هذا الشارع التجاري، أصبح اليوم يضم العشرات من معاهد التدريس الخصوصي التي بدأت تسحب البساط من تحت المدارس على الرغم من تكاليفها الباهظة، إذ يصل سعر تدريس المادة إلى نحو مليون دينار تقريبا.
تحقيق صحفي نشرته صحيفة "العالم الجديد" سُئلت إحدى الفتيات ممن يتحضرن لاختبارات البكالوريا في السادس العلمي / الأحيائي، والتي واظبت على الحضور اليومي لهذه المعاهد.
تقول (م. ح) إن "دوام المدرسة أصبح تسجيل حضور فقط، والحصص جميعها نتلقّاها في المعهد، جميع زميلاتي معي ما عدا ممن يعانين من ضعف الحالة المادية فقد اكتفين بالدخول في بعض المواد فقط".
وتضيف طالبة السادس، التي اكتفت بالترميز لاسمها أن "الدراسة مجانية في المدارس، لكنها لا تسمن ولا تغني، والمشكلة أن المدرسين هم أنفسهم في المدارس يدرسون في المعاهد وكأنما يلبسون شخصية أخرى".
وانتشرت ظاهرة التدريس "الخصوصي" في العراق بشكل كبير بعد العام 2003، نظرا لتحسن الوضع الاقتصادي لأغلب العوائل، حيث باتت قادرة على دفع مستحقات المدرس، والتي كانت بأسعار مقبولة آنذاك، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى شبه إلزامي لطلبة الصف الثالث المتوسط والسادس الإعدادي، نظرا لكون طلبة المرحلتين يؤدون امتحانات وزارية "بكالوريا".
وفي السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة معاهد التطوير والدورات، حيث يشترك في كل معهد عدد من المدرسين ويجمعون الطلبة في قاعات مخصصة للدراسة، وتبدأ أغلب هذه الدورات في العطلة الصيفية التي تسبق بدء العام الدراسي، وذلك بهدف تهيئة الطالب للمرحلة الوزارية المقبل عليها.
وخلال الفترة الماضية، جرى تداول مقطع فيديو لمدرس في إحدى معاهد التدريس الخصوصي، وهو يوبخ الطالبات ويتجاوز عليهن بألفاظ نابية، ما أثار ردود فعل مستهجنة في الرأي العام.
وكان وزير التربية إبراهيم الجبوري، صرح قبل يومين، بأن البلد يحتاج إلى 8 – 9 آلاف مدرسة جديدة للقضاء على الدوام الثلاثي، مؤكدا أن رئيس الوزراء وجه المحافظين باستثمار فترة العطلة الصيفية لتشييد الأبنية المدرسية.
إلى ذلك، يقول أحد مدراء المدارس وهو حيدر البياتي، أن "هذه المعاهد لا يمكن أن تكون بدائل عن المدارس الحكومية لكن بسبب كثافة الطلبة في المدارس الحكومية أصبح من الصعب توصيل المادة للطالب، ولذلك يلجأ الأخير إلى المعاهد الأهلية".
ويضيف أن "بعض المعاهد مرخصة، والبعض الآخر غير مرخص وهو الأغلب، بالنسبة للمعاهد المسجلة مجازة من الدولة وتفرض عليها ضرائب وبعض القوانين والشروط بالتنسيق مع وزارة التربية".
ويتابع أن "التدريس في المدارس يسير بشكل طبيعي، بوجود الإشراف التربوي الذي يتابع المدارس الحكومية وإكمال المنهج والخطط في سبيل إنهائها".
يشار إلى أن التعليم في العراق، شهد تراجعا كبيرا في السنوات الماضية، نتيجة للإهمال الحكومي وشبهات الفساد التي تحوم حول مشاريع تطويره، وخاصة بناء مدارس جديدة بعد ارتفاع عدد الطلبة والزيادة السكانية، حيث وصل عدد الطلبة في كل صف دراسي لأكثر من 50 طالبا، في مدارس أغلبها متهالكة.
وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الأهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت أعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في أغلب الأحياء السكنية في جميع المحافظات.
ومن المشاكل التي تواجهها المدارس الحكومية في العراق، هي الاكتظاظ وعدم وجود مبان كافية وقلة التجهيزات الأساسية مثل مقاعد الجلوس، وقد انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات كثيرة من داخل بعض المدارس في الوسط والجنوب، تكشف عن عدد الطلاب الكبير في القاعة الدراسية الواحدة وخاصة الأول الابتدائي، مع عدم وجود مقاعد الجلوس وافتراش الطلبة للأرض.
من جانبه، يرى متحدث وزارة التربية كريم السيد، أن "المعاهد والمدارس كل منها يؤدي غرضا مختلفا، فالمعاهد الأهلية غرضها تقوية الطالب وتطوير مستواه، والوزارة تراقب هذه المعاهد عبر لجان مختصة شكلتها".
ويضيف السيد "إجراءات الوزارة مستمرة بخصوص متابعة الأداء في المعاهد وتم تشكيل لجان وجرى غلق بعض المعاهد غير المجازة، وبالنهاية تعتقد وزارة التربية أن هناك اشتراطات يجب أن تتحقق في هذه المعاهد"، لافتا إلى أن "وزارة التربية لا يمكن أن تضع سقفا معينا للمبالغ المستحصلة، فالأسعار تتباين من منطقة لأخرى والتكاليف الخاصة تختلف، ويتم هذا برغبة الطالب ورغبة ولي الأمر وهي قصة اختيارية وليست إجبارية".
وقدرت الوزارة في العام 2018 حاجة التعليم إلى أكثر من 20 ألف مدرسة في عموم البلاد، وسط انتشار صور نظام التعليم الثنائي والثلاثي وحتى الرباعي في المدرسة الواحدة، ومدارس الطين التي بلغت بحسب إحصائية سابقة لوزارة التخطيط ما يقرب من 11 ألف مدرسة، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب بأمية تجاوزت الـ20 بالمئة، ونحو 3 ملايين طفل متسرب من المدارس.
من جانبه، يعتقد مدير أحد المعاهد في شارع فلسطين، أن "المعاهد الدراسية أصبحت مكملة للمدارس خصوصا أن المدارس الحكومية تحتاج للتأهيل، وتحتوي حاليا أكثر من دوام في المدرسة الواحدة".
ويبين مدير المعهد الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "الزخم الطلابي الكبير في المدارس أدى إلى أن تكون فترة التدريس قليلة والأستاذ من الصعب أن ينجز المادة وتوصيلها للطالب بانسيابية".
وبشأن الاتهامات التي ترد عن عدم إكمال المنهج، يذكر أن "هذه الحالات موجودة والمدرس موظف دولة، المفروض إعطاء المادة حقها خلال العام الدراسي".
المصدر العالم الجديد