البكاء في العلم
في عام 1981، اكتشف الطبيب النفسـي "وليام إتش. فراي الثاني" في ولاية مينيسوتا الأمريكية أن الدموع التي نذرفها عند مشاهدة أفلام حزينة، تحتوي على نسبة أكبر من البروتين، مقارنة بالدموع التي نذرفها كاستجابة تلقائية لشرائح البصل التي تقطع بجوارنا.
وفي دراسة نشـرت عام 1986، توصل أحد علماء النفس إلى أن 94 في المئة من المقالات التي تناولت البكاء في الصحف والمجلات الشهيرة في الولايات المتحدة ذكرت أن البكاء ساعد في تخفيف العديد من التوترات النفسية.
وتوصلت دراسة أخرى أُجريت عام 2008، وشملت نحو 4300 شخص بالغ من 30 دولة، إلى أن معظم هؤلاء الأشخاص حققوا تحسنا في الحالة النفسية والبدنية لديهم بعد مرورهم بنوبة بكاء([1]).
في الفلسفة والأدب
أرسطو: البكاء ينظف العقل.
شيكسبير: أن تبكي هو أن تخفف من عمق الأحزان.
موسيه: دموع العين اجمل من ابتسامة الشفتين.
كامبل: دموع الجميلة احلى من ابتسامتها.
هاريك: الدموع لغة العين.
فولتير: الدموع لغة الحزن الصامتة.
ديكنز: الدموع تفتح الصدور وتغسل العيون وتلطف الاطباع.
روبرت هاريس: انبل اللغات الدموع.
هانز: الدموع عطية الهية ونعمة دعها تترقرق وتسيل([2]).
في الشعر
الحطيئة:
اذا ما العين فاض الدمع منها
اقول بها قذى وهو البكاء.
الفرزدق:
سابكيك حتى تنفد العين ماءها
ويشفي مني الدمع ما اتوجع
ديك الجن:
ويعذلني السفيه على بكائي
كانّي مبتلى بالحزن وحدي ([3])
البكاء في القرآن
في القرآن الكريم سبع آيات تتحدث عن البكاء لفظاً او معنى، إذا استثنينا قوله تعالى: )وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (([4]) وقد قيل في تأويلها:
(أراد به الضحك والبكاء المتعارف عليهما بين الناس، فهو الذي يجريه ويخلقه).
ويقال: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.
ويقال: أضحك أهل الجنة بالجنة، وأبكى أهل النار بالنار.
ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وأضحك الكافر في الدنيا وأبكاه في الآخرة.
ويقال: أضحكهم في الظاهر، وأبكاهم بقلوبهم.
ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة بغفرانه، وأبكى الكافر بهوانه.
ويقال: أضحك قلوب العارفين بالرضا، وأبكى عيونهم بخوف الفراق.
ويقال: أضحكهم برحمته، وأبكى الأعداء بسخطه([5]).
وبالعودة لآيات البكاء: لم يرد في الآيات ذمٌ للبكاء، وعلى العكس وردتْ في مدحه وخصوصاً إذا كان من خشية الله تعالى:
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)([6]).
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ([7]).
(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) ([8]).
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) ([9]).
(تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ( ([10]).
)وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ( ([11]).
)فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( ([12]).
في السُنة
أ-عند الشيعة:
عنون ثقة الاسلام في الكافي باباً في البكاء واخرج فيه احد عشـر حديثا نورد اثنين معتبرين منها هما السابع والثامن من الباب:
عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد الله 7: أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى.
وعن عنبسة العابد قال: قال أبوعبد الله عليه السلام: إنْ لم تكن بك بكاء فتباك ([13]).
ب ـ عند أهل السنة والجماعة:
وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...عد منهم: رجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
وفي البخاري أيضاً عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " قَالَ: أَمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ"([14]).
البكّاءون خمسة
روى الصدوق حديثاً بسنده مرفوعاً إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: البكّاءون خمسة:
آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين عليهم السلام.
فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية.
وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصـره وحتى قيل له تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ.
وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما.
أما فاطمة فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضـي حاجتها ثم تنصرف.
وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عـشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني ما أذكر مصـرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة([15]).
يتبع...
الهوامش:
([1]) نقلاً عن تقرير كتبه الصحفي العلمي: جيسون جي غولدمان على موقع bbc على الرابط التالي: www.bbc.c) m/arabic/vert-fut-40113246
([2]) منير عبود - موسوعة الامثال والحكم والاقوال العالمية.
([3]) علي القاسمي - معجم الاستشهادات.
([4]) النجم: 43.
([5]) القشيري – تفسير لطائف الإشارات، ج 3 ص 489.
([6]) مريم: 58.
([7]) يوسف: 84.
([8]) الإسراء: 109.
([9]) المائدة: 83.
([10]) التوبة: 92.
([11]) النجم: 60.
([12]) التوبة: 82.
([13]) الكليني – الكافي ج: 2 ص: 483، باب البكاء، ح7 و8.
([14]) البخاري - الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه (صحيح البخاري) الحديث الأول برقم: 620 والثاني: 4216.
([15]) الصدوق – الخصال ج: 1 ص: 272، باب الخمسة، ح 15.