في حديث طويل سأل سدير الإمام الصادق عليه السلام: وكم محبوكم -ويقصد أهل الكوفة- يا ابن رسول الله؟ فقال: على ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية، ولم يحبونا في السر، وطبقة يحبوننا في السر ولم يحبونا في العلانية وطبقة يحبوننا في السر والعلانية، هم النمط الاعلى، شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب، وفصل الخطاب، وسبب الاسباب، فهم النمط الاعلى الفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين مجروح ومذبوح، متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفى الله السقيم ويغني العديم، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، وبهم ترزقون، وهم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا وخطرا.
والطبقة الثانية النمط الاسفل أحبونا في العلانية، وساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا.
والطبقة الثالثة النمط الاوسط أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ولعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار، القوامون باليل، ترى أثر الرهبانية في وجوههم، أهل سلم وانقياد...الحديث.
واستناداً الى هذه الرواية يمكن تقسيم محبي أهل البيت في الكوفة الى ثلاثة طوائف:
الطائفة الأولى: الأشخاص الذين كانت قلوبهم مع اهل البيت عليهم السلام، وكانوا يدافعون من الناحية العملية ايضاً عن مبادئ هذه الأسرة، ولكن عددهم كان ضئيلاً.
الطائفة الثانية: الأشخاص الذين كانوا يحبون أهل البيت عليهم السلام قلباً، ولكنهم لم يكونوا يجرؤون على الدفاع عن مبادئهم، وكان عددهم أكثر من الطائفة الأولى، وأقل من الطائفة الثالثة.
الطائفة الثالثة: الأشخاص الذين كانوا يُظهرون ولائهم لأهل البيت عليهم السلام من اجل مصالحهم السياسية والاقتصادية يتبعون من يؤمن لهم مصالحهم، ولذلك فقد بايعوا مسلماً في ظل الأجواء التي أحسوا بها بغلبة الحسين عليه السلام، لكنهم انضموا الى بني أمية عندما أدركوا أن تعاونهم مع الأمام الحسين عليه السلام يشكل خطراً عليهم.
اقول: بالنظر لصفات المجموعات الثلاث تمثل المجموعة الثانية غالبية اهل الكوفة في عهد حكومة الأمام علي عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام، وذلك بدليل أنهم الذين كان الأمام علي يشكو منهم بشكل متواصل في آخر حكمه، حيث كان يقول: يا أشباه الرجال ولا رجال. ويقول منيت بمن لا يطيع. ويقول: لا غناء في كثرة عددكم. ويقول: لبئس حشاش النار انتم. هيهات أن أطلع بكم أسرار العدل. ولا يخفى انه عليه السلام كان يخاطب جمهور اهل الكوفة.
والدليل الأوضح تصريح الأمام الحسن عليه السلام في بعض الروايات عند بيان حكمة صلحه مع معاوية، وهو يصف اهل الكوفة قائلاً: يقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا!
ويقول الفرزدق في وصف هذه الطائفة من محبي اهل البيت عليهم السلام عند لقائه الأمام الحسين عليه السلام: القلوب معك والسيوف مع بني أمية. والملاحظة الملفتة للنظر في وصف المجموعة الثانية من محبي أهل البيت عليهم السلام هي السنتهم معنا وسيوفهم علينا، ولكن جاء في كلام الفرزدق والآخرين أن القلوب مع اهل البيت والسيوف ضدهم. والحقيقة أن القلوب لو كانت مع اهل البيت عليهم السلام، لما أمكن للسيوف ان تكون ضدهم. وتظهر المناهضة العملية لهذه الطائفة لأهل البيت عليهم السلام في ان ولائهم لهذه الأسرة لم يكن يتجاوز اللسان.