وأما ما هو الدليل على الحدِّ على شارب الخمر فهو مضافاً إلى الإجماع بقسميه – كما أفاد صاحب الجواهر(1) -رواياتٌ مستفيضة أو متواترة (2) واردة عن أهل بيت الرسول (ص) ويُمكن تصنيفها إلى طائفتين:
الطائفة الأولى نصَّت على ثبوت الحدِّ الشرعي على شارب الخمر:منها: صحيحة أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ يَجِبُ فِيه كَمَا يَجِبُ فِي الْخَمْرِ مِنَ الْحَدِّ" (3)
منها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألتُه عن الفقَّاع فقال:" هو خمر، وفيه حدُّ شارب الخمر"(4)
ومنها: معتبرة ابْنِ فَضَّالٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (ع) أَسْأَلُه عَنِ الْفُقَّاعِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ يَقُولُ:" هُوَ الْخَمْرُ، وفِيه حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ"(5)
هذه الروايات صريحة في المفروغيَّة عن ثبوت الحدِّ على شارب الخمر، وكان السؤال عن إلحاق سائر المسكرات -كالفقاع - بالخمر من حيث ثبوت الحدِّ على شاربها، وجاء الجواب في الروايات الثلاث بأنَّ مطلق المسكرات ملحقةٌ بالخمر من حيث ثبوت الحدِّ على شاربها ، وثمة رواياتٌ أخرى نصَّت على ذلك، وفيما نقلناه غنىً وكفاية.
الطائفة الثانية نصَّت على أنَّ الحدَّ الشرعي على شارب الخمر ثمانون جلدة:منها: صحيحة سليمان بن خالد، قال: "كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجلدُ في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر، ويقتل في الثالثة كما يقتلُ صاحبَ الخمر"(6)
ومنها: بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: " إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) يُضْرَبُ شَارِبُ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وشَارِبُ النَّبِيذِ ثَمَانِينَ"(7)
ومنها: معتبرة سماعة عن أبي بصير قال : " كان عليٌّ (عليه السلام) يجلدُ الحرَّ والعبدَ واليهوديَّ والنصرانيَّ في الخمرِ والنبيذِ ثمانين، فقلتُ : فما بالُ اليهوديِّ والنصرانيِّ ؟ فقال :" إذا أظهروا ذلك في مصرٍ من الأمصار لأنَّه ليس لهم أنْ يظهروا شربَها "(8)
ومنها: معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: "كَانَ عَلِيٌّ (ع) يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ والنَّبِيذِ ثَمَانِينَ الْحُرَّ والْعَبْدَ والْيَهُودِيَّ والنَّصْرَانِيَّ قُلْتُ: ومَا شَأْنُ الْيَهُودِيِّ والنَّصْرَانِيِّ ؟ قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا شُرْبَه يَكُونُ ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ"(9)
ومنها: صحيحة أَبِي الْمَغْرَاءِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ:" كَانَ عَلِيٌّ (ع) يَجْلِدُ الْحُرَّ والْعَبْدَ والْيَهُودِيَّ والنَّصْرَانِيَّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ"(10)
ومنها: صحيحة بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: "إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) يُضْرَبُ شَارِبُ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وشَارِبُ النَّبِيذِ ثَمَانِينَ"(11)
ومنها: معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ رَجُلٍ شَرِبَ حُسْوَةَ خَمْرٍ؟ قَالَ: " يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً قَلِيلُهَا وكَثِيرُهَا حَرَامٌ" (12)
ومنها: صحيحة ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ: "حَدُّ الْيَهُودِيِّ والنَّصْرَانِيِّ والْمَمْلُوكِ فِي الْخَمْرِ والْفِرْيَةِ سَوَاءٌ، وإِنَّمَا صُولِحَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْرَبُوهَا فِي بُيُوتِهِمْ.."(13)
وتقريبُ الاستدلال بالرواية واضحٌ فإنَّ حدِّ الفرية – القذف- ثمانون جلدة كما نصَّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}(14) فمقتضى التسوية بين حدِّ الفرية وحدِّ شارب الخمر هو أنَّ حدَّ شارب الخمر ثمانون جلدة .
ومنها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ إِنْ شُرِبَ مِنْهَا قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً قَالَ ثُمَّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وقَامَتْ عَلَيْه الْبَيِّنَةُ، فَسَأَلَ عَلِيّاً (ع) فَأَمَرَه أَنْ يَجْلِدَه ثَمَانِينَ، فَقَالَ قُدَامَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيَّ حَدٌّ أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِه الآيَةِ { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ (ع) لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّ طَعَامَ أَهْلِهَا لَهُمْ حَلَالٌ لَيْسَ يَأْكُلُونَ ولَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مَا أَحَلَّه اللَّه لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (ع): إِنَّ الشَّارِبَ إِذَا شَرِبَ لَمْ يَدْرِ مَا يَأْكُلُ ولَا مَا يَشْرَبُ فَاجْلِدُوه ثَمَانِينَ جَلْدَةً" (15)
وثمة رواياتٌ أخرى كثيرة دلَّت على أنَّ حدَّ شاربِ الخمر ثمانونَ جلدة ، وفيما ذكرناه غنىً وكفاية للتثبُّت من استفاضة الروايات الدالَّة على ذلك وهي مقتضية للاطمئنان بالحكم .
الهوامش: 1-جواهر الكلام – النجفي- ج41/ 449. 2- جواهر الكلام – النجفي- ج41/ 451. 3-الكافي الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 230. 4-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 98، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 238. 5- الكافي الكليني- ج6/ 424، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 25/ 360. 6-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 97، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 236. 7- الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 224. 8-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 91، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 227. 9- الكافي- الكليني- ج7/ 215، تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 91، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 236. 10-الكافي -الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 228. 11- الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 224. 12-الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 219. 13- الكافي الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 184 14- سورة النور: 4. 15-الكافي الكليني- ج7/ 215، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 222.