قال الامام الحسين (عليه السلام) :(إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)([1]).
انطلاقا من الكلمات العظيمة التي صدح بها الحسين بن علي (عليهما السلام) نتحدث هنا في محورين:
المحور الأول: الأهداف الحسينية
المحور الثاني: دور الأمة اتجاه حركة الحسين عليه السلام
المحور الأول: الأهداف الحسينية
ما هي الأهداف التي رسمها الامام الحسين (عليه السلام) لثورته وحركته التغييرية؟
إن هناك مجموعة من الأهداف خطط لها ورسمها الامام الحسين (عليه السلام) بحركته وجهاده وتضحيته:
الهدف الأول: حفظ العزة للدين الاسلامي
رأى الحسين عليه السلام أن في بيعة يزيد ابن معاوية اذلالا للإسلام واذلالا للدين وقد عبر عن هذا الموقف بقوله (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله) ([2])، وعبر عن هذا الموقف بقوله: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) ([3]).
فقد كان الامام الحسين (عليه السلام) مجسدا لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)([4])، حفظ للدين عزته وللإيمان شموخه وللإسلام سموه وعلو شأنه برفضه بيعة يزيد بن معاوية مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال.
الهدف الثاني: تحريك ارادة الأمة
إن الأمة في زمن معاوية ماتت ارادتها وخمد ضميرها واستسلمت للواقع الأموي فأراد الحسين (عليه السلام) أن يعيد لها نشاطها وضميرها الذي قد خمد، وأن يحرك ارادتها نحو المطالبة بحقوقها، ولم يجد طريقا لتحريكها وبعثها من نومها ورقدتها إلا بإراقة دمه الطاهر، رأى أن دمه الطاهر هو أغلى دم في تلك الفترة وأنه اذا أريق هذا الدم سيتحرك ضمير الأمة وستتجدد أرادتها وستشعر الأمة بأنها أمة خانعة خاضعة لسياسة أموية باطشة، فكان كما خطط له الحسين ابن علي (عليهما السلام) حيث قال : (ألا وإنّي زاحفٌ بهذهِ الأُسرةِ معَ قِلَّةِ العددِ وخُذلةِ الناصر، ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسُ، حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ الرَّحى وتقلقَ بكُمْ قلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ جدِّي. فأَجْمِعُوا أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرون، إنّي توكَّلْتُ على اللهِ ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ بناصِيتِها، إنَّ ربّي على صراطٍ مستقيْم.)([5]).
وفعلا نرى أن الامام الحسين (عليه السلام) قُتل لكن الحركة تجددت في ارادة الأمة، فكانت حركة التوابين وكانت حركة المختار وكانت حركة زيد بن علي وكانت حركة الحسين ابن علي صاحب وقعة فخ، فتوالت الثورات والحركات امتدادا لصوت الحسين عليه السلام امتدادا لحركته وامتدادا لإرادته، فالحسين عليه السلام حقق هدفه من خلال دمه من خلال جهاده عندما حرك ضمير الأمة وبعث ارادتها من جديد.
الهدف الثالث: اعادة الدور الرسالي للمرأة المسلمة
المرأة المسلمة منذ عهد خديجة بنت خويلد ومنذ عهد فاطمة الزهراء عليها السلام انتهى دور المرأة المسلمة ولم يعد لها دور رسالي بارز على مستوى الأمة ومستوى يقظتها ومستوى رسالتها ومستوى وعيها، فأراد الحسين عليه السلام أن يعيد دور المرأة لكي تشارك في احياء الأمة الاسلامية فاصطحب النساء، وما اصطحب النساء لأجل بكاء أو مظلومية بل ليعيد للمرأة دورها الرسالي والحركي وموقعها في النهوض بالدين الاسلامي.
وفعلا كما خطط الحسين عليه السلام فإن زينب وأم كلثوم وسكينة عليهم السلام قمن بدور عظيم في دعم ثورة الحسين عليه السلام ، فلولا صوت زينب وبلاغتها ووعيها بالمسؤولية لماتت ثورة الحسين عليه السلام وخمدت حركته، ولكن العقيلة زينب عليها السلام بوعيها لأهداف الثورة وبلاغة منطقها وقوة حجتها وشموخها بتجسيدها لصبر أبيها المرتضى وارادة أمها الزهراء وعبادة جدها المصطفى صلوات الله عليهم فقد فضحت خطط الأمويين ومكائدهم وواجهتهم مواجهة علنية دامية الى أن حركت الضمائر وحركت الإرادة وقالت ليزيد بن معاوية : (أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في أسار، نساق إليك سوقا في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا؟! وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك؟!! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك([6]) .. حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ([7]) والأمور لديك متسقة([8]) وحين صفا لك ملكنا، وخلص لك سلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله عز وجل : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)([9]).... كد كيدك، واجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يرحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المنادي ألا لعن الله الظالم العادي..)([10]).
الهدف الرابع: نشر مظلومية أهل البيت عليهم السلام
هنالك مجموعة من الروايات الواردة عن اهل البيت ع تؤكد ذلك، فالإمام الرضا ع يقول: (يا بن شبيب ، إن كنت باكيا لشيء ، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام).... إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء)[11].
والإمام الصادق ع يستقبل السيد الحميري لرثاء الامام الحسين ع ، كما استقبل الامام الرضا ع دعبل الخزاعي، وهذا التوجيه من اهل البيت ع في حث الأمة على البكاء على الحسين ع يحكي عن هدف من أهداف الامام الحسين ع ، فقد أراد الامام الحسين ع بيان ونشر مظلومية عترة رسول الله ص ، وأراد أن يبقى جرحه نازفا ويُذكر الأمة بمظلوميته جيلا بعد جيل ليكون محركا لهم ضد كل ظلم وطغيان.. وهذا المعنى المشار اليه في قول النبي ص المنقول عن الامام الصادق ع : (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا)([12]).
الهدف الخامس: حركة الاصلاح
هناك مشروعان متعاكسان: المشروع المحمدي والمشروع الأموي، وقد أدرك الامام الحسين ع أن عهد معاوية جسد المشروع الأموي بكل وضوح إذ حول - بفترة حكمه - من دولة محمدية الى دولة أموية، فقد حققت الدولة الأموية تغييرا فكريا وسلوكيا على مستوى الأمة، فأما التغيير الفكري فبمجرد تقصي الروايات المدسوسة والمختلقة نجد أن أغلبها قد وضعت في زمن الدولة الأموية.
فأغلب الأحاديث التي تجسد الله (سبحانه وتعالى) - إذ تقول رواياتهم الموضوعة أن لله يدا ورجلا وأنه ينزل كل ليلة جمعة - كلها نجدها قد وُضعت في زمن الدولة الأموية، وكذا الروايات التي تشوه صورة النبي ص ، من قبيل يبول واقفا، وحاول الانتحار ، وقتل عصماء... كل هذه الموضوعات في أيام الأمويين، كذلك فكرة عدول كل الصحابة، وكذا حرمة الخروج على السلطان الجائر...
وأما على المستوى السلوكي فقد انتشرت الرشاوى لدى القضاة في أيام بني أمية، وكذا قتل الصحابة في أيامهم كقتل رشيد الهجري وكميل ابن زياد وحجر ابن عدي وأصحابه...
وقد أستُغل الضعفاء، وقدمت قريش على غيرها وقدم العرب على غيرهم، كل ذلك حدث في زمن بني أمية.
فالمشروع الأموي أراد محو المشروع المحمدي على المستوين الفكري والسلوكي، فواجه الامام الحسين عليه السلام هذا الانحراف بقوة وقد بين هذه المواجهة بقوله: (إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما؛ وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..)، وعليه فالإمام الحسين ع لو قيل له لن تقتل وستبقى آمنا؛ كان سيخرج على الدولة الأموية، بل حتى لو لم يحصل على أنصار كان سيخرج على كل حال، لأن له هدفا ساميا وهو مواجهة المشروع الأموي مهما كلفت الظروف لإحياء المشروع المحمدي.
المحور الثاني: دور الأمة اتجاه حركة الحسين عليه السلام
هناك عدة أدوار تقع على عاتق الأمة تجاه حركة الإمام الحسين عليه السلام:
الأول: الدور الإعلامي
مازال الدور الاعلامي تجاه حركة الامام الحسين عليه السلام دورا عاطفيا على مستوى الفضائيات والشعائر والاحتفالات. فهي تحقق دورا عاطفيا، نعم نحن بحاجة لهذا الدور والى زخمه وآثاره، ولكننا نتطلع الى تحقق بقية الأدوار كالفكر والأهداف ومثل الحسين ع ، فنحن معنيون بأن نحول الفكر الحسيني الى فكر جامعي يغزو جامعات العالم، نحول الفكر الحسيني الى مبادئ تُدرس في الجامعات، والى شعارات انسانية يهتف بها الجميع، فالحسين ع مصلح انساني ورائد حركة تغييرية انسانية، فلا نخنق هذا الفكر العظيم في الاطار المذهبي، فالحسين ع لكل الانسانية فلابد أن نبرز الفكر الحسيني لجميع البشرية، يوجد من المؤمنين مَنْ يملك الأموال والعقول والمؤسسات.. ولهم القدرة على تحويل الفكر الحسيني الى دروس انسانية تُدرس في جامعات العالم بنشرهم ذلك بمختلف اللغات والثقافات والوسائل.. حتى يصل صوت الحسين ع الى جميع أحرار العالم.
الثاني: الدور التربوي
لابد أن نربي أبنائنا على المثل الحسينية، فالحسين ع جسد الاسلام تجسيدا عمليا فلابد ان نربي أجيالنا على صبر الحسين عليه السلام وعطائه وتضحيته... ليفهموا الاسلام فهما عمليا تطبيقيا ينسجم مع المنهج الحسيني والأهداف الحسينية.
الثالث: الدور السلوكي:
إن الحسين عليه السلام قدم وأعطى لمبادئ الاسلام وقيمه ما قدم، فماذا قدمنا نحن؟
علينا أن نبذل كما علمنا الحسين ع البذل من أجل المبادئ علينا ان نقدم كما علمنا الحسين عليه السلام، بذل الجهد والأموال والوقت.... في كل مشروع ديني وثقافي واجتماعي وخيري، ككفالة الأيتام ومساعدة الفقراء... كل ذلك يصب في أهداف الحسين عليه السلام.
الرابع: تعليم ثقافة الانتظار
نحن نعلم أن حركة الامام المهدي ع هي امتداد لحركة الامام الحسين ع ، لذا فالإمام المهدي ع وقت ظهوره يرفع راية كتب عليها يا لثارات الحسين ع ، فما هي ثارات الحسين ع ؟
إن ثارات الحسين ع هي تحقيق أهداف الحسين ع ومبادئه، ففي الزيارة (السلام عليك يا ثار الله وابن ثأره) ثار الله أي تحقيق مبادئ السماء، ليس ثأر الامام الحسين ع ثأرا انتقاميا أو عشائريا أو دمويا؛ بل هو عبارة عن تطبيق مبادئ السماء الكامنة في المشروع المحمدي في جميع أرجاء المعمورة.
*تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي
[1] بحار الأنوار: ج44 ص329 .
[2] بحار الأنوار: ج44 ص325 .
[3] كتاب اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص59 .
[4] المنافقين: 8 .
[5] كتاب اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص59 .
[6] نظر في عطفه: أي أخذه العجب .
[7] مستوسقة: أي مجتمعة .
[8] متسقة: أي مستوية .
[9] آل عمران: 178 .
[10] كتاب الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص35 .
[11] أمالي الصدوق: 190 .
[12] مستدرك الوسائل: ج10 ص318 .