من أهمّ شخصيّات يوم العاشر بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) هو الإمام السجّاد صاحب الذكرى والمناسبة في هذا اليوم.
فاستعراض واقعة الطفّ مهمٌّ تاريخيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً، ولذلك هذه المسألة موكولةٌ الى الإخوة الأعزّاء أصحاب الاختصاص لمعرفة تداعيات يوم العاشر من المحرّم، قطعاً الحدثُ التاريخي لا يبدأ في آنه، عادةً الأحداث التاريخيّة تحتاج الى مقدّمات، لكن هذه المقدّمات تكون عادةً مغفولاً عنها إلّا للشخص الدقيق الذي يرى الأمور بدأت تسير مسيرةً أخرى، لكنّ المؤرّخ عندما يريد أن يؤرّخ تجد الكثير من الأحداث -ما قبل الحدث الأهمّ- تكون مخفيّةً عنه.
مثلاً الإنسان الآن عندما يُريد أن يؤرّخ لحياة عالمٍ من العلماء، هذا العالِم عندما كان في طفولته وشبابه كان شخصاً عاديّاً لم تُسلّط الأضواء عليه، ثمّ بعد ذلك أصبح علماً من الأعلام، ثمّ بعد ذلك توفّي، فتاريخ وفاته يُعلم لأنّه حدثٌ كبير، لكن تاريخ حياته وبداية ولادته لا يُعلم، لأنّ التاريخ لم يحفظ لنا ذلك، فالأحداث الأهمّ تتربّع دائماً على عرش الاهتمام والأحداث الجانبيّة يُغفل عنها.
بعض الأحداث التاريخيّة كانت مهمّة لأنّ فيها اعوجاجاً لنهجٍ معيّن، الله تبارك وتعالى ختم الرسالة بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا شكّ أنّ هذه الرسالة دفعت تضحيات كبيرة، فعندما نقرأ التاريخ نرى التضحيات جليّةً وواضحة، من أجل ماذا؟ يعني هذه التضحيات إنّما أُريقت الدماء البريئة من أجل ماذا؟ هناك من أراق الدماء وهناك دماء أُريقت، نحن نريد أن نبحث عن الثانية، أنّ هذه الدماء التي أُريقت لابُدّ من وجود مشكلة كانت في المبدأ وهذه المشكلة لابُدّ أن تُحلّ ولو بإراقة الدماء، حتّى تُحلّ هذه المشكلة الإمام الحسين (عليه السلام) رفع شعاراً قال: (إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً...) يعني أنّ علّة خروجي لم تكن لهذه الأشياء، لعلّ غيري يُمكن أن يخرج طلباً لأمرٍ دنيويّ عن طريق شعارٍ أخرويّ، توجد هكذا شخصيّات هو يذهب ويقاتل من أجل الدنيا، نعم شعارُه شعارٌ أخرويّ حتّى يموّه على البسطاء، وعادةً هؤلاء لا يقاتلون في الصفّ الأوّل لأنّه في الصفّ الأوّل إذا قُتلوا تهدّمت هذه القضيّة، حتّى عندما قيل لأحد خصوم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو خصمٌ عنيدٌ لدودٌ، قيل له لماذا لا تُبارز أمير المؤمنين(عليه السلام)؟ فإن قتلته فُزت وإن قتلك ذهبتَ الى الجنّة هكذا هو شعارك، أُحرج في هذا الموقف ماذا يقول فهو يعلم أنّ الهدف ليست له علاقة بالجنّة، قال: ما قاتلتُكم لكي تصوموا أو تصلّوا -هذه أشياء تفعلونها- إنّما قاتلتُكم حتّى أتأمّر عليكم. هذا الذي يتأمّر لا يُقاتل في الصفّ الأوّل بل يقاتل في الصفّ الأخير، ويدفع بهذه الأغنام للجزر لا يهمّه إن مات عشرة أو مات مائة.
الإمام الحسين (عليه السلام) عندما رفع هذا الشعار قال: (إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح) سؤالٌ مهمّ: هل تحقّق الإصلاح أو لم يتحقّق؟! الإمام الحسين (عليه السلام) نفسُهُ عظيمةٌ جدّاً، حاشاه أن يبذلها في قضيّةٍ مظنونة أو مشكوكة، مسألة القتل تهون على أيّ إنسان، يعني الموت هو النتيجة الحتميّة والإنسان ليست لديه مشكلة في أن يُقتل، إن لم يُقتل سوف يموت، لكن عندما يندفع الى القتال وهو هو في هذا المقام ومن أجل هدفٍ هو يريده، وهو يعلم علم اليقين أنّ هذا الهدف لا يتحقّق ببقاء حياته، (لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي) هذا هو الهدف، هل تعلم يا أبا عبدالله أنّك سوف تنتصر وستقتل هذا الجمع؟! الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم أنّه سوف يُقتل يوم العاشر من المحرّم، ومع ذلك بقي هذا الشعار عند الإمام الحسين (عليه السلام)، إذن لابُدّ أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد حقّق الغاية التي جاء من أجلها وهي الإصلاح في أمّة جدّه، وهذه القضيّة -التفتوا- في غاية الأهميّة، عندما يتكلّم شخصٌ في مثل مقام سيّد الشهداء ويُريد أن يحقّق الإصلاح لا يُمكن أن يفشل -والعياذ بالله- بل لابُدّ أن يتحقّق هذا الإصلاح، لماذا؟ تارةً يقول الإمام (عليه السلام) أريد منكم أنتم أن تُصلحوا أنفسكم، ليس من المعلوم أن يتحقّق ذلك، لماذا؟ لأنّ إرادة مثل هؤلاء إرادة ضعيفة وهم قد لا يُصلحون أنفسهم، نبيّ الله نوح (عليه السلام) لبث في قومه ما شاء الله تعالى، ماذا أردا منهم؟ أراد أن يؤمنوا بالله، بالنتيجة لم يؤمنوا وحتّى ولده لم يؤمن، فلا يوجد خللٌ عند نوح (سلام الله عليه) لكن الخلل في قومه، وتارةً نوح يقول: أنا أريد أن أؤمن، نعم.. لابُدّ أن يؤمن، مثل نوح لا يُمكن أن يفشل في دعواه، المطلب لابُدّ أن يكون واضحاً.
الإمام الحسين (عليه السلام) خرج لطلب الإصلاح في أمّة جدّه، أنا ذهبتُ حتى أطلب الإصلاح، طلب الإصلاح لا يُمكن أن يكون في خُطب يوم العاشر من المحرّم فهذا وحده غير كافٍ، نعم.. هو طريق لكن هذا وحده غير كافٍ، ما الذي حصل بعد واقعة الطفّ؟ مسيرة الإصلاح قد بدأت وقاد زمامها الإمام السجّاد (عليه السلام) بشكلٍ قويّ جدّاً، أوّل عقبةٍ حقيقيّة واجهت الإمام السجّاد (عليه السلام) مشكلة الدعاية المضلّلة، أوّل مشكلةٍ واجهت الإمام (عليه السلام) هي أنّ هؤلاء لا يعرفوننا أصلاً، تشبّعت آذانُهم وقلوبُهم وعقولُهم بدينٍ آخر لا يمتّ لدين النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بصلةٍ أصلاً، والماكنةُ الإعلاميّة الشاميّة مع إمكانيّة السلطة والنفاق والمال لعبت دوراً كبيراً في تضليل عامّة الناس، وما أدراك ما الضلال الذي يُصيب المجتمع إذا عامّة الناس ضلّوا؟!! وهذه مشكلة، ففي بعض الحالات الإنسان الواعي الحكيم الخبير لا يستطيع أن يفعل شيئاً مع ضلال الأمّة!
الأمّة ضالّة لا تفهم، يريد أن يتكلّم فلا يعطونه مجالاً، يريد أن يبيّن ولا يعطونه مجالاً، وهذه كانت واضحة في واقعة الطفّ، قالوا: لقد أبرمتنا بكثرة كلامك، وقد تكلّمنا في الجمعة الماضية أنّهم سدّوا آذانهم، هذا الجيل كان أشدّ عندما ذهب الإمام الى الشام، لاحظوا المهمّة الشاقّة أمام الإمام السجّاد (عليه السلام) كيف يواجه هؤلاء؟ وهؤلاء هم مركز القرار الإسلامي! هذا العنوان الكبير! وهم يتربّعون على منبر هو عبارة عن منبر خلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! هذا أشدّ، تارةً هذا منبرُ الروم فليكنْ أمّا هذا منبر النبيّ يبدؤون الخطب بالحمد والثناء والصلاة على النبيّ، وهؤلاء الجمهرة كانت تعتقد أنّ هذا هو الدين الصحيح، إذن من هذا الذي قُتِل في الكوفة؟ خارجيّ من الخوارج خرج على الأمير فأمكن الله الأمير منه!! يعني أنّ هذا الأمير استعان بالله والله تعالى وفّق الأمير حتّى يقتل الحسين (عليه السلام)!! هذه الدعاية وهذا الإعلام في كلّ مكانٍ وزمان، أرجو أن تكونوا -إخواني- في منتهى الدقّة لما أبيّن، هذا الإعلام في كلّ مكانٍ وزمان، كلّ شخصٍ تتقاطع مصالحه مع المُصلِح مع العالِم مع الإمام يبدأ بالإعلام المضادّ، ويسري هذا الإعلام سرياناً عجيباً، تعرفون لماذا؟ لأنّ الإعلام غير المتورّع سهلُ المأخذ، الإنسان يكذب سهلٌ عليه أن يكذب، الإنسان يفتري سهلٌ عليه أن يفتري، الناس أيضاً تحبّ هذه البساطة! فرّ بعضُهم -لعلّه طارق النهدي- من أمير المؤمنين الى معاوية، ومعاوية رحّب به وقال له: فررت من جور عليّ بن أبي طالب؟! قال: لا والله أنا فررت من عدل أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا يتحمّل كلّ أحد عدل عليّ، إخواني الحقّ ثقيل لا يتحمّله كلّ أحد، هؤلاء كانوا في هذه البحبوحة إذا أرادوا أن يكونوا في الحقّ ماذا يفعلون؟ يتركون ما بأيديهم، يتركون الحرام، يبتعدون عن النفاق، يوالون من أراد الله، هذه كلّها تضرّ بمصالحهم، مُلئت بطونهم بالمال الحرام، وجودهم الاجتماعي بالباطل كيف يتركه؟ ماذا يحتاج؟ يحتاج الى قوّة نفسيّة، ويقولون: (الوقاية خيرٌ من العلاج) الإنسان إذا أكل حراماً ثمّ أكل وأكل، بعد ذلك وإن رأى طريق الهداية لكنّه لا يهتدي، وإن رأى وعرف الحقّ.
كما ذكرنا في بعض أمثلة واقعة الطفّ البعض كان يعرف، قال أحدهم: (املأْ ركابي فضّةً أو ذهبا ** إنّي قتلتُ السيّد المحجّبا ** قتلتُ خير الناس أمّاً وأبا) قال: إذا عرفتَه لما قتلتَه؟! هؤلاء يتعاملون مع سيّد الشهداء كأنّه رجلٌ بعيدٌ عن الدين، الرواية التي ينقلها المؤرّخون مع ذلك الشيخ الكبير الذي كان طاعناً بالسنّ عندما دخل الإمام(عليه السلام) الى الشام مع العائلة، كانت عبارته أن قال: الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم.! هذا شيخٌ كان يظنّ أنّه يتقرّب الى الله! الإنسان يحمد الله على نِعَمه، وهذا الشيخ لسان حاله يقول: الحمد لله الذي قتل الحسين والحمد لله الذي نصر الأمير والحمد لله الذي كان مع الحقّ، هكذا كان يعتقد! من الذي أوصل الشيخ الى هذه المعلومة الخاطئة؟!! هذه معضلةٌ أمام الإمام السجّاد(عليه السلام) كيف يتخلّص منها، بدأ الإمام السجّاد(عليه السلام) يستدلّ معه فأعطى من نفسه الشريفة على مرضه على تعبه على انكساره في واقعة الطفّ، أعطى من نفسه الى هذا الشيخ وقال: يا شيخ أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: أقرأت (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)؟ قال الشيخ: بلى. قال له الإمام(عليه السلام): نحن القربى يا شيخ، أنت متوهّم لعبت بك هذه الدعاية لعباً، نتيجة الحوار فبكى الشيخ ورمى عمامته ثمّ رفع رأسه الى السماء وقال: اللهمّ إنّي أبرأ اليك من عدوّ آل محمد(صلّى لله عليه وآله)، حوارٌ لكن ليس كلّ أحدٍ في معزلٍ حتّى يستفسر من الإمام(عليه السلام) ما الذي حصل، بدأ الإمام يواجه هذه المشكلة، التفتوا المشكلة ليست مشكلة صلاة كانت، أتمنّى أن أكون واضح المراد، ليست مشكلة صلاة فالناس تصلّي على طريقتها، بل مشكلة يصلّون لمَنْ؟ ومَنْ علّمهم هذه الصلاة؟ وعندما يؤذّنون يشهدون بأيّ شهادة؟ هذه مشكلة، من هذا الذي يشهدون به بعد الله؟ ما علاقة هؤلاء بالنبيّ وما علاقةُ الجالسين على المنبر بالنبيّ؟ طرفان لا يجتمعان أحدهما تغلّب بالقوّة والآخر تغلّب بمنطق الحقّ، هذا الإصلاح ليس بالقوّة فكم من سلطانٍ وحاكم أوتيت له القوّة بما شاء ففشل فشلاً ذريعاً، لا يفهم نفسه حتّى يصلح الآخرين، والإمام (عليه السلام) مع مرضه ماذا فعل؟ هذه نقطة مهمّة إخواني وسؤال مهمّ ماذا فعل الإمام زين العابدين؟ ربّما تسمعون من على المنابر وما يقرأه الخطباء من قصّة الأربعين ومن جملتهم المرحوم الشيخ عبد الزهرة الكعبي(قدّس الله نفسه الزكيّة) في هذه الأيّام، الإمام(عليه السلام) عندما رأى هذه الحالة والفرح والسرور، بدأ أحد الخطباء بعد أن أوعز له أميره أن اصعد المنبر، فصعد المنبر -الرواية تقول- فبالغ في ذمّ الحسين وأمير المؤمنين(عليهما السلام)، فالإمام(عليه السلام) أمام هذا الجمع صاح به بهذه العبارة، قال: (ويلك أيّها الخاطب! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوّأْ مقعدَك من النار).
أنا أُلفت نظر الإخوة قبل أن أقرأ نصوص الإمام (عليه السلام)، الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حالة الأسر وفي حالة الانكسار الظاهريّ -كما يتصوّرون-، عندما صعد على المنبر لم يكذّبه أحدٌ من الحضور إطلاقاً مع أنّه تكلّم بكلامٍ كبير، لم يجرؤ أحدٌ من الحضور أن يكذّبه لأنّ هؤلاء لا يعلمون ما القضيّة ولا يفهمون شيئاً، ادّعى الإمام (عليه السلام) دعاوى مرتبطة بالله لم يجرؤ هؤلاء حتّى يزيد أن يقول له: إنّك كاذب -والعياذ بالله-، أكثر ما قيل عبيد الله بن زياد عندما حصلت المجادلة: أليس قد قتل الله عليّاً؟! قال: (كان لي أخٌ اسمه عليّ قتله الناس) الله ليست له علاقة بالقتل أنتم قتلتموه، زينب(عليها السلام) تبيّن أنّ هؤلاء قومٌ برزوا الى مضاجعهم، الله تعالى أرادهم في شيءٍ فبرزوا الى مضاجعهم لا توجد خلّة عندنا، الإمام(عليه السلام) قال: أيّها الناس بعد أن استأذن وأذنوا له بعد التي واللتيّا وكانوا يظنّون أنّه لا يُحسن شيئاً، قال: (أيّها الناس أُعطينا ستّـاً وفُضّلنا بسبع...) لاحظوا هذه المقدّمة وهي مقدّمة تجبرهم على الإصغاء، كما نعبّر عنها بـ"حسن المطلع"، من أنتم حتّى يُعطيكم هذا المقدار يُعطيكم الستّة ويفضّلكم بالسبع، لكن الإمام أراد أن يلتفت هؤلاء الغارقون في الدعاية، قال: (...أُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين...) أي مؤمن غير مزوّر يحبّنا، قال: (...وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمداً(صلّى الله عليه وآله) ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله وأسد رسوله ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة...) تتصوّر أنّ هؤلاء يعترضون على ما قال؟! هذه حقائق لا يفهمونها، وهم يعتقدون أنّ هؤلاء الذين تربّعوا على المنبر أقرباء النبيّ، وعندما بيّن الإمام هذا ملَكَ قلوبهم على الأقلّ سيسمعونه، بدلاً من هذه الدعاية المضلّلة.
وقال من جملة ما قال: (أنا ابن المؤيّد بجبرائيل أنا ابن المنصور بميكائيل أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأوّل من أجاب واستجاب لله من المؤمنين وأقدم السابقين...) هذا كلامٌ جديد لأوّل مرّة يسمعونه هؤلاء، إذن من هذا الذي يتكلّم وهو أسير وهو ضعيف والجامعة في عنقه؟!! هذا تبيّن أنّ الخير كلّ الخير عنده، إذن من هذا الذي ضحك علينا سنين ويزعم أنّ الإمرة له؟! فعندما حدثت بلبلة -ومن حقّ البلبلة أن تحدث- ماذا يقول هذا؟ لماذا لا يجرؤ أحد أن يكذّبه ويقول له: انزل لست كما تقول. لم يجرؤ أحد عليه، كيف أنزلوا الإمام استعملوا خديعةً أخرى، قالوا للمؤذّن: أذّن وهو عاملٌ عندهم يؤذّن قبل الوقت أو بعد الوقت غير مهمّ، المهمّ اقطعْ كلامه، وعندما أذّن ووصل الى الشهادة الثانية قال الإمام (عليه السلام) بعبارته التي انتصر بها أيضاً قال -وأنا أنزّه المنبر عن ذكر اسمه طبعاً-: (يا فلان محمد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإن زعمت وقلت بأنّه جدّي فلم قتلتَ عترتَه) لأنّ البطاقة الشخصيّة معروفه فلان بن فلان بن فلان...، الشاهد الذي أريد أن أوجز الكلام فيه هو أنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) كان أمام مشكلة في غاية الأهمّية، ألا وهي مشكلة العقول والنفوس التي لم يُتَحْ لها المجال أن تفكّر وإنّما ضلّلتها هذه الدعاية بشكلٍ كبير، فحاول أن يوجد شيئاً آخر ليرفع هذه الغشاوة عنهم، طبعاً من كان حرّاً وملبساً عن الأمر استفاد ومن كان طالب دنيا لا.. بدأ يؤوّل، وهذه السنّة ما زالت موجودة، الدعاية لأهل الباطل على أهل الحقّ كثيرة وكثيرة، ولا تتصوّروا أن يأتي يوم ويخفّ أهل الباطل عن هذا الأسلوب، هذا الأسلوب قديماً وحديثاً كلّما تعارضت المصالح زادت الدعاية على أهل الحقّ، وعلى الناس أن تفهم، على الناس أن تميّز، هذه مشكلة الناس، وقطعاً في يوم عاشوراء لو كان الناس غير الناس لما كان الذي كان.
*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة يوم الجمعة 05/10/2018 بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)