إخوتي أخواتي ونحن نقترب من الزيارة الأربعينيّة أودّ أن أعرض بخدمتكم بعض الأمور:
أوّلاً: إنّ هذه الزيارة هي نحوٌ من أنحاء الولاء، وهي نحوٌ من أنحاء تجديد العهد مع سيّد الشهداء ومع تلك المبادئ التي جاهد واستُشهِدَ ونهض من أجلها، ولذلك تمتاز هذه الزيارة بهذا الكم الهائل والسيل البشريّ المتدفّق، ولذا فإنّ الفوائد المتوخّاة اجتماعيّاً وفرديّاً وجماعيّاً من هذه الزيارة فوائد جمّة، فالتأكيدُ على إحياء هذه الشعيرة وممارسة هذه الشعيرة في كلّ سنة هذا أمرٌ محلّ اعتزاز ومحلّ فخر، ولذلك هؤلاء المؤمنون الذين يأتون لزيارة الحسين(عليه السلام) هؤلاء الإخوة والشباب والرجال الكبار في السنّ والأولاد الصغار والأخوات الفاضلات في قرارة أنفسهم أنّهم يقصدون هذا الإمام العظيم، وكأنّهم يقتطفون من فمه المقدّس تلك الكلمات التي ذكرها في عاشوراء (هل من ناصرٍ ينصرني)، هذه المسيرة صحيح أنّها مسيرة حزينة باعتبار أنّها تذكّرنا بتلك المأساة لكنّها مسيرة مباركة، بما أنّها حفظت تلك المبادئ التي جاء من أجلها سيّد الشهداء، فهي واقعاً مصداقٌ من مصاديق بلوغ الفتح، فالمسيرة والزيارة الأربعينيّة لابُدّ من الحفاظ عليها لأنّها تمثّل حالة الارتباط الوثيق مع سيّد الشهداء(عليه السلام).
ثانياً: هذا الشعب المبارك أحقّ أن يُعتنى به، شعبٌ أحقّ أن يُكَرَم لا أن يُهمل ولا أن يُعرض عنه، هذه ذخيرة واضحة لكلّ من يرقب أحداث الزيارة الأربعينيّة، هذا شعبٌ محلّ فخرٍ واعتزاز، وهنا تنبيهٌ لبعض الأمور:
- الإخوة الذين يتوفّقون لهذه الزيارة بدءً نرجو منهم -وهم المحسنون- أن يشملونا في الدعاء، من أوّل الخطوات التي يبدأها الزائر أو يركب في المركبة إن كان لا يستطيع، أن يشمل بالدعاء كلّ من لم يتوفّق للزيارة.
- الإخوة الشباب عليهم أن يتذكّروا إن كان لهم رفقاء كانوا يمشون معهم في كلّ سنة، وهؤلاء الرفقاء الآن هم تحت الثرى بما بذلوا وبما أعطوا من دماء زكيّة، من جملة الأهداف التي أعطوها وحقّقوها حتّى يبقى رفقاؤهم الباقون يأتون الى زيارة سيّد الشهداء، فعليهم أن يتذكّروهم وعليهم أن يهتمّوا بهم وعليهم أن يجعلوا هذه الزيارة مدعاة لقضيّة، وهي أن يُخرجوا أنفسهم من الانغماس في الدنيا ولا يكونوا كما وصف الإمام الحسن(عليه السلام) بعض أتباعه من الذين كانوا (وإنّ دنياهم قبل دينهم)، هؤلاء في ريعان الشباب ولم يعيشوا من الدنيا إلّا قليلاً لكن كان دينهم وعقيدتهم محبّتهم لبلدهم، كانت أمامهم ففازوا ثمّ فازوا حتّى نالوا أوسمة الشهادة، فلابُدّ أن يكون هؤلاء الإخوة لا أقول أن يكونوا حاضرين معهم فقط وإنّما دعاة الى تعليمنا كيف نخرج من الانغماس في الدنيا، وأعتقد أنّ مدّة عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً مدّة جيّدة للإنسان أن يمشي وهو يقصد هدفاً سامياً، يقصد وجوداً مباركاً، تقول كلماتُ الزيارة لأصحابه القريبين منه أنّهم حلّوا بفنائه، لكنّهم لم يصلوا الى حقيقة معرفة الحسين(عليه السلام) رغم أنّ هؤلاء كانوا بفنائه، فكيف بنا نحن الذين نحاول أن نأتي رويداً رويداً علّنا نطرق باب سيّد الشهداء(عليه السلام) ليُفتح لنا، هذه ليست أموراً خطابيّة إخواني إنّما هي حالة من التربية النفسيّة التي نحتاج أن نتربّى عليها.
- تثميناً وعرفاناً لكلّ أصحاب العطاء أصحاب المواكب الذين يبذلون جهداً ومالاً من أجل الزيارة، الذي يبذل ماله ويبذل نفسه إذا احتيج لها، فهؤلاء الذين بذلوا أموالهم وبذلوا أنفسهم من أجل الزائرين واقعاً هذا قمّةُ العطاء، والإنسان -إخواني- يُمكن أن يتصرّف تصرّفاً ينقله الى عالمٍ آخر، هؤلاء ربّوا أنفسهم على العطاء وربّوا أولادهم على العطاء، فإذا جاءت ساعة العطاء لن تجدهم يفكّرون أصلاً وإنّما يذهبون الى العطاء بدمائهم، وهذه من بركات هذه المواكب ومن بركات هذه الخدمة الجليلة لسيّد الشهداء (عليه السلام).
- الإمام الحسين (عليه السلام) قمّة لكلّ فضيلة، وهذه المواكب المهمّة لابدّ أيضاً أن تكون قمّةً في كلّ فضيلة، قمّة التربية والأخلاق وقمّة في المحافظة على الأملاك العامّة والمحافظة على الأملاك الخاصّة، قمّة في النظافة وفي عكس صورةٍ نبيلة ومشرقة عن أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام).
- الروايات التي كانت تشجّع على زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، من مصاديق الرواية هؤلاء الإخوة الزائرون وأهل المواكب، لابدّ -إخواني- أن نرتقي كما هم فعلاً أهلُ رقيّ، أن نرتقي بكلّ شيء حتّى في أداء الشعائر، وحتّى في طريقة الحزن، الإنسان حينما يتذكّر اسم الحسين يحزن، والإنسان عندما يقول: "يا حسين" يحزن، وهناك عبرةٌ للمؤمن دائماً عندما يتذكّر الإمام الحسين(عليه السلام)، هذه المواكب المباركة لابُدّ أن يكون طابع الحزن ظاهراً عليها في الأداء وفي الكلمات وفي إحياء هذه الشعائر، أنا لا أتكلّم عن جانب الحلال والحرام إخواني إنّما أتكلّم بما يُشبه مناسبة الحكم والموضوع كما يقول الأصوليّون.
- الذي يأتي للإمام الحسين (عليه السلام) في أربعينه يُحيي ذكرى العائلة، كيف جاءت عائلتُه؟ وبأيّ حال؟ هذه الروح الحسينيّة تنعكس على الذي يُمارس الشعائر، لابُدّ أن تكون روح الحزن وطريقة الحزن هي طريقة الوقار، وهذه الطريقة هي طريقة الموروث الذي تنعكس به هذه الحالة -حالة الحزن وإثارة الشجى-.
- نرجو المحافظة على حالة البكاء والحزن، فزيارة الأربعين ليست كبقيّة الزيارات، زيارة النصف من شعبان تجتمع مع ولادة الإمام المهديّ (سلام الله عليه)، أنت تزور الحسين(عليه السلام) وتُبدي فرحاً بولادة الإمام، لكن زيارة الأربعين ليست هكذا، بل هي مبنيّة على حزنٍ ورثاء وعلى تفكّر وتألّم، فالرّجاء إحياء هذه المناسبة بما تستحقّ وكما يليق بها.
- ننبّه ونؤكّد على:
1- نؤكّد على قضيّة اليقظة والحذر أمنيّاً، وعلى الجهات المسؤولة أن توفّر أقصى ما يُمكن من حماية لهذه المواكب، لأنّ هذه الطريقة تُستهدف، ونحن قلنا مراراً أنّ الإنسان الذي يفشل في المنازلات الحقيقيّة يلجأ الى الأساليب الجبانة ويستهدف المواكب، فلابُدّ من اليقظة والحذر.
2- هناك حوادث سيرٍ كثيرة في كلّ سنة، حوادث سيرٍ مرعبة، في غفلة المشاة وغفلة أهل المركبات، فالرجاء منكم أن تكونوا في يقظةٍ وحذر وتجنّبوا السير في طرق السيارات، وأصحاب السيارات تجنّبوا المسير السريع فهناك أرواحٌ تُزهق لا ذنب لها، السرعة الطائشة بطريقةٍ غير مسؤولة ليلاً ونهاراً، هناك آلاف بل ملايين من الناس تمشي فخفّف الوطء.
3- في كلّ سنةٍ يتصدّى أهلُ العلم وطلبة الحوزة الدينيّة المباركة بالوجود مع الإخوة الزائرين مشياً أو من خلال مواقع ومحطّات خاصّة، أرجو من الزائرين الأعزاء أن يستثمروا هذا الوجود من خيرة أبنائنا الطلبة الذين يتصدّون لخدمة الزائرين، وعلى الزائر أن يسأل عن كلّ شيء ولا يستحي، بعض الإخوة الزائرين يستحي أن يسأل وهذا حياءٌ مذموم، هناك حياءٌ ممدوح -مثلاً- أن تستحي من أخيك من الأب من المعلّم في أن تتصرّف أمامه تصرّفاً شائناً، وهناك حياءٌ مذموم وهو أن تستحي من أن تسأل عن مسألةٍ شرعيّة أو مسألةٍ عرفيّة أو أيّ مسألةٍ أنت بحاجة لها، لا تُقصّر في ذلك فهذه فرصة وأنت تمشي ستمرّ إشكالاتٌ في ذهنك كثيرة، وهذه ضريبةُ الطريق وأنت تمشي اسأل، فالعلمُ كثيرةٌ خزائنه لكنّه يحتاج الى مفاتيح والمفاتيح هي السؤال، الرجاء أكثروا من الأسئلة لأهل العلم فهم تفرّغوا تماماً لخدمة الزائرين، لا تقُلْ: "أُثقلُ عليه" بل اثقلْ عليه فإذا لم تُثقِلْ عليه تُثقلُ على مَنْ؟ وهذه وظيفتُه يأنس إذا توجّهت له الأسئلة، الإنسان قد تكون عنده مشاكل كثيرة، وجد أباه وجد أمّه وجد صديقه وقد تعلّم منهم شيئاً، لكن للأسف ربّما لم يكن الأب بمستوى تعلّمٍ جيّد فعلّم ولده على خطأ، هذه فرصة فاعرضْ عملك على بعضهم ولا مانع أن تقرأ بعض الآيات، خصوصاً الأشياء المُبتلى بها في صلاتك اليوميّة، لا تتوقّف في أيّ سؤال شرعيّ أو غير شرعيّ، وهي فرصةٌ طيّبة أن يكون الإنسان قد تنوّر وتعلّم وهو آتٍ الى سيّد الشهداء(عليه السلام)، ولا زال الحسينُ معلّمنا بعد هذه الفترة الطويلة ويبقى إن شاء الله هو معلّمنا.
نسأل الله أن نكون نحن نعم المتعلّمين كما هو نعم المُعلّم، طبعاً لا ننسى أنّ هناك أخواتٍ يتصدّين لأسئلة الأخوات الزائرات أيضاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
*الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف يوم الجمعة (9صفر 1440هـ) الموافق لـ(19 تشرين الأوّل 2018م)، بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)