وكذا لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت - بل في شيء منه - في حالة يمكن توجّه التكليف إليه، فلا يضرّ النوم المستوعب لجميع الوقت ولو لم يكن باختيار منه كُلّاً أو بعضاً، ولكن في إلحاق الجنون والإغماء والسكر بالنوم إشكال فلا يترك الاحتياط للمجنون وللمغمى عليه بغير اختيار إذا كان مسبوقاً بالنيّة وأفاق أثناء النهار بتمام الصوم وإن لم يفعل فالقضاء، وللسكران وللمغمى عليه عن اختيار مع سبق النيّة بالجمع بين الإتمام إن أفاق أثناء الوقت والقضاء بعد ذلك.
مسألة 971: لا يجب قصد الوجوب والندب ولا الأداء ولا غير ذلك من صفات الأمر والمأمور به، نعم إذا كان النوع المأمور به قصديّاً كالقضاء والكفّارة - على ما سيأتي - لزم قصده، ولكن يكفي فيه القصد الإجماليّ كالقصد إلى المأمور به بالأمر الفعليّ مع وحدة ما في الذمّة.
مسألة 972: يعتبر في القضاء قصده، ويتحقّق بقصد كون الصوم بدلاً عمّا فات، ويعتبر في القضاء عن الغير قصد النيابة عنه في ذلك بإتيان العمل مطابقاً لما في ذمّته بقصد تفريغها، ويكفي في وقوعه عن نفسه عدم قصد النيابة عن الغير، وإذا كان ما في ذمّته واحداً مردّداً بين كونه القضاء عن نفسه أو عن غيره كفاه القصد الإجماليّ.
مسألة 973: يعتبر في الصوم - كما مرّ - العزم عليه وهو يتوقّف على تصوّره ولو بصورة إجماليّة على نحو تميّزه عن بقيّة العبادات، كالذي يعتبر فيه ترك الأكل والشرب بما له من الحدود الشرعيّة، ولا يجب العلم التفصيليّ بجميع ما يفسده والعزم على تركه، فلو لم يتصوّر البعض - كالجماع - أو اعتقد عدم مفطريّته لم يضرّ بنيّة صومه.
مسألة 974: لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وإن لم يكن الشخص مكلّفاً بالصوم كالمسافر، فإن نوى غيره متعمّداً بطل - وإن لم يخلّ ذلك بقصد القربة على الأحوط لزوماً - ولو كان جاهلاً به أو ناسياً له إلى آخر النهار صحّ ويجزئ حينئذٍ عن شهر رمضان لا عمّا نواه، وكذلك إذا علم أو تذكّر قبل الزوال وجدّد النيّة.
مسألة 975: يكفي في صحّة صوم رمضان وقوعه فيه، ولا يعتبر قصد عنوانه، ولكن الأحوط استحباباً قصده ولو إجمالاً بأن ينوي الصوم المشروع غداً، ومثله في ذلك الصوم المندوب فيتحقّق إذا نوى صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا كان الزمان صالحاً لوقوعه فيه وكان الشخص ممّن يجوز له التطوّع بأن لم يكن مسافراً ولم يكن عليه قضاء شهر رمضان، وكذلك الحال في المنذور بجميع أقسامه، إلّا إذا كان مقيّداً بعنوان قصديّ كالصوم شكراً أو زجراً، ومثله القضاء والكفّارة ففي مثل ذلك إذا لم يقصد المعيّن لم يقع، نعم إذا قصد ما في الذمّة وكان واحداً أجزأ عنه.
مسألة 976: وقت النيّة في الواجب المعيّن - ولو بالعارض - عند طلوع الفجر الصادق على الأحوط لزوماً، بمعنى أنّه لا بُدَّ فيه من تحقّق الإمساك عنده مقروناً بالعزم ولو ارتكازاً لا بمعنى أنّ لها وقتاً محدّداً شرعاً، وأمّا في الواجب غير المعيّن فيمتدّ وقتها إلى ما قبل الزوال وإن تضيّق وقته، فله تأخيرها إليه ولو اختياراً، فإذا أصبح ناوياً للإفطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجباً فنوى الصوم أجزأه، وإن كان ذلك بعد الزوال لم يجز على الأحوط لزوماً، وأمّا في المندوب فيمتدّ وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يقترن فيه الصوم بالنيّة.
مسألة 977: يجتزأ في شهر رمضان كلّه بنيّة واحدة قبل الشهر، فلا يعتبر حدوث العزم على الصوم في كلّ ليلة أو عند طلوع الفجر من كلّ يوم وإن كان يعتبر وجوده عنده ولو ارتكازاً - على ما سبق - ويكفي هذا في غير شهر رمضان أيضاً كصوم الكفّارة ونحوها.
مسألة 978: إذا لم ينوِ الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو الموضوع أو للجهل بهما ولم يستعمل مفطراً ثُمَّ تذكّر أو علم أثناء النهار يجتزئ بتجديد نيّته قبل الزوال، ويشكل الاجتزاء به بعده فلا يترك الاحتياط بتجديد النيّة والإتمام رجاءً ثُمَّ القضاء بعد ذلك.
مسألة 979: إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ندباً أو قضاءً أو نذراً أجزأ عن شهر رمضان إن كان، وإذا تبيّن أنّه من شهر رمضان قبل الزوال أو بعده جدّد النيّة، وإن صامه بنيّة شهر رمضان بطل، وأمّا إن صامه بنيّة الأمر الواقعيّ المتوجّه إليه - إمّا الوجوبيّ أو الندبيّ - حكم بصحّته، وإن صامه على أنّه إن كان من شعبان كان ندباً وإن كان من شهر رمضان كان وجوباً صحّ أيضاً، وإذا أصبح فيه ناوياً للإفطار فتبيّن أنّه من شهر رمضان جرى عليه التفصيل المتقدّم في المسألة السابقة.
مسألة 980: تجب استدامة النيّة إلى آخر النهار، فإذا نوى القطع فعلاً أو تردّد بطل وإن رجع إلى نيّة الصوم على الأحوط لزوماً، وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردّد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريّته، وإذا تردّد للشكّ في صحّة صومه لم يضرّ بصحّته، هذا في الواجب المعيّن، أمّا الواجب غير المعيّن فلا يقدح شيء من ذلك فيه إذا رجع إلى نيّته قبل الزوال.
مسألة 981: لا يصحّ العدول من صوم إلى صوم وإن بقي وقت المعدول إليه، نعم إذا كان أحدهما غير متقوّم بقصد عنوانه ولا مقيّداً بعدم قصد غيره - وإن كان مقيّداً بعدم وقوعه - صحّ وبطل الآخر، مثلاً : لو نوى صوم الكفّارة ثُمَّ عدل إلى المندوب المطلق صحّ الثاني وبطل الأوّل، ولو نوى المندوب المطلق ثُمَّ عدل إلى الكفّارة وقع الأوّل دون الثاني.
المفطرات
وهي أُمور :
الأوّل، والثاني: الأكل والشرب مطلقاً، ولو كانا قليلين، أو غير معتادين.
مسألة 982: لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم وإن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه، ولا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً، نعم لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه التخليل.
مسألة 983: الأحوط استحباباً عدم ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس من الخلط إذا وصل إلى فضاء الفم، أمّا إذا لم يصل إلى فضاء الفم فلا إشكال فيه.
مسألة 984: لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان كثيراً وكان اجتماعه باختياره كتذكّر الحامض مثلاً.
مسألة 985: لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق ممّا لا يسمّى أكلاً أو شرباً - غير الاحتقان بالمائع كما سيأتي - فإذا صبّ دواءً في جرحه أو أُذُنه أو في إحليله أو عينه فوصل إلى جوفه لم يضرّ بصحّة صومه، وكذا إذا طعن برمح أو سكّين فوصل إلى جوفه وغير ذلك.
نعم إذا تمَّ إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق يصدق الأكل والشرب على إدخال الطعام فيه فيكون مفطراً كما هو الحال فيما إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف، وأمّا إدخال الدواء ونحوه كالمغذّي بالإبرة في العضلة أو الوريد فلا بأس به، وكذا تقطير الدواء في العين أو الأُذُن ولو ظهر أثره من اللون أو الطعم في الحلق.
الثالث: الجماع قُبُلاً ودُبُراً، فاعلاً ومفعولاً به، حيّاً وميّتاً.
ولو قصد الجماع وشكّ في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدّم حكمه، ولكن لم تجب الكفّارة عليه.
ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ - مثلاً - فدخل في أحد الفرجين من غير قصد.
مسألة 986: لا فرق في بطلان الصوم بالجماع بين قصد الإنزال به وعدمه.
مسألة 987: إذا جامع نسياناً ثُمَّ تذكّر وجب الإخراج فوراً فإن تراخى بطل صومه.
الرابع: الكذب على الله تعالى، أو على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو على الأئمّة (عليهم السلام) على الأحوط وجوباً، بل الأحوط الأولى إلحاق سائر الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بهم، من غير فرق بين أن يكون في أمر دينيّ أو دنيويّ، وإذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضرّ، وإن قصد الكذب فبان صدقاً كان من قصد المفطر، وقد تقدّم حكمه.
مسألة 988: إذا تكلّم بالكذب غير موجّه خطابه إلى أحد، أو موجّهاً له إلى من لا يفهم معناه وكان يسمعه من يفهم أو كان في معرض سماعه - كما إذا سجّل بآلة - جرى فيه الاحتياط المتقدّم.
الخامس: رمس تمام الرأس في الماء على المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم)، ولكن المختار أنّه لا يضرّ بصحّة الصوم بل هو مكروه كراهة شديدة، ولا فرق في ذلك بين الدفعة والتدريج، ولا بأس برمس أجزاء الرأس على التعاقب وإن استغرقه، وكذا إذا ارتمس وقد أدخل رأسه في غطاء كامل كما يصنعه الغوّاصون.
مسألة 989: لا يلحق المضاف بالماء في الحكم المتقدّم.
مسألة 990: الأحوط استحباباً للصائم في شهر رمضان وفي غيره عدم الاغتسال برمس الرأس في الماء.
السادس: تعمّد إدخال الغبار أو الدخان الغليظين في الحلق على الأحوط وجوباً، ولا بأس بغير الغليظ منهما، وكذا بما يتعسّر التحرّز عنه عادة كالغبار المتصاعد بإثارة الهواء.
السابع: تعمّد البقاء على الجنابة حتّى يطلع الفجر، ويختصّ بشهر رمضان(1) وقضائه، أمّا غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا يقدح فيه ذلك.
مسألة 991: فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم فيصحّ صومه مع البقاء على الجنابة.
مسألة 992: لا يبطل الصوم بالإصباح جنباً لا عن عمدٍ، سواء في ذلك صوم شهر رمضان وغيره، حتّى قضاء شهر رمضان - وإن لم يتضيّق وقته - وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.
مسألة 993: لا يبطل الصوم - واجباً أو مندوباً، معيّناً أو غيره - بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل بالبقاء على حدث مسّ الميّت عمداً حتّى يطلع الفجر .
مسألة 994: إذا أجنب عمداً في ليل شهر رمضان في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم ملتفتاً إلى ذلك فهو من تعمّد البقاء على الجنابة، نعم إذا تمكّن من التيمّم وجب عليه التيمّم والصوم، والأحوط استحباباً قضاؤه، وإن ترك التيمّم وجب عليه القضاء والكفّارة.
مسألة 995: إذا نسي غسل الجنابة ليلاً حتّى مضى يوم أو أيّام من شهر رمضان وجب عليه القضاء، ولا يلحق به غيره من الصوم الواجب، وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً، كما لا يلحق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً.
مسألة 996: إذا كان المجنب في شهر رمضان لا يتمكّن من الغسل لمرض ونحوه وجب عليه التيمّم قبل الفجر، فإن تركه كان ذلك من تعمّد البقاء على الجنابة، وإن تيمّم لم يجب عليه أن يبقى مستيقظاً إلى أن يطلع الفجر، وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
مسألة 997: إذا ظنّ سعة الوقت فأجنب فبان ضيقه حتّى عن التيمّم فلا شيء عليه وإن كان الأحوط الأولى القضاء مع عدم المراعاة.
مسألة 998: حدث الحيض والنفاس كالجنابة في أنّ تعمّد البقاء عليهما مبطل للصوم في شهر رمضان(2) بل ولقضائه على الأحوط لزوماً دون غيرهما، وإذا حصل النَّقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم أو لم تعلم بنقائها حتّى طلع الفجر صحّ صومها.
مسألة 999: حكم المرأة في الاستحاضة القليلة حكم الطاهرة وهكذا في الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة، فلا يعتبر الغسل في صحّة صومهما، وإن كان الأحوط استحباباً أن تراعيا فيه الإتيان بالأغسال النهاريّة التي للصلاة.
مسألة 1000: إذا أجنب في شهر رمضان ليلاً ونام حتّى أصبح، فإن نام ناوياً لترك الغسل لحقه حكم تعمّد البقاء على الجنابة، وكذا إذا نام متردّداً فيه على الأحوط لزوماً، وإن نام ناوياً للغسل فإن كان في النومة الأُولى صحّ صومه إذا كان واثقاً بالانتباه لاعتيادٍ أو غيره، وإلّا فالأحوط لزوماً وجوب القضاء عليه، وإن كان في النومة الثانية - بأن نام بعد العلم بالجنابة ثُمَّ أفاق ونام ثانياً حتّى أصبح - وجب عليه القضاء دون الكفّارة، وإذا كان بعد النومة الثالثة فالأحوط استحباباً أداء الكفّارة أيضاً، وكذلك في النومين الأوّلين إذا لم يكن واثقاً بالانتباه.
وإذا نام عن ذهول وغفلة عن الغسل - لا عن أصل وجوب صوم الغد - وجب عليه القضاء، والأحوط الأولى أداء الكفّارة أيضاً في النوم الثالث.
مسألة 1001: يجوز النوم الأوّل والثاني مع كونه واثقاً بالانتباه، والأحوط لزوماً تركه إذا لم يكن واثقاً به، فإن نام ولم يستيقظ فالأحوط لزوماً القضاء حتّى في النومة الأُولى، بل الأحوط الأولى أداء الكفّارة أيضاً ولا سيّما في النومة الثالثة.
مسألة 1002: إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلى الغسل منه، ويجوز له الاستبراء بالبول وإن علم ببقاء شيء من المنيّ في المجرى، ولكن لو اغتسل قبل الاستبراء بالبول فالأحوط الأولى تأخيره إلى ما بعد المغرب - ما لم يكن ضرريّاً - إلّا إذا علم بعدم خروج شيء من المنيّ بذلك.
مسألة 1003: يعدّ النوم الذي احتلم فيه ليلاً من النوم الأوّل، فإذا أفاق ثُمَّ نام كان نومه بعد الإفاقة هو النوم الثاني.
مسألة 1004: يلحق النوم الرابع والخامس بالثالث فيما تقدّم من الحكم.
مسألة 1005: لا تلحق الحائض والنفساء بالجنب فيما مرّ، فيصحّ منهما الصوم مع عدم التواني في الغسل وإن كان البقاء على الحدث في النوم الثاني أو الثالث، وأمّا معه فيحكم بالبطلان وإن كان في النوم الأوّل.
الثامن: إنزال المنيّ بفعل ما يؤدّي إلى نزوله مع احتمال ذلك وعدم الوثوق بعدم نزوله، وأمّا إذا كان واثقاً بالعدم فنزل اتّفاقاً أو سبقه المنيّ بلا فعل شيء لم يبطل صومه.
التاسع: الاحتقان بالمائع ولو مع الاضطرار إليه لمرض، ولا بأس بالجامد وإن كان الأحوط استحباباً اجتنابه، كما لا بأس بما تدخله المرأة من المائع أو الجامد في مهبلها.
مسألة 1006: إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدُّبُر، لم يكن مفطراً وإن كان الأحوط استحباباً تركه.
مسألة 1007: يجوز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامداً أو مائعاً وإن كان الأحوط استحباباً تركه.
العاشر : تعمّد القيء وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه، ولا بأس بما كان سهواً أو من غير اختيار .
مسألة 1008: يجوز التجشّؤ للصائم وإن احتمل خروج شيء من الطعام أو الشراب معه، والأحوط لزوماً ترك ذلك مع اليقين بخروجه ما لم يصدق عليه التقيّؤ وإلّا فلا يجوز .
مسألة 1009: إذا خرج بالتجشّؤ شيء ثُمَّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً، وأمّا إذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه اختياراً بطل صومه وعليه الكفّارة على الأحوط لزوماً فيهما.
مسألة 1010: إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق وجب إخراجه وصحّ صومه، وأمّا إن تذكّر بعد وصوله إلى الموضع الذي لا يعدّ إنزاله إلى الجوف أكلاً فلا يجب إخراجه بل لا يجوز إذا صدق عليه التقيّؤ، وإن شكّ في ذلك وجب الإخراج.
مسألة 1011: إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا تقيّأ، أو لم يكن عازماً على ترك التقيّؤ - مع الالتفات إلى كونه مانعاً عن صحّة الصوم - في الوقت الذي لا يجوز تأخير النيّة إليه اختياراً المختلف باختلاف أنحاء الصوم كما تقدّم في المسألة (976)، ولا فرق في ذلك كلّه بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه بالقيء وعدم الانحصار به.
بعض ما يتوهّم بأنّه من المفطرات
مسألة 1012: ليس من المفطرات مصّ الخاتم، ومضغ الطعام للصبيّ، وذوق المرق ونحوها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، أو تعدّى من غير قصد، أو نسياناً للصوم - أمّا ما يتعدّى عمداً فمبطل وإن قلّ - وكذا لا بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعماً في ريقه - ما لم يكن لِتفتُّت أجزائه - ولا بمصّ لسان الزوج والزوجة، والأحوط الأولى الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة، ولكن لا يترك الاحتياط بعدم بلع الريق مع عدم استهلاكها فيه.
آداب الصوم
مسألة 1013: يكره للصائم فيما ذكره الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) ملامسة الزوجة وتقبيلها وملاعبتها إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الإنزال، وإن قصد الإنزال كان من قصد المفطر، ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصبر والمسك، وكذا دخول الحمّام إذا خشي الضعف، وإخراج الدم المُضعِّف، والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، وشمّ كلّ نبت طيّب الريح، وبلّ الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء، والحقنة بالجامد، وقلع الضرس بل مطلق إدماء الفم، والسواك بالعود الرطب، والمضمضة عبثاً، وإنشاد الشعر إلّا في مراثي الأئمّة (عليهم السلام) ومدائحهم.
وفي الخبر : (إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تكذبوا ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغضبوا ولا تسابّوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادلوا ولا تباذوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى والحديث طويل.
ارتكاب المفطرات سهواً أو إكراهاً أو اضطراراً
المفطرات المذكورة إنّما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار، وأمّا مع السهو وعدم القصد فلا تفسده، من غير فرق في ذلك بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب، فلو أخبر عن الله تعالى ما يعتقد أنّه صدق فتبيّن كذبه أو كان ناسياً لصومه فاستعمل المفطر أو دخل في جوفه شيء قهراً بدون اختياره لم يبطل صومه، ولا فرق في البطلان مع العمد بين العالم والجاهل، نعم لا يحكم ببطلان صوم الجاهل القاصر غير المتردّد بالإضافة إلى ما عدا الأكل والشرب والجماع من المفطرات، وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريّتها على حجّة شرعيّة.
مسألة 1014: إذا أُكره الصائم على الأكل أو الشرب أو الجماع فأفطر به بطل صومه، وكذا إذا كان لتقيّة سواء كانت التقيّة في ترك الصوم - كما إذا أفطر في يوم عيدهم تقيّة - أم كانت في أداء الصوم كالإفطار قبل الغروب، فإنّه يجب الإفطار حينئذٍ ولكن يجب القضاء، وأمّا لو أُكره على الإفطار بغير الثلاثة المتقدّمة أو أتى به تقيّة ففي بطلان صومه إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط بالإتمام والقضاء.
مسألة 1015: إذا غلب العطش على الصائم وخاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجيّاً عليه بحدّ لا يتحمّل جاز له أن يشرب بمقدار الضرورة ولا يزيد عليه على الأحوط لزوماً، ويفسد بذلك صومه، ويجب عليه الإمساك تأدّباً في بقيّة النهار إذا كان في شهر رمضان على الأحوط لزوماً، وأمّا في غيره من الواجب الموسّع أو المعيّن فلا يجب الإمساك.
كفّارة الصوم
تجب الكفّارة بتعمّد الإفطار بالأكل أو الشرب أو الجماع أو الاستمناء أو البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان، أو بأحد الأربعة الأُول في قضائه بعد الزوال، أو بشيء من المفطرات المتقدّمة في الصوم المنذور المعيّن، ويختصّ وجوب الكفّارة بمن كان عالماً بكون ما يرتكبه مفطراً، ويلحقه على الأحوط لزوماً الجاهل المقصِّر المتردّد في المفطريّة، وأمّا الجاهل القاصر أو المقصّر غير المتردّد فلا كفّارة عليه، فلو استعمل مفطراً باعتقاد أنّه لا يبطل الصوم لم تجب عليه الكفّارة سواء اعتقد حرمته في نفسه أم لا، فلو استمنى متعمّداً عالماً بحرمته معتقداً - ولو لتقصير - عدم بطلان الصوم به فلا كفّارة عليه، نعم لا يعتبر في وجوب الكفّارة العلم بوجوبها.
مسألة 1016: كفّارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة، وصوم شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مدّ، والأحوط الأولى في الإفطار على الحرام الجمع بين الخصال الثلاث.
وكفّارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ فإن لم يتمكّن صام ثلاثة أيّام.
وكفّارة إفطار الصوم المنذور المعيَّن كفّارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين - لكلّ واحد مدّ - أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متواليات.
مسألة 1017: تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين، لا في يوم واحد حتّى في الجماع والاستمناء، فإنّها لا تتكرّر بتكرّرهما وإن كان الاحتياط فيهما في محلّه.
مسألة 1018: من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة الإفطار في شهر رمضان تصدّق بما يطيق - أي يطعم أقلّ من ستّين مسكيناً حسب تمكّنه - ومع التعذّر يتعيّن عليه الاستغفار، ولكن يلزم التكفير عند التمكّن على الأحوط وجوباً.
مسألة 1019: إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان فالأحوط وجوباً أنّ عليه كفّارتين، ويعزّر بما يراه الحاكم الشرعيّ، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، ولا تلحق الزوجة بالزوج إذا أكرهت زوجها على ذلك.
مسألة 1020: إذا علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم، وتردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة معه لم تجب عليه، وإذا علم أنّه أفطر أيّاماً ولم يدرِ عددها اقتصر في الكفّارة على القدر المعلوم، وإذا شكّ في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفّر بإطعام ستّين مسكيناً ولا يكفيه إطعام عشرة مساكين على الأحوط لزوماً.
مسألة 1021: إذا أفطر متعمّداً ثُمَّ سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفّارة، وأمّا إذا أفطر متعمّداً ثُمَّ عرض له عارض قهري من حيض أو نفاس أو مرض أو نحو ذلك من الأعذار لم تجب عليه الكفّارة وإن كان الأحوط استحباباً أداؤها، ولا سيّما إذا كان العارض القهريّ بتسبيب منه خصوصاً إذا كان بقصد سقوط الكفّارة.
مسألة 1022: إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمّل عنها الكفّارة وإن كان آثماً بذلك، كما لا تجب الكفّارة عليها أيضاً.
مسألة 1023: وجوب الكفّارة موسّع، ولكن لا يجوز التأخير في أدائها إلى حدّ يُعدّ توانياً وتسامحاً في أداء الواجب.
وستأتي جملة من أحكام الكفّارة في كتاب الكفّارات فراجع.
بعض موارد وجوب القضاء دون الكفّارة
مسألة 1024: يجب القضاء دون الكفّارة في موارد:
الأوّل: نوم الجنب حتّى يصبح على تفصيل قد مرّ .
الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة من دون استعمال المفطر .
الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوماً أو أكثر .
الرابع: من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاته بنفسه ولا حُجّة على طلوعه، وأمّا إذا كان مع قيام الحجّة على طلوعه وجب القضاء والكفّارة، وإذا كان مع المراعاة بنفسه فلا قضاء ولو مع الشكّ في بقاء الليل، ولا فرق في ذلك بين جميع أقسام الصوم.
الخامس: الإفطار قبل دخول الليل باعتقاد دخوله، حتّى فيما إذا كان ذلك من جهة الغيم في السماء على الأحوط لزوماً، بل الأحوط وجوباً ثبوت الكفّارة فيه أيضاً إذا لم يكن قاطعاً بدخوله.
مسألة 1025: إذا شكّ في دخول الليل لم يجز له الإفطار، وإذا أفطر أثم وكان عليه القضاء والكفّارة، إلّا أن يتبيّن أنّه كان بعد دخول الليل، وكذا الحكم إذا قامت حجّة على عدم دخوله فأفطر، أمّا إذا قامت حجّة على دخوله أو قطع بدخوله فأفطر فلا إثم ولا كفّارة، نعم يجب عليه القضاء إذا تبيّن عدم دخوله، وإذا شكّ في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر، وإذا تبيّن الخطأ بعد استعماله فقد تقدّم حكمه.
السادس: إدخال الماء إلى الفم بمضمضة أو غيرها لغرض التبرّد عن عطش فيسبق ويدخل الجوف، فإنّه يوجب القضاء دون الكفّارة، وإن نسي فابتلعه فلا قضاء، وكذا إذا أدخله عبثاً فسبقه إلى جوفه، وهكذا سائر موارد إدخال الماء أو غيره من المائعات في الفم أو الأنف وتعدّيه إلى الجوف بغير اختيار، وإن كان الأحوط الأولى القضاء فيما إذا كان ذلك في الوضوء لصلاة النافلة بل مطلقاً إذا لم يكن لوضوء صلاة الفريضة.
ولا فرق في الحكم المذكور بين صوم شهر رمضان وغيره من الصيام.
السابع: سبق المنيّ بفعل ما يثير الشهوة - غير المباشرة مع المرأة - إذا لم يكن قاصداً ولا من عادته، فإنّه يجب فيه القضاء دون الكفّارة، وأمّا سبقه بالمباشرة مع المرأة كاللمس والتقبيل فالظاهر وجوب القضاء والكفّارة فيه وإن لم يكن قاصداً ولا من عادته، هذا إذا كان يحتمل سبق المنيّ احتمالاً معتدّاً به، وأمّا إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج فسبقه اتّفاقاً، فالظاهر عدم وجوب القضاء ولا الكفّارة عليه في الصورتين.
شروط صحّة الصوم ووجوبه
مسألة 1026: يشترط في صحّة الصوم أُمور :
1. الإسلام، فلا يصحّ الصوم من الكافر، نعم إذا أسلم في نهار شهر رمضان ولم يأت بمفطر قبل إسلامه فالأحوط لزومـا أن يمسـك بقيّة يومه بقصد ما في الذمّـة وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك، وأمّا الإيمان فلا يعتبر في الصحّة - بمعنى سقوط التكليف - وإن كان معتبراً في استحقاق المثوبة.
2. العقل وعدم الإغماء، فلو جُنَّ أو أغمي عليه بحيث فاتت منه النيّة المعتبرة في الصوم وأفاق أثناء النهار لم يصحّ منه صوم ذلك اليوم، نعم إذا كان مسبوقاً بالنيّة في الفرض المذكور فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه على ما سبق.
3. الطهارة من الحيض والنفاس، فلا يصحّ من الحائض والنفساء ولو كان الحيض أو النفاس في جزء من النهار .
4. عدم الإصباح جنباً، أو على حدث الحيض أو النفاس كما تقدّم.
5. أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة، فإنّه لا يجوز له أداء الصوم الواجب، إلّا في ثلاثة مواضع:
أحدها: الثلاثة أيّام وهي التي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتّع لمن عجز عنه.
ثانيها: صوم الثمانية عشر يوماً، التي هي بدل البدنة كفّارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب.
ثالثها: صوم النافلة في وقت معيّن، المنذور إيقاعه في السفر أو الأعمّ منه ومن الحضر .
وكذلك لا يجوز الصوم المندوب في السفر، إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة، والأحوط لزوماً أن يكون ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة.
مسألة 1027: يصحّ الصوم من المسافر الجاهل - سواء أكان جهله بأصل الحكم أم بالخصوصيّات أم بالموضوع - وإن علم في الأثناء بطل، ولا يصحّ الصوم من المسافر الناسي على الأحوط لزوماً.
مسألة 1028: يصحّ الصوم من المسافر الذي حكمه التمام كناوي الإقامة والمسافر سفر معصية ونحوهما، ولا يصحّ ممّن يتخيّر بين القصر والتمام وهو المسافر في الأماكن الأربعة: مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة والكوفة وحرم الحسين (عليه السلام).
مسألة 1029: لا يصحّ الصوم من المريض - ومنه الأرمد - إذا كان يتضرّر به لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه، كلّ ذلك بالمقدار المعتدّ به الذي لم تجرِ العادة بتحمّل مثله، ولا فرق بين حصول اليقين بذلك والظنّ والاحتمال الموجب لصدق الخوف المستند إلى المناشئ العقلائيّة، وكذا لا يصحّ الصوم من الصحيح إذا خاف حدوث المرض فضلاً عمّا إذا علم ذلك، أمّا المريض الذي لا يتضرّر من الصوم فيجب عليه ويصحّ منه.
مسألة 1030: لا يكفي الضعف في جواز الإفطار في شهر رمضان ولو كان مفرطاً إلّا أن يكون حرجيّاً بحدٍّ لا يتحمّل عادة فيجوز الإفطار ويجب القضاء بعد ذلك، وكذا إذا أدّى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكّن من غيره، أو كان العامل بحيث لا يتمكّن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش، والأحوط لزوماً فيهم الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة والإمساك عن الزائد.
مسألة 1031: إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف ففي صحّة صومه إشكال وإن كان الضرر بحدّ لا يحرم ارتكابه مع العلم به فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، وإذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل، إلّا إذا كان قد تمشّى منه قصد القربة فإنّه يحكم بصحّته عندئذٍ إذا بان عدم الضرر بعد ذلك.
مسألة 1032: قول الطبيب إذا كان يوجب الظنّ بالضرر أو احتماله الموجب لصدق الخوف جاز لأجله الإفطار، ولا يجوز الإفطار بقوله في غير هذه الصورة، وإذا قال الطبيب: لا ضرر في الصوم، وكان المكلّف خائفاً جاز له الإفطار، بل يجب إذا كان الضرر المتوهّم بحدٍّ محرّم، وإلّا فيجوز له الصوم رجاءً ويجتزئ به لو بان عدم الضرر بعد ذلك.
مسألة 1033: إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر فالأحوط لزوماً أن ينوي ويصوم ويقضي بعد ذلك.
مسألة 1034: يصحّ الصوم من الصبيّ المميّز كغيره من العبادات.
مسألة 1035: لا يجوز التطوّع بالصوم - وإن كان منذوراً - لمن عليه قضاء شهر رمضان، نعم إذا نسي أو جهل أنّ عليه قضاءه فصام تطوّعاً فذكر أو علم بعد الفراغ صحّ صومه.
ويجوز التطوّع لمن عليه صوم واجب لكفّارة أو قضاء منذور أو إجارة أو نحوها، كما أنّه يجوز أن يصوم الفريضة عن غيره وإن كان عليه قضاء شهر رمضان.
مسألة 1036: يشترط في وجوب الصوم: البلوغ، والعقل، والحضر، وعدم الإغماء، وعدم المرض، والخلوّ من الحيض والنفاس.
مسألة 1037: لو صام الصبيّ تطوّعاً وبلغ في الأثناء ولو قبل الزوال لم يجب عليه الإتمام وإن كان هو الأحوط استحباباً، ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقاً بالنيّة فالأحوط لزوماً أن يتمّ صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك.
مسألة 1038: إذا سافر قبل الزوال جاز له الإفطار بل وجب على الأحوط لزوماً خصوصاً إذا كان ناوياً للسفر من الليل، وإن كان السفر بعده جاز له إتمام الصيام بل وجب على الأحوط لزوماً ولا سيّما إذا لم يكن ناوياً للسفر من الليل.
وإذا كان مسافراً ولم يتناول المفطر حتّى دخل بلده أو بلداً نوى فيه الإقامة، فإن كان دخوله قبل الزوال صام يومه على الأحوط وجوباً ويجتزئ به، وإن كان بعده لم يجب عليه صيامه، ولو صام لم يجتزئ به على الأحوط لزوماً، وإذا تناول المفطر في سفره ثُمَّ دخل بلده مثلاً استحبّ له الإمساك إلى الغروب.
مسألة 1039: المناط في الشروع في السفر قبل الزوال وبعده - وكذا في الرجوع منه - هو البلد لا حدّ الترخّص، نعم لا يجوز الإفطار للمسافر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص فلو أفطر قبله عالماً بالحكم وجبت الكفّارة.
مسألة 1040: يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً ولو للفرار من الصوم ولكنّه مكروه، إلّا في حجّ أو عمرة، أو غزو في سبيل الله تعالى، أو مال يخاف تلفه، أو إنسان يخاف هلاكه.
وإذا كان على المكلّف صوم واجب معيّن لم يجز له السفر إذا كان واجباً بإيجار ونحوه، وكذا الثالث من أيّام الاعتكاف، ويجوز فيما إذا كان واجباً بالنذر، وفي إلحاق اليمين والعهد به إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.
مسألة 1041: يجوز للمسافر التملّي من الطعام والشراب وكذا الجماع في النهار على كراهة في الجميع والأحوط استحباباً الترك ولا سيّما في الجماع.
موارد ترخيص الإفطار
وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص:
منهم: الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذّر عليهم الصوم، وكذلك إذا كان فيه حرج ومشقّة عليهم ولكن يلزمهم حينئذٍ الفدية عن كلِّ يوم بمدّ من الطعام، والأفضل كونها من الحنطة، بل كونها مُدّين، بل هو أحوط استحباباً، ولا يجب عليهم القضاء لاحقاً مع التمكّن منه وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
ومنهم: الحامل المقرب التي يضرّ بها الصوم أو يضرّ حملها، والمرضعة قليلة اللبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد، وعليهما القضاء بعد ذلك، كما أنّ عليهما الفدية أيضاً، ولا يجزئ الإشباع عن التصدّق بالمُدّ في الفدية من غير فرق بين مواردها.
مسألة 1042: لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها، وأن يكون لغيرها، والأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها بأن لم يكن هناك طريق آخر لإرضاع الطفل ولو بالتبعيض من دون مانع أو بالإرضاع الصناعيّ، وإلّا لم يجز لها الإفطار .
ثبوت الهلال
يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر أو غيرهما، وبالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره من المناشئ العقلائيّة، وبمضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان، أو ثلاثين يوماً من هلال شهر رمضان فيثبت هلال شوّال، وبشهادة عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء، ولا بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين، ولا بقول المنجّمين، ولا بغيبوبته بعد الشفق ليدلّ على أنّه لليلة السابقة، ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية، ولا برؤيته قبل الزوال ليكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق، ولا بتطوّق الهلال ليدلّ على أنّه لليلة السابقة، كما لا يثبت بحكم الحاكم وإن لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده، نعم إذا أفاد حكمه أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه.
ويعتبر في الرؤية أن تكون بالعين غيـــر المسلّحـــة، فلــو رئي الهــلال بالتلسكــوب - مثلاً - ولم يمكن رؤيته بدونه لم يكفِ في دخول الشهر الجديد.
مسألة 1043: لا تختصّ حجّيّة البيّنة (شهادة العدلين) بالقيام عند الحاكم، بل كلّ من علم بشهادتها عوّل عليها، ولكن يعتبر عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها وعدم وجود معارض لشهادتها ولو حكماً، كما إذا استهلّ جماعة كبيرة من أهل البلد فادّعى الرؤية منهم عدلان فقط، أو استهلّ جمع ولم يدّع الرؤية إلّا عدلان ولم يره الآخرون وفيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر، مع فرض صفاء الجوّ وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهما، فإنّ في مثل ذلك لا عبرة بشهادة البيّنة.
مسألة 1044: إذا رئي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق، بمعنى كون الرؤية الفعليّة في البلد الأوّل ملازماً للرؤية في البلد الثاني لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك.
أحكام قضاء شهر رمضان وموارد وجوب الفدية
مسألة 1045: لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا أو الجنون أو الإغماء أو الكفر الأصليّ، إلّا إذا أفاق المجنون أو المغمى عليه في أثناء النهار مع سبق النيّة ولم يتمّ الصوم فإنّه يلزم القضاء على ما مرّ في المسألة (970).
ويجب قضاء ما فات لغير ذلك من ارتداد أو حيض أو نفاس أو نوم أو سكر أو مرض، وإذا رجع المخالف إلى مذهبنا يجب عليه قضاء ما فاته، وأمّا ما أتى به على وفق مذهبه أو على وفق مذهبنا مع تمشّي قصد القربة منه فلا يجب قضاؤه عليه.
مسألة 1046: إذا شكّ في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء، وإذا شكّ في عدد الفائت بنى على الأقلّ.
مسألة 1047: لا يجب الفور في القضاء، وإن كان الأحوط استحباباً عدم تأخير قضاء صوم شهر رمضان عن شهر رمضان الثاني، وإن فاتته أيّام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين ولا الترتيب، وإن عيّن لم يتعيّن إلّا إذا كان له أثر، وإذا كان عليه قضاء من شهر رمضان سابق ومن لاحق لم يجب التعيين، كما لا يجب الترتيب فيجوز قضاء اللاحق قبل السابق ويجوز العكس، نعم إذا تضيّق وقت اللاحق بمجيء شهر رمضان الثالث فالأحوط الأولى قضاء اللاحق، وإن نوى السابق صحّ صومه ووجبت عليه الفدية.
مسألة 1048: لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب بالأصل - كصوم الكفّارة - أو الواجب بالعرض إذا كان فريضة بالأصل - كقضاء صوم شهر رمضان عن الغير بإجارة - فله تقديم أيّهما شاء، وأمّا إذا لم يكن فريضة بالأصل كصوم نذر التطوّع فلا يصحّ ممّن عليه قضاء شهر رمضان كما مرّ .
مسألة 1049: إذا فاتته أيّام من شهر رمضان بمرض، ومات قبل أن يبرأ لم تُقضَ عنه، وكذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه أو بعد ما طهرت قبل مضيّ زمان يمكن القضاء فيه.
مسألة 1050: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض واستمرّ به المرض إلى شهر رمضان الثاني سقط قضاؤه، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ ولا يجزئ القضاء عن التصدّق، وأمّا إذا فاته بعذر غير المرض وجب القضاء وتجب الفدية أيضاً على الأحوط لزوماً، وكذا إذا كان سبب الفوت المرض وكان العذر في التأخير السفر، وكذا العكس.
مسألة 1051: إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه لعذر وأخّر القضاء إلى شهر رمضان الثاني مع تمكّنه منه عازماً على التأخير أو متسامحاً ومتهاوناً وجب القضاء والفدية معاً، وهكذا إذا كان عازماً على القضاء - قبل مجيء شهر رمضان الثاني - فاتّفق طروّ العذر، ولا فرق في ذلك بين المرض وغيره من الأعذار .
وإذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر ولم يقضِه إلى شهر رمضان الثاني - لأيّ سبب كان - وجب عليه القضاء وكذا الفدية أيضاً على الأحوط لزوماً، وإذا كان فوته بالإفطار فيه متعمّداً تجب كفارة الإفطار أيضاً.
مسألة 1052: إذا استمرّ المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرّة للأوّل ومرّة للثاني، وهكذا إن استمرّ إلى أربعة رمضانات، فتجب مرّة ثالثة للثالث، وهكذا، ولا تتكرّر الكفّارة للشهر الواحد.
مسألة 1053: يجوز إعطاء فدية أيّام عديدة من شهر واحد ومن شهور إلى فقير واحد.
مسألة 1054: لا تجب فدية الزوجة على زوجها، ولا فدية العيال على المعيل، ولا فدية واجب النفقة على المنفق.
مسألة 1055: لا تجزئ القيمة في الفدية، بل لا بُدَّ من دفع العين وهو الطعام، وكذا الحكم في الكفّارات.
مسألة 1056: يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب، ولا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء لنفسه، بل تقدّم أنّ عليه الكفّارة، أمّا قبل الزوال فيجوز إذا كان موسّعاً، وأمّا الواجب الموسّع غير قضاء شهر رمضان فيجوز الإفطار فيه مطلقاً، وإن كان الأحوط استحباباً ترك الإفطار فيه بعد الزوال.
مسألة 1057: لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة والكفّارة، وإن كان الأحوط استحباباً الإلحاق.
قضاء صوم الميّت من وليّه
مسألة 1058: يجب على الأحوط على وليّ الميّت - وهو الولد الذكر الأكبر حال الموت - أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر ممّا وجب عليه قضاؤه، هذا إذا لم يكن قاصراً حين موته - لصغرٍ أو جنون - ولم يكن ممنوعاً من إرثه لبعض أسبابه كالقتل والكفر وإلّا لم يجب عليه ذلك.
وأمّا ما فات أباه عمداً أو أتى به فاسداً لجهل تقصيريّ فلا يلحق بما فات عن عذر ولا يجب قضاؤه، وإن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء عنه.
مسألة 1059: الأحوط استحباباً إلحاق الأكبــر الذكـــر في جميع طبقــات المواريـــث - على الترتيب في الإرث - بالولد الأكبر في الحكم المتقدّم، كما أنّ الأحوط استحباباً إلحاق الأمّ بالأب.
مسألة 1060: لا يجب على الوليّ قضاء ما لم يحرز اشتغال ذمّة الأب بقضائه من الصوم الفائت عنه بعذر، ولا يكفي في ذلك إقراره به عند موته ما لم يحصل الاطمئنان بمطابقته للواقع.
مسألة 1061: إذا علم أنّه كان على الأب القضاء وشكّ في إتيانه به في حال حياته وجب على الوليّ قضاؤه على الأحوط.
وقد تقدّم في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلّقة بالمقام لأنّ المقامين من باب واحد.
مسألة 1062: من مات وعليه قضاء صوم شهر رمضان يكفي التصدّق بدلاً عن القضاء بمدّ من الطعام عن كلّ يوم، ولا بأس بإخراجه من تركته فيما إذا رضيت الورثة بذلك، وعندئذٍ لا يجب القضاء على وليّه وإن كان الأحوط الأولى له عدم الاكتفاء به.
الصوم المندوب والمكروه والحرام
مسألة 1063: الصوم من المستحبّات المؤكّدة، وقد ورد أنّه جُنّة من النار، وزكاة الأبدان، وبه يدخل العبد الجَنّة، وأنّ نوم الصائم عبادة ونَفَسَه وصمته تسبيح، وعمله متقبّل، ودعاءه مستجاب، وخلوف فمه عندالله تعالى أطيب من رائحة المسك، وتدعو له الملائكة حتّى يفطر، وله فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة حين يلقى الله تعالى.
مسألة 1064: أفراد الصوم المندوب كثيرة، وعدّ من المؤكّد منه صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، والأفضل في كيفيّتها أوّل خميس من الشهر، وآخر خميس منه، وأوّل أربعاء من العشر الأواسط، وصوم يوم الغدير، فإنّه يعدل - كما في بعض الروايات - (مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات)، وصوم يوم مولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ويوم مبعثه، ويوم دحو الأرض - وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة - ويوم عرفة لمن لا يُضْعِفه عن الدعاء مع عدم الشكّ في الهلال، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة، وتمام رجب، وتمام شعبان، وبعض كلّ منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل، ويوم النوروز، وأوّل يوم المحرّم وثالثه وسابعه، وكلّ خميس وكلّ جمعة إذا لم يصادفا عيداً.
مسألة 1065: يكره الصوم في موارد: منها الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء، والصوم فيه مع الشكّ في الهلال بحيث يحتمل كونه عيد أضحى، وصوم الضيف تطوّعاً أو لواجب غير معيّن بدون إذن مُضيفه، وصوم الولد نافلة من غير إذن والده.
مسألة 1066: يحرم صوم العيدين، وأيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً كان أم لا، ويوم الشكّ على أنّه من شهر رمضان، ونذر المعصية بأن ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكراً، أمّا زجراً فلا بأس به، وصوم الوصال وهو صوم يوم وليلة إلى السحر أو صوم يومين بلا إفطار في البين.
ولا بأس بتأخير الإفطار ولو إلى الليلة الثانية إذا لم يكن عن نيّة الصوم، والأحوط استحباباً اجتنابه.
مسألة 1067: الأحوط استحباباً أن لا تصوم الزوجة تطوّعاً أو لواجب غير معيّن بدون إذن الزوج وإن كان يجوز لها ذلك إذا لم يمنع عن حقّه، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه.
والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر: منهاج الصالحين ـ الجزء الأول للسيد السيستاني
--------------------
الهوامش: (1) يحتمل أن يكون وجوب القضاء في تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان عقاباً مفروضاً على الصائم لا من جهة بطلان صيامه، فاللازم أن يراعي الاحتياط في النية بأن يمسك عن المفطرات في ذلك اليوم بقصد القربة المطلقة من دون تعيين كونه صوماً شرعيّاً أو لمجرّد التأديب. (2) يجري فيهما ما تقدّم في تعمّد البقاء على الجنابة.