الذي يبدو لي في مسألة (حضور سيدتنا الصديقة عليها السلام في مآتم سيد الشهداء عليه السلام) أن محورها الرئيس هو تحديد المقصود من الحضور، فإذا حملناه على (الحضور الإشرافي) – بمعنى أنها ”عليها السلام” تشرف على المجالس الشريفة، وتحيط خبراً بجزئياتها – سهل إثبات ذلك.
ويكفينا لإثباته قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) بضميمة ما ورد في تفسير (المؤمنون) بالعترة الطاهرة عليهم السلام؛ فإن هذا وحده كافٍ لإثبات الحضور الإشرافي للصديقة الطاهرة ” عليها السلام ” في المجالس الحسينية المباركة.
ويمكن أن يُستأنس لذلك بما ورد في أكثر من خبر من كون البكاء على سيد الشهداء ” عليه السلام ” إسعاداً لأمه الصديقة ” عليها السلام ”، نظير خبر كامل الزيارات عن الإمام الصادق ” عليه السلام ” قال: (وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة ” عليها السلام ” وأسعدها عليه) بتقريب: أنّ إسعاد المُسعِد لا يتم إلا مع علم المُسعَد واطّلاعه.
أضف إلى ذلك، فإنّ هناك خبراً – أو خبرين – قد ورد في بعض كتب المقاتل المتأخرة، ومنها: (ثمرات الأعواد) للعلامة الخطيب السيد علي الهاشمي رحمه الله، حيث قال في الصفحة 31: (رُوي: أن فضيل صنع مأتماً للحسين ” عليه السلام ” ولم يخبر إمامنا الصادق ” عليه السلام ” فلما كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه فقال له: يا فضيل أين كنت البارحة ؟ قال: سيدي كنت في شغل عاقني، فقال: يا فضيل لا تخفي علَيّ، أما صنعت مأتماً وأقمت بدارك العزاء في مصاب جدي الحسين ؟ فقال: بلى سيدي، فقال ” عليه السلام ”: وأنا كنت حاضراً، فقال: سيدي ما رأيتك، أين كنت جالساً ؟ فقال: لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب ؟ قلت: بلى سيدي، قال: أنا كنت جالساً هناك، فقلت: ولم سيدي جلست بالباب، وما تصدرت المجلس ؟ فقال: كانت جدتي فاطمة عليها السلام جالسة بصدر المجلس، فما تصدرت إجلالاً لها).
وتُحمل مثل هذه الأخبار على حضورها (عليها السلام) بوجودها النوري، وهو مما لا يتمانع مع حضورها الإشرافي كما هو ظاهر.