الشهادة الثالثة في الصلاة.. هل عدم ذكرها يعني وجود نقص في الولاية؟!

الشيخ حيدر السندي
زيارات:2527
مشاركة
A+ A A-
لم يكن تعليقي على ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة لغرض بيان الرأي الفقهي الذي انتهي إليه من جهة جواز ذكرها أو عدم الجواز ، فإن على عامة المكلفين الرجوع إلى مراجعهم الذين يرون فتواهم حجة فيما  بينهم وبين الله تعالى ، ولا لوم عليهم فيما إذا لم يقصروا في تعيين المرجع ، وأخد رأيه،  والعمل به بقطع النظر عن نتيجة رأيه ، وهل هي الجواز أم عدم الجواز ، كما أن من يحتاط مرجعه يجوز له أن يرجع إلى غيره ممن يجيز ، مع مراعاة ضوابط التقليد والرجوع ، بل و يجوز أن يرجع من يفتي مرجعه بعدم الجواز إذا كان من يفتي بالجواز يساويه أو لا يوجد تفاوت في الأعلمية يوجب صرف الريب إلى فتوى من يجيز ، على ما هو مبين في محله .

والحاصل: ليس غرضي البحث الفقهي بعرض الرأي المختار و أدلته، فهذا شأن المعاهد العلمية التخصصية، وشغل الفقيه مع المتخصصين ، لا الخطيب مع عامة الناس ، الذين هم بحاجة إلى طوي مراحل كثيرة لبلوغ مرحلة الاستيعاب ، والقدرة على الترجيح .

الغرض الحقيقي من طرح المسألة

وإنما الغرض هو بيان اشتباه من ظن أن مسألة (جواز ذكر الشهادة في الصلاة ) هي مسألة الولاية و الإيمان بها  ، و أن من يقول بعدم جواز ذكر الشهادة في الصلاة يُنتقص الولاية ، و عقيدته ناقصة ، و أن من قال بالجواز هو أكمل عقيدة ، و أكثر عناية بالإمامة ، فإن هذا - كما ذكر - اشتباه كبير ، وواضح الخلل عند  من يملك أدوات العلم و البحث ، فلا الشهادة الثالثة  هي الإمامة والولاية ، و لا هي الاعتقاد بالإمامة والولاية ، فإن الولاية و الإمامة منصب للإمام عليّ ( عليه السلام ) ثابت من الله ، حتى لو  لم يؤمن بالولاية أحد ، و الاعتقاد بالولاية أمر قلبي وفعل جوانحي ، متحقق حتى للأخرس والمشلول الذي لا يمكنه أن يبرز إيمانه و اعتقاده بأي مبرز ، و أما الشهادة الثالثة فهي إبراز الاعتقاد القلبي بالولاية و الإمامة باللفظ أو ما يقوم مقامه ، وإذا قيل ( هل تجوز الشهادة الثالثة في الصلاة أم لا ؟) و اختلفت الاجوبة ، فقيل بالجواز مع الاستحباب أو عدم الجواز ، فليس البحث عن الولاية نفسها ؛ لأنها فعل الله،  فهو من جعلها ، وليست فعل العبد ، كالأكل ، والشرب ، والقيام ، والقعود،  ليبحث عن جواز أن يأتي به  ، كما إن السؤال ليس عن الاعتقاد القلبي ؛ لأنه فعل القلب الباطني ولا شك في وجوبه عند كل الشيعة ،  ومن قال بعدم جواز ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ذكر أن الاعتقاد  من أركان الإيمان ، و شرط في صحة العمل أو قبوله على الخلاف بين الفقهاء .

الشهادة الثالثة فعل جوارحي

إذن البحث أين ، وفي أي شيء؟

الجواب: في عمل  جوارحيّ ،  وهو ( إبراز الاقرار و الاعتقاد بالولاية  لسانيّاً ) ، وهذا الفعل كسائر افعال الإنسان ليس عقيدة ، ولا من أصول الدين ، ومحل بحثه الفقه المعني ببيان حكم الافعال ، ومنها ذكر الشهادة الثالثة خارج الصلاة وفي الصلاة .

وقد يكون المرء في عقيدته أضعف من غيره ، بل قد يكون شاكاً في الولاية قلبيّاً ، ولكن ينتهي بحسب البحث الفقهي إلى جواز ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ، أو الوجوب ، وقد يكون قويّ العقيدة ، و يؤمن بمقامات عالية لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، و ينتهي في البحث الفقهي إلى أنهم ( عليهم السلام ) نهوا عن ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة،  فيتعبد بقولهم حسب فهمه و اجتهاده، فإن العقيدة والمعارف علم له مسائله و أدلته ، والفقه الذي هو مسائل شرعية اعتبارية علم آخر له مسائله و أدلته ، ولا ينبغي الخلط ، و دمج الفقه في العقيدة ، و جعل التلفظ المبرز للاعتقاد عين الاعتقاد بالولاية أو الولاية نفسها ، ولهذا ذكرت في محاضرتي أن من مسائل الفقه (عدم جواز افتتاح الصلاة بغير تكبيرة الاحرام ، وعدم جواز الاحرام للحج أو العمرة بغير التلبية)  ، و لا يجوز أن نتهجم على من حكم بعدم جواز افتتاح الصلاة أو الحج أو العمرة بالشهادة الثالثة  - وهو جميع العلماء - و نتهمه بنقصان العقيدة أو عدم العناية بالولاية ، فهذا من خبط الأعمى ، و نتائج الجهل وعدم التحصيل .

ومن لم يدرس في الحوزات العلمية ، ويقف على أدوات البحث الاحترافية ، لا يمكن أن يحسن ، ويكون قادراً على بيان الحق ، أو نشر فضائل أهل البيت ( عليهم السلام) الثابتة عنهم بطرق معتبرة ، و إنما سيكون ناشراً لما يتوهم أنه الحق ، و ناقلاً لكل ما يقع في يده ، و ينسب إليهم ( عليهم السلام ) ، دون تدبر و تمعن ، وقد رُوي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (إن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلا بعداً من حاجته. والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع) ، ونحن على هذا القول نسير ونقول للجاهل غير الدارس : أولاً تعلم ثم تكلم، ولا يمكن أن نعتمد على قولك أنت في حق نفسك بأنك تروج معارف أهل البيت ( عليهم السلام).

كما ذكرت سابقاً لست في مقام تحقيق المسألة فقهيّاً ، ووظيفة كل مؤمن غير مجتهد الرجوع إلى الفقيه المأمون ، وعلى غير المتخصص ألا يتعامل مع ما لا يحسن  ، وهو ممارسة عملية الاستدلال في غير دائرة تخصصه  ، ولكن ليقف القاريء الكريم على خطر التعامل مع الأدلة  بلا بصيرة ، و أنه لن ينتهي إلى نتيجة مقبولة أذكر تعليقاً مختصراً مبسّطاً  على الاستدلال بالرواية المنسوبة إلى  الإمام  الرضا ( عليه السلام) في السؤال ، وذلك في جهتين:

عدم اعتبار كتاب الفقه الرضوي

الجهة الأولى : في  سند الرواية .

فقد وردت الرواية في  كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا ( عليه السلام ) ص ١٠٨  ونصها : (فإذا صليت الركعة الرابعة فقل في تشهدك: بسم الله وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، التحيات لله، والصلوات الطيبات الزاكيات، الغاديات الرائحات، التامات  الناعمات، المباركات الصالحات لله، ما طاب وزكا، وطهر ونما، وخلص فلله، وما خبث فلغير الله. أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن عليا. نعم المولى، وأن الجنة حق، والنار حق، والموت حق، والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور . الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ) .

وفي كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام) مشاكل تمنع من صحة نسبته إليه (عليه السلام ) ذكرها الباحثون في علم النسخ ، ومنها :

المشكلة الأولى: الكتاب لا سند له ، فهو من تاريخ تأليفه وهو زمن الإمام الرضا ( عليه السلام) لم يكن موجوداً ومذكوراً عند تلامذته ، والرواة عنه  ، و المصنفين في الفهارس ، ولكن وجد بعد ألف عام حيث ذكر العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في البحار أن والده أخذه عن السيد أمير حسين ( رحمه الله ) ، و السيد أمير حسين تحصل عليه في مكة المكرمة ، حيث جاء به جماعة من قم ، أتوا حاجين ، والسيد المذكور أخذه و صححه بعد أن حصل له العلم بأنه للإمام ( عليه السلام ) .

السؤال : كيف يحتمل أن يكون كتاب للإمام الرضا ( عليه السلام) وهو ولي العهد ، و شيعته في زمانه في راحة ، وليست عليهم تلك الرقابة الموجودة في زمن والده و جده و أولاده ، ولا يكون مشهوراً معروفاً و متداولاً ومحط عناية الشيعة في زمانه ( عليه السلام) والقرون المتلاحقة كزمن أصحاب الكتب الاربعة ومن بعدهم ؟

إذا كيف يكون كتاب بقلم الإمام ( عليه السلام ) وبخطه ، ومع ذلك لا يكون مشهوراً ومحط عناية الشيعة عبر جميع القرون ، و يكون غيره من الكتب التي بيد علماء الشيعة أشهر منه و أكثر عناية و اهتمام ؟!

المشكلة الثانية :  أنه مشتمل على الرواية عن أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) وتلاميذه كابن أبي عمير  و محمد بن اسماعيل ، وذكر طرق إلى الأئمة السابقين  أو عنوان ( روي أو نروي  ) كثيراً ، وهذا غير معهود بكثرة في روايات أهل البيت ( عليهم السلام) ، المعصومين الذين يتوارثون العلم وهم أعلم كلام بعضهم ، وكلامهم حجة بلا سند .

     نعم ، قد يرد عن المعصوم ذكر ورود روايات عن السابقين لغرض كتدريب الراوي على كيفية التعامل مع الروايات المختلفة وكيفية الجمع ، ولكن أن يكون منهجه  منهج المحدثين من ذكر أنه يروي،  وذكر السند فهذا غير معهود.

المشكلة الثالثة : اشتماله على مخالفات كثيرة لثوابت المذهب المروية عن أهل البيت ( عليهم السلام) ومنها :

     ١/  التخيير في الوضوء بين مسح الرجلين و غسلها .

     ٢/ جواز الصلاة في جلد الميتة المدبوغ.

     ٣/  تحديد الكر بأنه ما رمي  فيه حجر ، فلم يصل تدافع الماء إلى اطرافه.

     ٤/ جواز الشهادة لرجل مؤمن عنده شاهد واحد له بلا علم  .

     ٥/ جواز قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة .

     ٦/ أن المعوذتين رقية وليستا من القرآن.

     ٧/ حرمة نكاح المتعة في الحضر ، و أنه جائز في ظرف الضرورة للمسافر .

و أحكام أخرى يعلم بعدم صدورها عن الإمام الرضا ( عليه السلام)، وهذا بعد ما نقله صاحب البحار من قيام السيد أمير حسين  بتصحيح النسخة الواصلة إليه، والموجود  بما فيه من الاخطاء بعد التصحيح .

و نحن لا نمنع وجود بعض المضامين الصحيحة فيه والموافقة لروايات مروية  في كتب بعض الأصحاب و فتاوى موجودة في كتبهم ، غير أن الصحيح عدم وجود سند معتبر ووثوق بصحة النسبة إلى الإمام ( عليه السلام) ، فلابد  أن نتعامل مع الروايات التي لا نعلم بكذبها  ولا صدقها معاملة المرسل الذي لا حجية له ، فلا نستند إليه بلا علم و تحقق ، فهذا ليس من المنهج العلمي في شيء، وبهذا يعرف الحكم على رواية التشهد ، فلا يمكن الاستدلال بها والاعتماد عليها لفقدها الاعتبار السندي، كما لابد من ملاحظة  روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) المعتبرة في ذلك ، ثم القيام بعملية الاستنباط .

وللتنبيه أذكر أن تعرضنا هنا للفقه المنسوب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام) بنحو مبسّط غير مبسوط ، وذلك لأن البحث فيه جهات تخصصية أحببت فقط أن يطلع القارئ الكريم على بعضها ، وهي التي أوجبت تضعيف جملة من العلماء للكتاب  ، ونسبة  بعضهم له إلى غير الإمام ( عليه السلام ) ، كالشلمغاني ،  و والد الشيخ الصدوق ( رحمه الله ).

عدم صحة الاستدلال برواية الفقه الرضوي في محل الخلاف

الجهة الثانية : في الدلالة .

ولو سلمنا صحة رواية الفقه الرضوي مع ذلك لا يمكن الاستدلال بها لإثبات جواز ذكر الشهادة الثالثة بنحو مطلق ، حتى المختلف فيه ، وبيان ذلك :

هو أن لذكر الشهادة الثالثة في الصلاة نحوين:

النحو الأول : أن يكون في مقام خطاب الله تعالى  دعاء أو ما هو من شؤون الدعاء كالتوسّل أو مع تعقب طلب وهو الصلاة على النبي و آله ، كما إذا قال المصلي توسلاً بالعمل الصالح والعقيدة الحقة ( يا إلهي إني   أشهد لعلي بالولاية و اتبعه فصل على محمد و آله  ).

النحو الثاني : أن لا يكون في مقام خطاب الله أو الطلب منه ، كما هو في صيغة التشهد الصلاتي ( أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله ) ، ثم قول ( و أشهد أن علياً أمير المؤمنين ) ، فهنا ليس الخطاب لله تعالى ، و إنما مجرد تشهد.

والنحو الأول هو الوارد في الفقه الرضوي، فبعد ذكر التشهد الواجب غير المشتمل على خطاب وجه المصلي كلامه إلى الله ، ثم طلب الصلاة ،  فقال :  ( أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن عليا. نعم المولى، وأن الجنة حق، والنار حق، والموت حق، والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور . الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، و بالتالي لا يمكن الاستدلال بالرواية لو  صحت على مطلق جواز ذكر الشهادة الثالثة ، و إنما ذكرها في خطاب الله مع تعقب الطلب ، و قد ذكر بعض الفقهاء أن قول المصلي ( آه من ذنوبي) إذا كان شكاية لله تعالى في مقام خطابه وطلب المغفرة لا يبطل ، و أما إذا لم يكن كذلك يبطل .

والحاصل: هو أن الرواية لو  صحت  لما  دلت على جواز ذكر الشهادة الثالثة مطلقاً ، و إنما في مقام خطاب الله تعالى خاصة ، أي فيما يصدق عليه الدعاء عرفاً ، ولكنها غير صحيحة ، ولا ينبغي جعلها دليلاً على الجواز .

أخي الكريم غفر الله لك

بخصوص الإساءة إليً

أنا أغفر لجميع المؤمنين الذين تهجموا على شخصي ، و أقول لنفسي قبل غيري : لا ينبغي أن نجعل الاختلافات في الآراء  بيننا سبباً للخلافات الشخصية ، فإن حقوق المؤمن لا تسقط بمجرد الخلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية ، و إنما ينبغي أن نوجه الجاهل و نبين له الخطأ الواقع فيه ، لكي يستكمل و يزول جهله ، و إذا كانت ردة فعله غير مناسبة ، فشخصياً من باب تقدير اعتقاده بالولاية وتعظيماً للإمامة التي يدين المتهجم عليّ ،  وهي من أصول الإيمان و أركان الدين ؛ أتجاوز عنه و أعفو  ، بل  أرجو من الله له البصيرة،  وكل خير بجاه السادات عليهم السلام .

هامش: المقال رداً على سؤال: شيخنا الجليل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تحدثتم في ليلة من ليالي محرم حول ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ، وقد صار هذا سبباً لردود أفعال  مختلفة، و بعضها ينطوي على تهجم على شخصك،  واستدلال يعتمد على رواية عن الإمام الرضا ( عليه السلام ذكر فيها الشهادة الثالثة في التشهد ، فما هو ردك على ذلك؟
مواضيع مختارة