وهذا المشهد هو الحلقة الأصغر في صناعة عالمية سريعة النمو للألعاب الإلكترونية (سواء ألعاب الفيديو أو الهاتف)، تزيد قيمتها على 300 مليار دولار، وفق تقرير نشرته شركة أكسينشر الأمريكية في أبريل/نيسان الماضي.
وقدرت شركة نيلسن لأبحاث السوق نصيب ألعاب الفيديو من هذه الصناعة بحوالي 140 مليار دولار في عام 2020، محققة بذلك نموا سنويا قدره 12 في المئة.
وعاش غازي بيضون، مسؤول تطوير الأعمال في شركة "غيمرز هاب"، كل مراحل تطور صناعة الألعاب، بدءا من المشهد السالف ذكره مع والده، وصولا إلى عمله الحالي في مجال تنظيم مسابقات الألعاب والتعليق عليها.
بدأ غازي حياته المهنية بالعمل في المبيعات، وسافر إلى دبي للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات لفترة، حتى أتته فرصة العمل في غيمرز هاب "وربما لم تكن هذه هي الفرصة الأكبر بالنسبة لي آنذاك، وكانت مجازفة مهنية، لكن اتضح أنها الأفضل بالنسبة لي ولمستقبلي المهني الذي أريده".
لكن شغف غازي بألعاب الفيديو يسبق هذه الفترة بكثير، إذ اعتاد زيارة مقاهي الإنترنت واللعب مع أصدقائه أو في منافسات محلية في بلده لبنان. "وكان الشباب يجمعون بعض وينظمون مسابقة محلية في لعبة كاونتر سترايك."
ولعبة كاونتر سترايك هي واحدة من أقوى الألعاب الإلكترونية عالميا، ومن أوائل الألعاب التي بدأت بها بطولات ألعاب الفيديو المحلية، والتي كان يسافر الفائز بها للمنافسة في المسابقات الدولية التي كانت تمنح جوائز قيمتها ما بين 20-30 ألف دولار.
السوق العربيةوجاء التحول الكبير في مسابقات الألعاب الإلكترونية عالميا عام 2012، عندما رفعت شركة فالف (مطورة لعبة دوتا) من قيمة الجوائز في مسابقاتها إلى مليون دولار. ويرى غازي أن هذه المرحلة أحدثت نقلة كبيرة في عالم صناعة الألعاب، إذ حفزت هذه الجوائز الكثيرين للتفرغ لهذه الألعاب في وقت لم يفكر فيه أحد من قبل أن يصبح "لاعب محترف".
ولم يكن العالم العربي جزءا من هذا التحول، وفقا لغازي، إذ استمرت المنافسات العربية كجهود فردية من لاعبين وفرق لا يحركهم سوى حماسهم للألعاب. لكن هذا الحماس وزيادة أعداد اللاعبين والفرق المشاركة في المسابقات كان نواة لينفتح السوق بشكل أكبر على هذه الصناعة.
وفي عام 2017، أطلق سعد خان شركة غيمرز هاب في الإمارات، "بهدف تطوير مسابقات الرياضات الإلكترونية في الشرق الأوسط بمقاييس دولية، والتوسع في الفرص التجارية للاعبين والمطورين وخلق بيئة تجمع المهتمين بالألعاب في المنطقة".
ويقول خان إن الاهتمام بدأ بالمسابقات المحلية داخل الإمارات، لكن الشركة توسعت لاحقا في شراكات مع مطوري الألعاب الدوليين لتنظم مسابقات إقليمية "وكانت أولى الشركات التي انتبهت إلى السوق العربي هي شركة رايوت غيمز، التي شاركتنا في تنظيم مسابقة إقليمية شملت الإمارات والسعودية ومصر."
وفتحت هذه المسابقات الباب أمام فرص جديدة في السوق العربية "فنرى الآن ظهور الكثير من اللاعبين الناشئين، وتكوين الكثير من الفرق للمنافسة في المسابقات. كما أدركت الشركات الكبرى هذه الفرص وأصبحت تنظم مسابقات خاصة بالمنطقة، وتزيد فيها قيم وأعداد الجوائز."
وبدأت العديد من الشركات بالفعل في إطلاق نسخ من الألعاب باللغة العربية وبمحتوى عربي وترجمة مواقعها إلى العربية، حتى أن بعضها افتتح مكاتب في المنطقة.
"البترول القادم"وينمو حجم هذه الصناعة في العالم العربي بشكل سريع رغم أنها سوق ناشئة، إذ حققت نموا قدره عشرة في المئة بين عامي 2017 و 2019، من 693 مليون دولار إلى 773 مليون دولار. ويتوقع أن تصل قيمة هذه الصناعة في المنطقة إلى ستة مليارات دولار العام المقبل.
والسوق الأكبر إقليميا لهذه الصناعة يقع الآن في الخليج، إذ تتجاوز قيمة صناعة الألعاب الإلكترونية فيه 820 مليون دولار. والنصيب الأكبر في هذا السوق للإمارات والسعودية اللتان بدأتا في رعاية منتخبات للألعاب الإلكترونية.
وتشير تقديرات إلى أن نصيب السعودية وحدها من صناعة الألعاب على اختلاف منصاتها قد يتجاوز مليار دولار، إذا تأتي المملكة في المركز 19 عالميا كأكبر سوق للألعاب.
كما تعمل الإمارات الآن على تأسيس منطقة حرة للرياضات الإلكترونية، بجانب منطقتها الحرة الافتراضية التي يمكنها أن تضم مئة ألف شركة، وكل ذلك ضمن توجه عام في البلاد لدعم الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية.
ووفقا لتقرير شركة أكسنشر، تأتي مئتا مليار دولار من قيمة صناعة الألعاب عالميا (سواء عبر الهاتف أو الكمبيوتر أو منصات اللعب الأخرى) بشكل مباشر من أجهزة وبرامج الألعاب نفسها والدعاية الخاصة بها، ومئة مليار أخرى من الأنشطة المرتبطة بالألعاب مثل مبيعات الأجهزة الملحقة وقطع الغيار وصناعة المحتوى الإلكتروني الخاص بالألعاب.
وبالمثل في السياق الإقليمي، تجذب صناعة الألعاب حاليا أنشطة أخرى تكميلية، فيقول خان إن أنشطة ومسابقات شركته جذبت شراكات مع علامات تجارية غير منتجة للألعاب، من بينها شركات ملابس رياضية أو أثاث، وكذلك أنشطة في مجالات الدعاية والعلاقات العامة والتجارة الإلكترونية.
وأضاف خان: "هناك خدمات تعليمية الآن تستهدف الطلبة المهتمين بعالم الألعاب، وتقدم مواد دراسية خاصة بهذه الصناعة، سواء اللاعبين المحترفين أو المهتمين بجوانب الصناعة الأخرى."
"كما ظهر جيل جديد من صناع المحتوى الرقمي العربي المهتمين بعالم الألعاب. ونشأت أيضا شركات محلية معنية بتطوير الألعاب الإلكترونية العربية، وإن كانت الهيمنة الأكبر الآن للشركات العالمية الكبرى.
ويرى غازي أن مطوري الألعاب العرب ليسوا جاهزين بعد للمنافسة مع الشركات الكبرى "لكن مجتمع الصناعة بدأ يتكون الآن، وسيتطور مع الوقت."
ورصد غازي أثر نمو صناعة الألعاب في قطاعات أخرى، خاصة مع إجراءات الإغلاق المرتبطة بكورونا، "فمثلا أصبحت مطاعم الوجبات السريعة تقدم وجبات خاصة بمسابقات الألعاب، واتجه الكثيرون إلى صناعة المحتوى لأنه يحقق أرباحا ربما أكثر من اللعب نفسه. وحلت الألعاب الآن محل صناعة الترفيه التقليدية، فمحتوى الألعاب أصبح هو التليفزيون بالنسبة للأجيال الجديدة. وصناعة الألعاب هي البترول القادم في المنطقة."
"إدمان الألعاب الإلكترونية"ويتوقع خبراء أن تحدث جائحة كورونا طفرة في صناعة الألعاب الإلكترونية في المنطقة، فمن المتوقع أن يصل إنفاق اللاعب العادي في الإمارات على اللعبة إلى 115 دولار. كما نظمت السعودية مسابقة خيرية لجمع تبرعات لمواجهة كورونا، بجوائز تصل قيمتها إلى 10 مليون دولار. هذا بجانب ارتفاع مبيعات الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الواقع الافتراضي المكملة للألعاب.
وفي وجود ملايين الشباب العرب المهتمين بالألعاب، تظل الصناعة في مواجهة مع المخاوف التقليدية بشأن الصحة النفسية والاجتماعية، خاصة لدى المراهقين
وتصنف منظمة الصحة الدولية إدمان الألعاب الإلكترونية كأحد أنواع الاضطراب النفسي. لكن خان يرى أنها - كأي رياضة - بحاجة لتوازن واعتدال.
ويقول: "ندعم دائما الاعتدال في اللعب، وتحري الأمان والسلامة الإلكترونية، والتوعية بمزايا ومخاطر اللعب. وفي نهاية الأمر، يحتاج اللاعب إلى لياقة بدنية وذهنية ليتمكن من التفكير في اللعبة والتنافس في وضع الخطط والتحليلات التي تحتاجها."
ويرى غازي في الألعاب الإلكترونية مزايا اجتماعية على عكس الشائع بأنها تسبب العزلة، إذ تفتح المجال للتواصل وتكوين صداقات مع لاعبين آخرين على مستوى العالم.
"فالأصدقاء الأقرب لي هم من تعرفت عليهم في عالم الألعاب، ويمكن لو كان والدي تركني على راحتى من قبل كنت وصلت لما أريده أسرع."
*نقلاً عن BBC