المراهق المصاب بالاكتئاب يعاني من تدني النظرة للذات وعدم احترامه لنفسه low self-esteem. وتكمن المشكلة الأساسية في أن النقد السلبي والعبارات التي تلقي باللوم عليه ترسخ هذه النظرة المتدنية، وتضاعف من اكتئابه.
وفي الأغلب يعتقد الآباء أن النقد ربما يدفع المراهق إلى التفوق والتقدم أو يساعده على العدول عن سلوك معين وتقويمه. وبطبيعة الحال لا يستطيع الآباء في معظم الأحيان معرفة أن المراهق مصاب بالمرض؛ لأن التشخيص معقد، ويحتاج إلى استشارة طبية متخصصة، ويكفي أن نعرف أن عدد مصابي مرض الاكتئاب حول العالم 280 مليون شخص على وجه التقريب.
يُعد الاكتئاب من أكثر الأمراض التي تصيب المراهقين، وتؤثر بالسلب في صحتهم النفسية ونموهم العاطفي والإدراكي، وهناك مناطق عدة في المخ تتأثر بالحالة النفسية.
وعلى سبيل المثال، هناك أماكن في القشرة المخية anterior insula تظهر نشاطاً عصبياً كبيراً neural reactivity بوصفه نوعاً من الاستجابة للكلام السلبي والنقد في المرضى المصابين بالاكتئاب سواء كانوا بالغين أم مراهقين.
وأوضح العلماء أن النشاط العصبي في القشرة المخية كاستجابة للكلام الجارح يكون له تأثير أقل في المراهقين الأصحاء. وبالنسبة للمصابين بالاكتئاب يكون أكثر؛ لأن النظرة السلبية للذات عند المراهق تضاعف من هذا التأثير؛ لأنه أكثر حساسية للرفض من الآخرين.
يلعب الاكتئاب دوراً خطيراً في حدوث ما يسمى بالتحيزات السلبية negative biases في مخ المراهق. ويعني التحيز السلبي تذكُر الكلام الجارح بشكل دقيق، وتذكُر تعبير الوجوه الحزينة بشكل أكثر دقة من الآخرين.
ويؤثر هذا الأمر بالسلب في العملية المعرفية بشكل كامل، مثل الانتباه والذاكرة والقدرة على التفكير بوضوح والتفاعل؛ ولذلك يمكن أن تتسبب كلمة بسيطة من الآباء في مشكلة كبيرة للمراهق خصوصاً لو كانت لا تتفق مع قناعاته الفكرية؛ مثل آراء الآباء في ملابس المراهقين، أو تسريحات الشعر، أو أصدقائهم.
جلسات تقييم نفسيقام الباحثون بإجراء التجربة على مراهقين من هولندا تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، وكان منهم أصحاء تماماً ـ وكان ثلث العينة من المراهقين المصابين بالاكتئاب وفق التشخيصات النفسية وأيضاً أهاليهم. وقد اختيروا من خلال عيادات الصحة النفسية وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. وشاركت هذه العائلات جميعها في إجراء تحاليل معينة واختبارات نفسية لتقييم الحالة لكل مراهق لمدة 14 يوماً، ثم قاموا بعمل الرنين المغناطيسي (MRI) للمخ لجميع المشاركين لتسجيل النشاط العصبي وقت التقييم.
وخلال جلسة التقييم النفسي في المختبر قام المراهقون وأولياء أمورهم بتقييم 49 كلمة مختلفة بشكل يتدرج من سلبية للغاية إلى محايدة إلى إيجابية للغاية، وصُنفت هذه الكلمات أيضاً على أساس إمكانية قابليتها للتطبيق على شخصية كل مراهق، وقاموا بإعطاء درجات من 1 إلى 5 تبعاً لمدى انطباقها على شخصيته، حيث تشير درجة واحدة إلى (لا تنطبق على الإطلاق)، بينما تكون الخمس درجات (قابلة للتطبيق إلى حد كبير).
وبعد سماع كل كلمة تقييم من الآباء قام المراهقون بتقييم مزاجهم وحالتهم النفسية الحالية بدرجات من (1 إلى 7)، حيث تشير درجة (1) إلى سلبي جداً، وتشير درجة (7) إلى إيجابي جداً، وذلك خلال جلسة التصوير بالرنين المغناطيسي. وقبل وبعد هذه التقييمات والأسئلة قام الباحثون برصد تصور المراهقين عن ذواتهم من خلال قياسات معينة في الحزن والبهجة والاسترخاء.
وأوضحت الدراسة أن المراهقين المصابين بالاكتئاب الذين تلقوا انتقادات قاسية من الوالدين أظهروا نشاطاً كبيراً في قشرة المخ الأمامية في وقت سماع التوبيخ. ومن المعروف أن هذه المنطقة مسؤولة عن القدرات المعرفية والإبداعية والتفاعل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يؤثر بالضرورة في العملية التعليمية في المدرسة.
ارتبط تلقي كلمات التقدير والثناء من الأبوين بانخفاض النشاط العصبي في الجزء المسؤول عن الإبصار في القشرة المخية في المراهقين المصابين بالاكتئاب بالمقارنة بأقرانهم الأصحاء. وفي المقابل تحسن المزاج والحالة النفسية في كلتا المجموعتين من المصابين والأصحاء، حينما كان الثناء أكثر قابلية للتطبيق، وهو ما يشير إلى أهمية أن يكون التحفيز له مصداقية معينة، ويعتمد على قدرات المراهق الحقيقية دون مبالغة؛ ما يؤدي إلى إمكانية تحقيقه؛ لأن التحفيز غير القابل للتطبيق يمكن أن يتسبب في خيبة أمل للمراهق، ويأتي بنتيجة عكسية. ولاحظ الباحثون أيضاً أن آباء المراهقين المكتئبين ينظرون إلى أطفالهم بشكل أقل إيجابية مما ينعكس عليهم.
نصحت الدراسة الآباء بضرورة توخي الحذر عند توجيه عبارات النقد، حتى لو كان في محله، لأن المراهق الذي يعاني من الاكتئاب يتذكر الكلمات، وأيضاً ردود الأفعال السلبية أكثر كثيراً من ردود الأفعال الإيجابية وكلمات التشجيع. وتبعاً للدراسة أثرت انتقادات الوالدين بقوة على المصابين بالاكتئاب أكثر من الأصحاء. وبغض النظر عن حالة الاكتئاب فإن الثناء وكلمات التقدير من الأبوين يحسنان من مزاج المراهق إلى أبعد الحدود، خصوصاً عندما يكون متسقاً مع آرائه وتصوراته الذاتية.