يذهبُ علماءُ الاجتماعِ إلى أنَّ الطلاقَ مرضٌ اجتماعيٌّ خطرٌ يهدّدُ كيانَ المجتمعِ والأسرةِ والأفراد، وقد لوحظَ أنّهُ كلّما أصبحَ الطلاقُ ميسوراً كلّما زادَ استهتارُ الناسِ بالزواجِ كنظامٍ اجتماعي. ومن هنا تزايدتْ معدّلاتُ الطلاقِ في العالمِ الغربيِّ والعربيِّ نتيجةَ تخفيفِ القيودِ الزوجيّةِ وتيسيرِ أسبابِ الطلاق، فضلاً عن معرفةِ الناسِ بالقوانينِ المتعلقةِ بالطلاقِ حتى قبلَ إقدامِهِم على الزواج.
ولاشك في أنَّ الطلاقَ عمليّةٌ تطوريّة، تبدأ بظهورِ الأسبابِ ثمّ تستمرُّ العمليّةُ إلى ما بعدَ الطلاق، وفي ذلك رأى الباحثون أنَّ الطلاقَ يمرُّ بسبعِ مراحلَ سيكولوجيّةٍ منفصلةٍ لكنّها مترابطةٌ مع بعضِها حيث تؤدّي إحداها إلى الأخرى، وتعتبرُ المرحلةُ التاليةُ نتيجةً طبيعيّةً للمرحلةِ السابقةِ عنها ويمرُّ الزوجانِ بهذه المراحلِ على حدٍّ سواءٍ حيث يتأثرُ كلٌّ منهما بها، وهي على الترتيب التالي..(1)
أ. مرحلة الانفصال الفكريّ
إنَّ بدايةَ ظهورِ المشكلاتِ بينَ الزوجيْنِ واستمراريّتَها كفيلٌ بأن يُحدِثَ انفصالا فكريّاً بينهما حيث يفكرُ كلٌّ منهما بطريقةٍ مختلفةٍ عن الآخرِ حولَ هذه المشكلات، بل قد تكونُ مضادةً لها، وعلى النقيضِ منها ممّا يزيدُ من شدّةِ الخلافِ بينهما بما يصعّدُ الخلافاتِ بحيث يصعبُ الالتقاءُ بينهما على فكرةٍ مشتركة. وتمثل هذه الحالةُ البدايةَ للاتجاهِ نحو الطلاق، إذ يؤدّي استمرارُها إلى المرحلةِ الثانيةِ والمتمثلةِ في التباعدِ الوجداني.
ب. مرحلة الانفصال الوجدانيّ
مع استمراريّةِ الانفصالِ الفكريِّ بين الزوجيْنِ واحتفاظِ كلٍّ منهما برأيهِ الخاصِّ المخالفِ والمنفصلِ عن رأي الطرفِ الآخر، يبدأ كلٌّ منهما بممارسةِ سلوكيّاتٍ قد تكونُ غيرَ مرغوبةٍ وغيرَ مقبولةٍ في نطاقِ الأسرة. هذا الانفصالُ الفكريُّ والسلوكيُّ يؤدّي إلى انفصالِهِما الوجدانيِّ وبرودِ المشاعرِ والأحاسيسِ والعواطفِ بينهما.
ج. مرحلة الانفصال الجسديّ
مع استمراريّةِ التباعدِ الوجدانيِّ والعاطفيّ، تبدأ مرحلةٌ جديدةٌ حيث يؤدّي ذلك إلى التباعدِ الحقيقيِّ على المستوى الماديِّ فيصبحُ أداءُ الحقوقِ والواجباتِ الزوجيّةِ بين الزوجيْنِ عملاً روتينيّاً أشبهَ بأداءِ الواجب، ممّا يزيدُ من كرهِهِما لبعضِهِما، وبالتالي يعمدُ كلٌّ منهما إلى الانفصال الجسديِّ عن الآخرَ بطريقةٍ عمليّةٍ حيث يستخدمان فراشيْنِ منفصليْنِ عن بعضِهِما.
د. مرحلة الانفصال الشرعيّ القانونيّ
عندما تصلُ الحالةُ بالزوجيْنِ إلى الانفصال الماديِّ الجسديّ، لا يكونُ هناك مبرّرٌ لوجودِهِما مع بعضِهِما في بيتٍ واحدٍ حيث لا تتحققُ أدنى معاني الحياةِ الزوجيّةِ التي ينشدُها كلٌّ منهما، فيصبحُ الطلاقُ موضعَ تفكيرِ أحدهِمِا أو كليهِما، وقد يتحوّلُ التفكيرُ إلى قرارٍ فعليٍّ حيث تنتهي الحياةُ الزوجيّةُ بالطلاق.
هـ. مرحلة الانفصال الاقتصاديّ الماديّ
يصاحبُ عادةً واقعةَ الطلاقِ إجراءاتٌ اقتصاديّةٌ يحكمُها الشرعُ والقانون، حيث يبدأ كلٌّ من الزوجيْنِ بدفعِ ما عليه من التزاماتٍ ماديّةٍ وأخذِ ما لهُ منها، وقد تتمُّ التسويةُ الماديّةُ بينهما بالحسنى، وفي جوٍّ من التسامحِ والاحترامِ المتبادلِ للآخر، وقد ترتبطُ هذه المرحلةُ بالكثيرِ من المشكلات، حيث قد يثيرُ أحدُ الطرفيْنِ أو كلاهما مشكلاتٍ ليس الهدفُ منها إلا التنفيسَ عن مشاعرِ الحقدِ والانتقام وشدّةِ الكراهيّةِ من الطرفِ الذي يثيرُها، وقد يكون ذلك لعدمِ رغبتِهِ في أداءِ التزاماتِه، ممّا يفضي إلى مزيدٍ من الصراعات، فيواجِهُ كلٌّ منهما الآخرَ بأسرارِه، وكشفِ عيوبِهِ وتعريةِ ما خفيَ من سلوكيّاتِهِ في ساحاتِ المحاكمِ وأمامَ الأصدقاءِ والأسرة.
و. مرحلة الانفصال الأبويّ
قد يكونُ في الطلاقِ نهايةٌ لبعضِ مشكلاتِ الزوجيْن، لكنّهُ بلا شك سيتسبّبُ في مشكلاتٍ أخرى تؤثر تأثيراً مباشراً على أطفالِهِما إذا كان لهما أطفال. وقد يتفقُ المطلقانِ بطريقةٍ وديّةٍ متّسمةٍ بالتسامحِ والتفاهمِ على آليّةِ رعايةِ الأطفالِ من حيث توفيرِ المكانِ المناسبِ الذي يأويهم، وتعيينِ شخصٍ مناسبٍ يشرفُ على رعايتِهِم، وعلى مصدرِ الإنفاق ومقدارِهِ اللازمِ لتغطيةِ مصروفاتِهِم ونفقاتِهم، وهكذا طريقةِ لقائهِم بأبويهِم وغيرها من الأمورِ ممّا ينظمُ علاقةَ المطلقيْنِ ببعضِهِما وبأطفالِهِما بعد حدوثِ الطلاقِ مباشرةً وخلالَ الفتراتِ التاليةِ لها لأنّها تُعتبرُ مرحلةً انفصاليّةً بالنسبةِ لأحدِ الأبويْنِ عن أطفالِهِ لوجودِهِم عند الطرفِ الآخر، أو انفصالِهِما معاً عن أطفالِهِما لوجودِهِم مع أحدِ الأقاربِ أو في أماكنَ خاصّةٍ تتولى رعايتَهُم والأشرافَ عليهم.
ز. مرحلة الانفصال النفسيّ الانفعالي
يعتقدُ بعضُ المطلقينَ أنَّ المشكلاتِ تنتهي بالطلاقِ أو حتى بالقدرةِ على الاتفاقِ على حلِّ مشكلاتِ الأبناء، إلا أنّه تظهرُ هناك مشكلاتٍ من نوعٍ جديدٍ تمسُّ الجانبَ الشخصيَّ للمطلقينَ والمطلقاتِ وتتعلقُ بالحالةِ النفسيّةِ المضطربةِ لهما، والتي تؤثرُ بالضرورةِ على انفعالاتِهِما إذ تضطربُ بصورةٍ ملحوظةٍ وواضحةٍ للجميع. وتتصفُ مرحلةُ الانفصالِ الانفعاليِّ النفسيِّ التي يمرُّ بها الشخصُ في هذه المرحلةِ بانعزالِهِ عن الناسِ وتفضيلِهِ الاختلاءَ بنفسِهِ لمراجعةِ حساباتِه، واستعادةِ ذكرياتِهِ بحلوِها ومرِّها مع الطرفِ الآخر، وتقويمِ سلوكيّاتِهِ معه، وتحديدِ إيجابيّاتِهِ وسلبيّاتِه، ومقارنةِ واقعِهِ بعد الطلاقِ بحالِهِ أثناءَ الزواج، ورسمِ خططِهِ المستقبليّة، والتعرّفِ على إمكانيّاتِهِ وقدراتِهِ ومدى إمكانيّةِ البدءِ من جديدٍ في خطوةٍ أخرى نحو زواجٍ ثان، ومن ثم ينتابُ الشخصَ المطلّقَ عقبَ طلاقِهِ مباشرةً حالةٌ من القلقِ الدائمِ والاكتئابِ المستمرّ، ممّا يجعلُهُ يشرُدُ بذهنِهِ عمّا حوله. وقد يتعثّر المطلّقُ بعد طلاقِهِ مباشرة، فلا يستطيعُ عبورَ مرحلةِ الانفصالِ الانفعاليِّ النفسيّ، ممّا يدفعُهُ لمقاومتِها والتغلبِ عليها بكافةِ الوسائلِ السويّةِ وغيرِ السويّة. فقد يُغرقُ نفسَهُ في أعمالٍ إضافيّةٍ جادّةٍ تُرهقُ أعصابَهُ وتوتِّرُها، أو في أعمالٍ ترفيهيّةٍ تبعدُهُ عن واقعِه، فيصبحُ على هامشِ الحياةِ لا نفعَ منه ولا قيمة. وتؤكد الدراساتِ السيكولوجيّةِ على الآثارِ السلبيّةِ للطلاقِ حيث تفيدُ بأنَّ نسبةً كبيرةً من المطلقينَ والمطلقاتِ يعانونَ من تنوّعٍ في الاضطراباتِ الانفعاليّةِ الحادّةِ والأمراضِ النفسيّةِ الشديدةِ ومنها الشعورُ بالقلقِ والاكتئابِ والصراعِ وعقدةِ الذنب، وتأنيبِ الضميرِ وإيلامِ الذات وكرهِها والاضطراباتِ السيكوجنسيّة، والإصابة بالإحباطِ ومشاعرِ الحرمانِ والظلمِ والقهرِ والتوتّر، وتتسلطُ عليهم أفكارُ العداوةِ والتشاؤمِ والانهزاميّة، وكلّها مشاعرُ وأفكارٌ سيئةٌ ترتبطُ بقائمةٍ طويلةٍ من الأمراضِ السيكوسوماتيةِ والعاداتِ السلوكيّةِ كتعاطي المخدراتِ وإدمانِ الكحول.
حجم مشكلة الطلاق ومعدلاته
تختلفُ معدلاتُ الطلاقِ من مجتمعٍ لآخرَ تبعاً للعديدِ من المتغيراتِ الاجتماعيّة والثقافيّةِ والظروفِ السياسيّةِ والاقتصاديّة. ويشيرُ غالب مصطفى في كتابه الحياة الزوجية وعلم النفس إلى أنَّ حوادثَ الطلاقِ قد تزايدتْ منذ النصفِ الثاني من القرنِ الماضي، وهي نسبةٌ آخذةٌ في الزيادةِ خصوصاً في المدنِ الصناعيّةِ وذلك نتيجةً لتلازمِ التغيّرِ الاقتصاديِّ والصناعيِّ بالكثيرِ من العواملِ المساعدةِ على التفكّكِ الأسري.(3)
ويشيرُ الشعراويُّ في كتابه أثر الصناعة في الأسرة إلى أنَّ نسبةَ الطلاقِ ترتفعُ في المجتمعاتِ الصناعيّةِ بمرورِ الوقت، فقد سجلتِ الإحصاءاتُ في عامِ 1988 أعلى نسبةَ طلاقٍ لصالحِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّة، حيث بلغتْ حالاتُ الطلاقِ 246 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج، تليها السويدُ حيث بلغتْ 175 حالةَ طلاقٍ لكلِّ 1000 حالةِ زواج، ثمّ فرنسا 100 حالة، ثمّ أستراليا 90 حالة، تليها ألمانيا 89 حالة، وأخيراً إنجلترا 74 حالةَ طلاقٍ لكلِّ 1000 حالةِ زواجٍ لنفسِ العام. وعلى صعيدِ العالمِ العربيّ، يذكرُ كيال (1986) أنَّ نسبةَ الطلاقِ في المجتمعِ المصريّ 30 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج، بمعنى أنَّ حالاتِ الطلاقِ تصلُ إلى 60 ألفَ حالةِ طلاقٍ سنوياً.(4)
أما في الكويتِ فيشيرُ فهد ثاقب في كتابه المرأة والطلاق في المجتمع الكويتي إلى أنها بلغت 154 حالةَ طلاق تقريباً لكلِّ 1000 حالةِ زواج (5)
وفي المملكةِ العربيّةِ السعوديّة، تشيرُ إحصاءاتُ وزارةِ العدلِ المبنيّةِ على ما صدرَ من المحاكمِ إلى تدرّجِ حالاتِ الطلاقِ بين 18 - 24 %من حالاتِ الزواجِ خلالَ عشرِ سنواتِ (1410 - 1420 هـ(. ففي مكة المكرّمةِ تشيرُ إحصائيّةُ الأحوالِ المدنيّةِ عام 1422 م إلى أنَّ عددَ حالاتِ الطلاقِ بلغَ 228 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج. وبطبيعة الحال فإن النسبَ السابقةَ تقدّمُ مؤشراً على اتجاهِ نسبةِ الطلاقِ نحو الارتفاعِ وبدرجةٍ توجبُ على مراكزِ البحوثِ والباحثينَ التصدّي لها بالبحث، كما توجبُ على المؤسساتِ الاجتماعيِّة الاهتمام بمعالجةِ أسبابِها للتخفيفِ من حدّتِها وضبطِ ارتفاعِها المستمر.(6)
أمّا في العراقِ فلحدِّ الآنَ لا توجدُ إحصاءاتٌ واضحةٌ ودقيقةٌ عن هذه الظاهرة، بيدَ أنَّ أكثرَ من قاضٍ عراقيٍّ قد صرّحَ بوجودِ 8 حالاتِ طلاقٍ لكل 10 حالاتِ زواج، وهذه النسبةُ قد تكونُ - إذا ما كانتْ صحيحةً - من بينِ أكثرِ نسبِ الطلاقِ في العالم. وبالتأكيدِ فإنَّ تأثيراتِ الواقعِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ الذي أسفرَ عن وجودِ الاحتلالِ كان له دورٌ كبيرٌ في زيادةِ نسبةِ الطلاق، والتفكّكِ الأسريِّ وانعدامِ الاستقرارِ الاجتماعيّ، فضلاً عن الأمنِ الاجتماعيِّ بصورة عامة.. (7).
أسباب الطلاق
إنَّ تأسيسَ السببيّةِ بالنسبةِ للطلاقِ مازال أمراً صعباً، إذ تعتمدُ الدراساتُ على التفسيراتِ البديهيّةِ أكثرَ من التفسيراتِ النظريّة، فالنظريّةُ مازالتْ جزءاً متخلفاً في بحوثِ الطلاق. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر هناك صعوبةٌ في حصرِ أسبابِهِ نظراً لوجودِ عددٍ كبيرٍ من العواملِ المتداخلةِ والمختلفةِ التي يمكنُ أن تؤدّيَ إليه، فالطلاقُ لا ينتجُ في الغالبِ عن حادثٍ وحيدٍ بل هو نتيجةٌ لعدّةِ عواملَ متعدّدةٍ ومتداخلةٍ متصلةٍ بوظائفِ الحياةِ الأسريّة، حيث تتفاعلُ وتتداخلُ مع بعضِها البعضِ مفضيةً في نهايةِ المطافِ إلى الطلاق. وبطبيعةِ الحالِ فإنَّ الأسبابَ قد تختلفُ نسبياً من مجتمعٍ لآخر، فما يؤدّي للطلاقِ في المدنِ قد لا يكونُ سبباً كافياً ومقنعاً له في الأرياف، كما تختلفُ الأسبابُ من أسرةٍ إلى أسرةٍ حسبَ تباينِها الثقافيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديّ، بل داخلَ الأسرةِ الواحدةِ من جيلٍ لآخر. وفي اتفاقٍ مع ما سبقَ ذكرُهُ من دراساتٍ عراقيّةٍ وغربيّةٍ أظهرتِ اختلافاً في أسبابِ الطلاق، استدلَّ الثاقبُ (1999) بدراسةِ وايت التي ربطتِ الطلاقَ بعواملَ من قبيلِ ترتيبِ الزواج، وطلاقِ الوالدين، والعمرِ عندَ الزواج، والحملِ والإنجابِ قبلَ الزواجِ أو أثناءَ الزواج، والعمرِ ومدّةِ الزواج، والعنصر. كما تبينَ أنَّ انخفاضَ نسبةِ الإناثِ والسنَّ المتأخّرَ للزواجِ يؤدّيان إلى انخفاضِ معدّلاتِ الطلاق. الدراسةُ أظهرتْ أيضاً أنَّ التنميةَ الاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ وعمالةَ المرأةِ لها علاقةٌ ذاتَ دلالةٍ إحصائيّةٍ بارتفاعِ معدّلاتِ الطلاق. ويشيرُ الثاقبُ أيضاً إلى اختلافِ الأسبابِ مستدلاً بنتائجَ دراساتٍ أجريتْ في المجتمعاتِ النامية.
وفي العالمِ العربيِّ نجدُ أنَّ المتوفرَ من الدراساتِ يناقشُ أيضاً العديدَ من الأسبابِ المختلفةِ للطلاقِ وذلك باختلافِ الثقافةِ والمجتمعات، ففي دراسةِ بسيوني (1967) لمشكلةِ الطلاقِ على عيّنةٍ مصريّةٍ تبيّنَ أنَّ للطلاقِ العديدَ من الأسبابِ الممكنِ تلخيصُها في..(8)
- نشأةُ المطلّقاتِ خلالَ طفولتِهِنَّ في أسَرٍ تتسمُ بالتفكّك.
- تدخّلُ الأهلِ في الزواجِ سواءً قبلَهُ أو بعدَهُ وسماحُ الزوجِ بهذا التدخّل.
- الجهلُ بالأمورِ الجنسيّةِ لكلٍّ من الزوجيْن.
- عدمُ الكفاءةِ من الناحيةِ الاجتماعيّةِ والتعليميّةِ بين الزوجيْنِ وما ينشأ عنهما من اختلافٍ في العاداتِ والتقاليدِ والبيئة.
- عدمُ تأهيلِ كلٍّ من الزوجيْنِ لحياةِ الزوجيّةِ عن طريقِ التوعيةِ والتعليمِ في المدارسِ والمعاهدِ بواجباتِ الأسرةِ وحقوقِها على كلٍّ من الزوجيْنِ وكيفيّةِ حلِّ مشكلاتِها.
- ضعفُ المرأةِ في غالبيةِ الأحيان، وعدمُ مشاركتِها في الحياةِ والمسؤوليّةِ مشاركةً إيجابيّة.
- الفرقُ في السنِّ بين الزوجيْن، كأن يكبرُ الزوجُ زوجتَهُ بعشرينَ سنةٍ فلا تلبثُ الغيرةُ أن تدبَّ في قلبِ الزوج، وكثيراً ما تنحرفُ الزوجةُ وتخرجُ عن تقاليدِ الأسرة.
- عقمُ أحدِ الزوجيْنِ أيضاً من الأسبابِ الهامّة.
- سهولةُ الطلاقِ وإباحتُهُ جعلَ الأمرَ هيّناً وبسيطاً، فأيُّ خلافٍ يقعُ بين الزوجيْنِ يؤدّي إلى الطلاقِ أو الاختلافِ داخلَ الأسرة.
- خروجُ الزوجِ من البيتِ وغيابُهُ لمدةٍ طويلةٍ وميلُهُ للحريّةِ التي كان يتمتعُ بها قبلَ الزواج، وقد تخرجُ الزوجةُ هي الأخرى تاركةً مسؤوليّاتِها ممّا يؤدّي إلى تفكّكِ الأسرةِ وانحلالِ روابطِها من تعاونٍ ومشاركة، وهذا يحدثُ في المدينةِ بنسبةٍ أعلى من القرية.
وفي دراسةِ برهوم (1977) على عيّنةٍ من الأردنِ تبيّنَ أنَّ أسبابَ الطلاقِ ترجعُ بصفةٍ عامّةٍ إلى تدخّلِ أسرتي الزوجيْنِ في المشكلاتِ الخاصّةِ بهما، ووجودِ نساءٍ أخرياتٍ في حياةِ الزوج، والعقم، والمشكلاتِ الجنسيّة، ووجودِ مشكلاتٍ اقتصادية.
كما أرجعتْ دراسةُ الجابرِ (1996) على عيّنةٍ قطريّةٍ أسبابَ الطلاقِ إلى عددٍ من العواملِ شملتِ التقاليدَ الموروثةَ بما تمثلُهُ من عدمِ الرؤيةِ قبلَ عقدِ الزواج، وتدخّلَ الأهلِ في اختيارِ الزوجِ أو الزوجة، و فارقَ السنِّ الكبيرَ بين الزوجيْن، وزواجَ البدل، ونظرةَ الرجلِ إلى الزوجةِ نظرةً دونيّةً بحيث لا ترى المرأةَ فيها إلا مربيةً لأطفالِهِ وراعيةً لبيتِهِ دونَ مراعاةٍ لمشاعرِها كإنسانٍ وزوجة، والجهلَ وعدمَ الفهمِ السليمِ لأحكامِ الشريعةِ الخاصّةِ ببناءِ الأسرة، وما فرضَ اللهُ على كلٍّ من الزوجيْنِ من حقوقٍ نحوَ الآخر، وما أمرَ به عند حدوثِ نشوزٍ أو إعراضٍ من الزوجيْنِ وما وضعَهُ من قيودٍ على الطلاقِ وجعلَهُ في أضيقِ الحدودِ أو عندَ الضرورة، وفسادَ الأخلاق، والسعيَ وراءَ الشهوات، وتبديدَ الأموالِ في المحرّماتِ وسوءَ التربيةِ مع انتشارِ مظاهرِ الترفِ الاقتصاديِّ التي تدفعُ إلى التسابقِ في شكليّاتٍ ترهقُ الزوجَ ماديّاً وتدفعُهُ في النهايةِ إلى الطلاق.(9)
من اللازمِ هنا توضيحُ نقطةٍ في غايةِ الأهميّةِ هي أنَّ التغييراتِ الاجتماعيّةَ التي شهدَها العراقِ بعد عام 2003 كان لها دورٌ كبيرٌ في إحداثِ تحوّلاتٍ وانقلاباتٍ مهمّةٍ وخطرةٍ في البنيةِ الاجتماعيّةِ للمجتمعِ العراقيِّ وكذلك في منظومتِهِ القيميّة، فضلاً عمّا يمكنُ تأشيرُهُ من تحوّلاتٍ في التراتبيةِ الاجتماعيّةِ بصورةٍ دراماتيكيّة، وصعودِ فئاتٍ اجتماعيّة وأفرادٍ ما كان لهم في يومٍ من الأيامِ التفكيرُ في تسنّمِ مراكزَ وأدوارٍ اجتماعيّةٍ لولا التغيّرُ الذي حدثَ بعد الاحتلال، كلُّ ذلك وغيرُهُ تركَ اثارَهُ العميقةُ على النظامِ الأسَريّ، والعلاقةُ الاجتماعيّةُ داخلَ هذه المؤسّسة، وجعلُهُ من السهلِ واليسيرِ أن تفكَّ عرى العلاقةِ الزوجية، ومن ثمّ الوصولُ إلى حالِ الطلاقِ بين الزوجيْنِ بالرغمِ من كلِّ ما يمكنُ أن يسفرَ عنه من مشكلاتٍ وأزماتٍ على صعيدِ الأفرادِ أصحابِ العلاقةِ والجماعاتِ الاجتماعيّةِ التي يتصلونَ بها كالعائلةِ والأقارب، وصولاً الى المجتمعِ الكبير..
*بحث لمركز الإرشاد الأسري التابع للعتبة الحسينية نشر تحت عنوان: «رؤية نفس اجتماعية للطلاق»
الهوامش
1- - عمر، ماهر محمود، سيكولوجية العلاقات الاجتماعية. الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1992، ص23.
2- عمر، ماهر محمود . مصدر سبق ذكره، ص32.
3- - غالب، مصطفى (1985) الحياة الزوجية وعلم النفس، بيروت، دار مكتبة الهلال.
4 - الشعراوي، زيلعي علي (1993)، أثر الصناعة في الأسرة دراسة في مدينة الدمامن حلب، دار الصابوني.
5 - الثاقب، فهد ثاقب (1999) المرأة والطلاق في المجتمع الكويتي، الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية، الكويت، مجلس النشر العلمي.
6 - وزارة العدل (1420)، الكتاب الإحصائي السنوي، الرياض.
7- تصريح للقاضي رحيم العكيلي، وغيره من القضاة العراقيين في اكثر من مناسبة واكثر من مرة وخاصة على قناة الحرة عراق الفضائية... التاريخ والوقت غير متوفر.
8- بسيوني، أميرة عبد المنعم، الأسرة المصرية، القاهرة، دار الكتاب للطباعة والنشر، 1967.
9- الجابر، أمينة (1996)، ظاهرة الطلاق في المجتمع القطري وعلاجها في ضوء التشريع الإسلامي، دراسات الخليج والجزيرة العربية، 202-175 - 72.