطفه ورحمته سبحانه أنه إذا مات المؤمن وفي ذمته بعض الأعمال العبادية من صلاة وحج وصوم...فإنها تسقط بأدائها عنه، كما جعل عز وجل خصوصيات لبعض الأماكن يتضاعف فيها الأجر والثواب، فالصلاة والدعاء وقراءة القرآن في المساجد ليست كما هي في البيوت، وفضل أدائها في البيت الحرام، والحرم النبوي الشريف، والمشاهد المقدسة، أعظم بكثير من أدائها في سائر المساجد الأخرى، وذلك للخصوصية التي تمتاز بها هذه الأماكن على غيرها، ولذلك ورد أن الإمام الهادي عليه السلام أصيب بمرض فطلب من أحد أصحابه أن يذهب إلى كربلاء ويدعوا له بالشفاء تحت قبة سيد الشهداء عليه السلام، وحين سئل: لماذا لا يدعو لنفسه وهو إمام ودعاؤه قطعا مستجاب، كما أن دعاءه لنفسه أفضل من دعاء غيره له، أجاب عليه: (إن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها فيجيب، وإن بقعة جدي الحسين عليه السلام من تلك البقاع)، وراجع تفاصيل الحادثة ومصادرها في ص256-259 من كتاب (حياة الإمام الهادي) للشيخ باقر شريف القرشي.

وإذا فهمنا هذه المقدمة واستوعبناها جيدا، حينها نفهم أن الله عز وجل اختار بعض الأماكن وفضلها على بعضها، وجعل لها خصوصية ليست لغيرها، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، القصص (68)، والآية مطلقة فتشمل الاختيار التشريعي والاختيار التكويني، فكما يختار سبحانه الرسل والأنبياء والأئمة والأوصياء، كذلك يختار الدين الذي يريد، والتشريع الذي يريد، والأماكن التي يريد، ويفضلها على غيرها، ويجعل لها خصوصية عنده سبحانه وتعالى، تماما كما اختار الوادي المقدس، وجعل له حرمة وقداسة إلى حدّ أن قال لكليمه موسى عليه السلام كما في الآية (12) من سورة طه: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}، فما بالك إذن ببيته الحرام الذي نصّ القرآن على بركته، وأنه هدى للعالمين، فقال في الآية (96) من سورة آل عمران: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}، وكذا الحرم النبوي الشريف، الذي يضمّ جثمان خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، ومشاهد الأئمة المعصومين الذين هم حججه على الناس أجمعين، كيف لا تكون لها حرمة وقداسة، تجعل لها خصوصية عنده سبحانه وتعالى، سواء بالتعبد فيها، أم بغير ذلك من الأمور؟! 

والإمام علي صلوات الله وسلامه عليه، هو (أمير المؤمنين، بل نفس النبي، وباب مدينة علمه، وقسيم الجنة والنار...) كما ورد في الكثير من الأحاديث والأخبار، فقطعا لمجاورته والدفن بقربه وجواره خصوصية عند الله عز وجل، عبّر عنها أحد الشعراء بقوله:

إذا مت فادفني إلى جنب حيدر*أبي شبر أكرم به وشبير

فلست أخاف النار عند جواره*ولا أتقي من منكر ونكير

فعار على حامي الحمى وهو في الحمى*إذا ضاع في المرعى عقال بعير

وليس هذا خيال شاعر جنح به جنون الشعر إلى الشطحات، وإنما هو تضمين لحقيقة استلهمها الشاعر مما أكدته الأحاديث والروايات، ومنها ما رواه العلامة المجلسي في ج79ص68 من بحاره عن (إرشاد القلوب للديلمي) روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد أقبل من البرية راكبا على ناقة وقدامه جنازة، فحين رأى عليا عليه السلام قصده حتى وصل إليه وسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: من أين؟ قال: من اليمن. قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض. فقال له علي عليه السلام: لم لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى بذلك وقال: إنه يدفن هناك رجل يدعى في شفاعته مثل ربيعة ومضر. فقال عليه السلام له: أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا. قال: أنا والله ذلك الرجل، ثلاثا، فادفن فقام ودفنه).

وفي ص58 من (فرحة الغري) عن عقبة بن علقمة قال: اشترى أمير المؤمنين عليه السلام أرضا ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة. وفي خبر آخر: ما بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة من الدهاقين بأربعين ألف درهم، وأشهد على شرائه، قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين تشتري هذا بهذا المال وليس ينبت قط؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كوفان كوفان، يرد أولها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي)، والمراد بالسبعين الكثرة دون العدد، كما في قوله تعالى في الآية (80) من سورة التوبة: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}.

كما ورد أن الدفن هناك يسقط عذاب القبر، وينجي من مساءلة منكر ونكير، بل دلّت الأحاديث الشريفة على أنه ما من مؤمن يموت في شرق الأرض أو غربها، أو أية بقعة من بقاعها، إلا وألحق الله روحه بذلك الوادي المقدس، كما في أصول الكافي، كتاب الجنائز، باب في أرواح المؤمنين، ج3ص245 عن حبة العرني عن أمير المؤمنين من جملة حديث: (...ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض، إلا قيل لروحه: الحقي بوادي السلام، وإنها لبقعة من جنة عدن)، وفي المصدر نفسه ص245-246 عن أحمد بن عمر رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها. فقال: ما تبالي حيثما مات، أما إنه لا يبقى مؤمن شرق الأرض وغربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام. قلت له: وأين وادي السلام؟ قال: ظهر الكوفة، أما إني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون).

إلى غير ذلك مما ورد في فضل الدفن في تلك البقعة المباركة، وجوار ذلك الإمام العظيم، مما ورد في الأخبار، وتسالم على صحته علمائنا الأبرار، مما لا نرى داعيا للإطالة بنقله.

مواضيع مختارة