-وضع الشيء في موضعه.
- إعطاء كل ذي حقٍ حقه.
والظلم باعتبار أنه ـ وبطبيعة الحال ـ مقابل للعدل فسوف يكون وضع الشيء في غير موضعه أو سلب ذي الحق حقه، و مفهوم الظلم ـ كمفهوم عامٍ وكطبيعة ـ يحقق بتحقق فردٍ من أفراده. ولكن في الأصل الثاني من أصول الاعتقاد عند الإمامية (أنار الله تعالى برهانهم) لا يقصد من العدل هذا المعنى والذي هو معنى ضيقٌ بالنسبة إلى المعنى المقصود، وإنما يقصد أنّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يفعل القبيح، وللقبيح مصاديقٌ متعددةٌ ومنها: الظلم، اللعب و العبث واللغو، كما أنّ للظلم مصاديق متعددةً، ومنها: التكليف بغير المقدور، معاقبة من لا يستحق العقاب، كأن يجبر الله (جلّ تعالى عن ذلك) العباد على فعل المعصية، ثم يعاقبهم على ما فعله فيهم.
تحديد العدل في كلمات الأعلامولو رجعنا إلى كلماتنا علمائنا الأعلام (أعلى الله تعالى كلماتهم) في تحديد المراد من العدل نجدهم يذكرون هذا المعنى الجامع، فمثلًا، وجه سؤال إلى السيد المرتضى (رحمه الله) كما في كتاب الرسائل عن عدد أصول الدِّين، فذكر في البداية أن من أراد أن يجمل فبإمكانه أن يقتصر على ذكر أصلين، وهما: التوحيد والعدل، ثم أنه قد تقول: فأين النبوة والإمامة فإنهما من أصول الدّين فلماذا يقتصر على ذكر التوحيد والعدل في مقام الاختصار والاختزال؟ فأجاب (رحمه الله تعالى) بأنّ النبوة والإمامة ترجعان إلى باب العدل، فإنّ عدل الله (عزّ وجلّ) يقتضي ثبوت النبوة، وثبوت الإمامة.
هذه العبارة التي صدرت من سيد الطائفة السيد المرتضى (قدس سره) تدل على أنّ العدل لا يقصد به أنّ الله (تبارك وتعالى) لا يفعل الظلم فقط، وذلك لأنه إذا رجعنا إلى أدلة النبوة وأدلة الإمامة نجد أنّ العلماء يستندون إلى جريان المعجزة على يد مدعي المنصب الإلهي وجريان المعجزة يدل على تأييد الله (عزّ وجلّ)، والله (سبحانه وتعالى) لا يؤيد إلاّ الصادق؛ لأن تأييد الكاذب قبيحٌ.
يوجد رأي يرى رجوع كل قضايا القبح إلى قبح الظلم، ومن ذلك قبح الكذب وقبح تأييد الكاذب، ولكن نحن إذا رجعنا إلى وجداننا نجد أنّ تأييد الكاذب وإضلال الناس قبيحٌ سواء رجع إلى الظلم أم لم يرجع، فبوجداننا نجد أنّ هذا الفعل قبيحٌ، على أنّ العلماء في بحث النبوة يطرحون مسألة ضرورة بعثة الأنبياء (عليهم السلام) ـــ ضرورة وجود نبي ـــ ويستدلون على ذلك بقاعدة قبح نقض الغرض، فيقولون: الباري (تقدست آلاؤه) خلق الخلق لغاية وتلك الغاية لا تحقق إلا بوجود نبيٍّ أو بوجود إمامٍ فلا بد أنّ يبعث الله (تبارك وتعالى) نبيًّا وينصب إمامًا وإلّا يكون ذلك نقضًا لغرضه (عزّ وجل)، ويلزم أن يكون فعله (تبارك وتعالى) عبثًا، وإذا رجعنا إلى وجداننا ندرك أنّ قبح العبث لا يرجع إلى قبح الظلم على بعض المعاني، فمثلًا إذا قلنا: الظلم هو التصرف في ملك الغير أو حق الغير بلا إذنه فإننا نواجع السؤال التالي : هل يمكن هل يمكن أن يتصرف الله (سبحانه وتعالى) في غير ملكه؟
الجواب لا يمكن ذلك؛ لأنّ كل شيء لله (تبارك وتعالى) وبناءً على تحديد الظلم بهذا التعريف فلن يكون الباري (سبحانه وتعالى) فيما إذا نقض الغرض ظالمًا، ولكن حيث إنّ عدم بعثة النبي وعدم نصب الإمام يؤدي إلى نقض الغرض يحكم العقل بالقبح، فنقض الغرض في ذاته قبيحٌ.
عودٌ على بدءٍ:إذًا فالنبوة والإمامة ترجعان إلى العدل، والعدل لا ينحصر بترك الظلم بمعنى التصرف في ملك الغير بلا إذنٍ أو سلب الغير حقه، وهذا يعني أنّ مفهوم العدل الذي يذكره السيد المرتضى (رحمة الله تعالى عليه) مفهومٌ أوسع مما يقابل الظلم، ثم أنه (رحمه الله تعالى) يذكر عبارة واضحة وصريحة فيقول في تحديد العدل، (كل أفعاله (سبحانه وتعالى) حسنةٌ وكل صنيعه (جلّ شأنه) جيدٌ، وكل تدبيره (تبارك وتعالى) موافق للحكمة)، وهذا التعريف الجامع هو المقصود بالعدل في مسألة الاعتقاد بعدل الله (تبارك وتعالى).
و تعرض أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله تعالى) في كتاب الكافي ـ أيضًا ـ لتعريف العدل فقال: ومعنى قولنا أنه عادل أنه (تبارك وتعالى) "لا يخل بواجبٍ في حكمته ولا يفعل قبيحًا" ، وهذا التعريف تجده في كتاب الاقتصاد للشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى)، وتجده في كتاب المسالك في أصول الدين للمحقق الحلي (رحمة الله تعالى عليه)، وغير ما ذكرنا من العلماء الأعلام.
الواجب هو ما يلزم من تركه القبح العقلي، فمثلًا الباري (تبارك وتعالى) خلق الخلق لغايةٍ فما له دخلٌ في تحقيق الغاية واجبٌ لِمَ؟ لأن تركه يؤدي إلى نقض الغرض، فما يلزم من تركه القبيح العقلي ، كالظلم ، ونقض الغرض، فهو الواجب.
لماذا أصول الدين خمسة؟وهذا السؤال ينحل في حقيقته إلى سؤالين هما:
السؤال الأول: حول مفهوم (أصول الدّين)، ولماذا جعل من أصول الدين الأًصول الخمسة المعروفة (التوحيد ــ العدل ــ النبوة ــ الإمامة ــ المعاد)؟
السؤال الثاني: في حقيقته هو جزءٌ من السؤال الأول وهو: لماذا جعل العدل من أصول الدين الخمسة دون سواه من صفات الله (عزّ وجلّ)؟
إذا جئنا عند جواب السؤال الأول فإن جوابه هو يمر بمرحلتين فأولاً لا بد أن نعرف ما هو المقصود بأصول الدِّين؟ فهذه العبارة تكون من مفردتين هما (الأصل والدين).
ما هو المقصود بالأصل؟ الأصل في اللغة هو ما يبنى عليه غيره، فمثلًا قواعد البناء هي أصول يبنى عليها البناء، فكلمة (الأصل ) كلمة واضحة لا تحتاج إلى تعريف.
ما هو المقصود بالدّين؟المقصود بالدَّين هو مناط الجزاء ــ مِلاك الجزاء ــ، ففي المثل كما تدين تدان، ففي سورة الفاتحة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} والمقصود بيوم الدين هو يوم الجزاء والحساب.
إذًا فأصول الدّين الأساس الذي يترتب عليه الجزاء، فما معنى الأساس الذي يترتب عليه الجزاء؟
وجواب ذلك هو: الله (تبارك وتعالى) خلق الإنسان، فهو مالكٌ للإنسان ومالكٌ لفعل الإنسان، وكل ما في الكون هو ملكٌ لله (سبحانه وتعالى)، وهذا يعني أنّ العبد إذا أطاع الله (سبحانه وتعالى) فهو لا يقوم بمقايضة مع الله (تبارك وتعالى) فيعطي الله (عزّ وجلّ) ويأخذه منه (سبحانه وتعالى)، لأنّ الإنسان وفعله ملكٌ لله (تبارك وتعالى)، فالإنسان بطاعته لا يعطي الله (عزّ وجلّ) شيئًا، وبالتالي لا يحكم العقل باستحقاق العبد للثواب على طاعته، فالثواب ليس إلّا تفضلًا من الله (تبارك وتعالى)، والباري (سبحانه وتعالى) تفضل على العباد بالثواب على الطاعات أي: على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، بل الباري (جلت أسماؤه) ألزم ذاته المقدسة بالثواب، فإنه (سبحانه وتعالى) وعد المطيعين بالثواب {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}(9) ، ومن باب وجوب الوفاء بالوعد سوف يثيب (تبارك وتعالى)، و لكن هل وعد الله (عزّ وجلّ) كل مصلٍّ، وكل من حج ، وصام ، وزكى، بالثواب؟ نرجع في هذا إلى القرآن الكريم، حيث يبين وفي آياتٍ متعددةٍ أنّ الموعود بالثواب خصوص المؤمن {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }(10) ، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }(11) ، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }(12) ، فلا يوجد وعدٌ مطلقٌ، بل إنّ الوعد الإلهي مخصوصٌ بالمؤمن، والمؤمن هو الذي يتصف بالإيمان، والإيمان هو مناط الثواب وهو أصل الثواب، فإذا قيل أصول الدّين فيقصد به الأمور التي لها دخلٌ في ثبوت الإيمان الذي هو مناط الثواب والجزاء بالحسنى عن العمل الصالح و الفوز بالنجاة من العذاب الدائم لمكان الوعد ، فالمؤمن إذا أطاع يتحصل على الثواب في يوم القيامة، وذلك من باب لزوم الوفاء بالوعد، وغير المؤمن قد ينجو من النار برحمة الله (تبارك وتعالى) ويعطيه الله (عزّ وجلّ) نعيمًا في الآخرة ، ولكن ليس ذلك من باب المجازاة على فعله، ووفاءٍ بالوعد ، وإنما ذلك من باب التفضل الابتدائي من قبله (سبحانه وتعالى).
وبهذا اتضح معنى أصول الدّين، فأصول الدين هي الأمور التي تحقق الإيمان والذي هو مناط الثواب.
لماذا العدل من أصول الدين؟ونأتي الآن إلى الشق الثاني والذي أنتم خصصتموه بالعدل، ونحن سوف نعممه، ثم نأتي عند العدل، ونذكر الجواب المرتبط به، والشق الثاني هو: لماذا جعلت هذه الخمسة (التوحيد ــ العدل ــ النبوة ــ الإمامة ــ المعاد) دون سواها من أصول الإيمان والذي هو مناط الثواب؟
والجواب في كلمةٍ واحدةٍ وهي:
إنّ الأدلة دلت على أنّ هذه الأمور الخمسة ركنٌ في الإيمان مطلقًا، أي سواءً علم بها الإنسان فآمن واعتقد وتدين أو لم يعلم بها، علم بها بأدلة إثباتها، علم ـ مثلاً ـ بالتوحيد بأدلة التوحيد وآمن به أو لم يعلم، وعدم علمه سواءٌ كان عن عذرٍ أو بلا عذرٍ، فمن لم يعتقد بالتوحيد فهو ليس بمؤمنٍ ولو كان معذورًا في عدم اعتقاده بسبب جهله، والأمر كذلك في باقي الأصول العدل، النبوة، الإمامة والمعاد.
نعم، يوجد أمورٌ أُخذ الإيمان بها في ثبوت مفهوم الإيمان ــ الذي هو مناط الثواب ــ ولكن بشرط العلم، فإذا علم الإنسان يجب عليه أن يؤمن فإذا لم يؤمن لا يكون مؤمنا ولا يكون مستحقًا للثواب في يوم القيامة، مثل الإيمان بالأنبياء السابقين ونبوتهم، الإيمان بالكتب السابقة والإيمان بالملائكة وغيرها من العناوين التي ورد فيها لفظ الإيمان ولكن قامت الضرورة المذهبية على أن من لم يؤمن بها عن جهلٍ لا ينتفي عنه عنوان الإيمان.