هذا السؤال نسلط عدة أضواء من الأجوبة في سبيل تحديد المنطق أو تحديد المبرر المنطقي والموضوعي لوجود الأنبياء في هذه البقعة الجغرافية من خلال عدة وجوه:
الوجه الأول: ما يعبر عنه علماء الكلام بضرورة اللطف الإلهي.
ومعناه نتناوله من خلال زاويتين:
الزاوية الأولى:
المجتمع البشري يحتاج إلى نظام شمولي، ومعنى ذلك أنه يحتاج إلى نظام يتكفل الحاجات الأساسية للمجتمع البشري، يتكفل إشباعها وتغذيتها:
الحاجة الأولى: حاجة الإنسان في دعم عقله في الصراع بين العقل والنفس، يحتاج الإنسان في خضم هذا الصراع إلى قيم تدعم العقل في مجال صراعه مع النفس، التاريخ البشري مع أنه مليء بالأنبياء والمصلحين وما زالت الاعتداءات ومازال الإنسان يعيش روح الاعتداء والاغتصاب والإجرام، ما زالت الجرائم حتى في عصر التكنولوجيا والقانون تشغل حيزاً كبيراً من الفراغ في المجتمع البشري، فكيف لو لم يكن هناك أنبياء ولا رسل ولا مصلحون! الصراع بين العقل والنفس صراع مترسخ في الطبيعة البشرية فلذلك يحتاج الإنسان إلى قيم تدعم العقل في مجال هذا الصراع، وتحاول أن تأخذ بالإنسان وترتقي به من حضيض النفس إلى قمة العقل، فأي نظام يوفر هذه القيم؟ ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8»﴾ [الشمس: 7 - 8]
الحاجة الثانية: يحتاج المجتمع البشري إلى نظام يشكل دافعاً حرارياً نحو القيم الأخلاقية، المجتمع البشري لديه قيم أخلاقية، يؤمن بالعدل، الصدق، الأمانة ولكنه يمارس هذه القيم بدافع بشري إما بدافع المروءة وإما بدافع حب الإنسانية، فالإنسان يمارس القيم الأخلاقية بدوافع بشرية لكن هذه الدوافع ليست مضمونة الاستمرار ولا مضمونة البقاء حتى لو زوحمت بمؤثرات أقوى وظروف قاهرة، لا يمكن ضمان بقاء القيم الأخلاقية إلا بدافع سماوي إلهي، وإلا الدوافع البشرية دوافع مرحلية قد تتبخر أمام أي ظرف قاهر وأمام أي ضغط، لذلك كثير من أبناء المجتمع الغربي يمارس القيم الأخلاقية ولكن بمجرد أن يخضع لضغط معين أو لمؤثرات أقوى تنتهي عنده هذه الممارسة، فحتى يُضمن بقاء القيم الأخلاقية ويضمن حرارتها واستمرارها تحتاج إلى دافع إلهي، فأي نظام يوفر هذا الدافع الإلهي للقيم الأخلاقية؟ ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9]، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]
الحاجة الثالثة: المجتمع البشري يحتاج إلى نظام يوفق بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع، إلى الآن نرى طغيان نظام الرأسمالي ونتيجة طغيان هذا النظام في مئة وخمسين سنة عاشتها البشرية ما زالت كثير من المجتمعات الإفريقية ترزح تحت خط الفقر، تحت أرجلها الكنوز والمعادن والطاقات لكنها شعوب مستعمرة نتيجة هيمنة النظام الرأسمالي على الأرض، إذن البشرية ما زالت تحتاج إلى نظام يوفق بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية، فأي نظام يوفر ذلك؟
الحاجة الرابعة: المجتمع البشري لا يحتاج فقط إلى حضارة تكنولوجية تسيطر على الفضاء كما نعيشه الآن، تحتاج إلى حضارة إنسانية، حضارة تكنولوجية قائمة على قيم إنسانية من أهمها قيمة الأخوة والتراحم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
الحاجة الخامسة: المجتمع البشري يعيش في عالم محدود وهو عالم المادة الذي يعبر عنه القرآن بعالم الشهادة ولكن وراء هذا العالم هناك عالم آخر، فأي نظام يستطيع أن يربط عالم الشهادة بعالم الغيب، عالم المادة بما وراءه من العوالم بحيث يكون عالم المادة طريقاً ممهداً للعوالم الأخرى؟ ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14]
عندما تتأمل في هذه الحاجات الخمس: حاجة المجتمع البشري إلى نظام يدعم العقل في صراعه مع النفس، وحاجة المجتمع البشري إلى نظام يخلق دافعاً حرارياً نحو القيم الأخلاقية، وحاجة المجتمع البشري إلى نظام يوفق بين المصالح الفردية والاجتماعية في مجال الاقتصاد، وحاجة المجتمع البشري إلى نظام يؤسس الحضارة التكنولوجية على أسس إنسانية، وحاجة المجتمع البشري إلى نظام يربط بين عالم الشهادة وعالم الغيب، إذن المجتمع البشري محتاج إلى نظام شمولي يتكفل إشباع هذه الحاجات الخمس، هل يستطيع العقل البشري أن يصنع هذا النظام؟ غير ممكن، العقل البشري ابن بيئته وابن زمانه، لا يمكن للعقل البشري أن يرقى أكثر من بيئته وزمانه بحيث يخترع نظاماً يشبع هذه الحاجات ويكون صالح لكل زمان وكل مكان، بالنتيجة أصبح المجتمع البشري محتاجاً إلى النظام السماوي الذي يصنعه خالق البشر، خالق العقل وليس العقل.
الزاوية الثانية:
بما أن المجتمع البشري يحتاج إلى النظام السماوي الذي يشبع الحاجات الخمس، فعدم إعطاء الله هذا النظام فهو إما لجهله وإما لعجزه وإما لعبثه وهو تعالى منزه عن كل ذلك، لا يمكن أن يحرم البشرية من النظام لجهله وهو العالم بكل شيء، ولا يمكن أن يحرم البشرية من النظام لعجزه وهو القادر على كل شيء، ولا يمكن أن يحرم البشرية من النظام لعبثه وهو الحكيم تعالى، إذن مقتضى علمه وقدرته وحكمته أن ينزل النظام السماوي على المجتمع البشري، وهذا ما يعبر عنه علماء الكلام بقاعدة اللطف، ولذلك يقول تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] بالنظام الذي يشبع الحاجات الخمس التي تعرضنا لذكرها.
من هنا نقول ما دام العقل البشري يحكم بضرورة وجود نظام إلهي على الأرض كلها، إذن العقل البشري بنفسه يحكم أنه لا يوجد مجتمع إلا وفيه رسول أو نبي أو أن يكون هناك رسول للبشرية كلها كأولي العزم، صحيح أن أولي العزم عاشوا في منطقة خاصة نوح وموسى وعيسى وإبراهيم والنبي محمد ، لكن كانت رسالتهم للبشرية كلها، فما دام العقل يحكم بضرورة اللطف أي ضرورة وجود لكل البشرية إذن العقل يحكم بأنه لكل البشرية رسل، لكل البشرية أنبياء، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وعدم وجودنا لأنبياء في أمريكا لا يعني عدم الوجود، لذلك القرآن الكريم يقول: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 24] ويقول: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ﴾ [يونس: 47] ويقول: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]
إذن كل المجتمعات البشرية عاشت هذا النظام أي وجود الرسل والأنبياء، ولو افترضنا أن قوم ما وصلتهم رسالة فهم معذورون أمام الله لا يعذبون قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15] رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165]
الوجه الثاني: متى اكتشفنا التاريخ حتى نحاسب عن عدم وجودنا للأنبياء في الأمريكيتين أو استراليا؟
عندما نرجع إلى الموسوعات التاريخية نجد أن الإنسان قد اكتشف التاريخ بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد أي ثلاثة آلاف قبل الميلاد، لأن أول شكل من أشكال الكتابة وجد كان قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد لأجل ذلك بدأت كتابة الإنسان للتاريخ منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، من هنا بدأت الكتابة وبدأ يُكتب التاريخ.
ومن جهة أخرى أين كان يكتب التاريخ؟ كان يكتب في بلاط الملوك وأحبار الوثنيين، ما كانت الشعوب تمتلك القدرة على الكتابة، الملوك لقدرتهم المادية ولديهم كتَّاب معينين كتبوا التاريخ منطلقاً من بلاط الملك، ولم يكتب التاريخ منطلقاً من حضارات الشعوب، لذلك لم تصلنا إلا كتابات الملوك وأخبارهم وأحبارهم وعلماؤهم، فمن الطبيعي إذا كان التاريخ لم يكتب إلا قبل ثلاثة آلاف سنة من الميلاد ولم يكتب إلا من خلال بلاط الملوك وأحبارهم فمن الطبيعي أن لا ينقل لنا التاريخ تاريخ الأنبياء والمصلحين؛ لأن تاريخ الأنبياء والمصلحين في جبهة معارضة لتاريخ الملوك وأحبارهم، من الطبيعي أن لا ينقل لنا ذلك أين عاش الأنبياء وما هو تاريخهم وما هي مراحل حياتهم باعتبار أن التاريخ رُسم انطلاقاً من بلاط الملك وليس من قلب حضارة الشعوب في تلك الأزمنة.
لاحظ حتى الفرق المسيحية الصغيرة فضلاً عما قبل المسيح، يقول ابن حزم بأن التاريخ الإنساني قد كتب قبل المسيح، ولكن التاريخ الديني ليس لدينا أي فصول قبل المسيح أي كأنما بدأت كتابة التاريخ الديني بعد وجود المسيح عيسى بن مريم ، لذلك تجد أن كثير من الفرق المسيحية نفسها اندثر ولا يُعلم لها وجود، لم نعلم ببعض الفرق المسيحية إلا من خلال مخطوطات نجع الحمادي التي اكتشفت عام 1945 في مصر، أو من خلال كتابات يوحنا الدمشقي في كتابه ينابيع المعرفة الذي كتبه في الرد على بعض الهراطقة وبعض الفرق المسيحية، من هنا علمنا أن هناك فرق مسيحية غير الفرق الموجودة الآن، فإذا كانت فرق مسيحية عاشت بعد المسيح لم نكتشفها حتى الآن فكيف نكتشف تاريخ الأديان والانبياء قبل إبراهيم وموسى وعيسى أي قبل الميلاد بثلاثة ألاف سنة ولا طريق للكشف عنها!
الوجه الثالث: كثير من الحداثيين يركز على البحوث الأركيولوجية.
وهي التي تعتمد على استنطاق التاريخ من خلال الجيولوجيا وطبقات الأرض والآثار كالمصنوعات اليدوية وآثار فخارية، ورقاع، وصخور، وقبور معينة، هؤلاء يقولون إذا رجعنا إلى الأبحاث الأركيولوجية لم نجد للأنبياء وجود، فالأبحاث الأركيولوجية لا تذكر أن هناك آثار للأديان ولا للأنبياء، لا في أوروبا ولا في أمريكا ولا أستراليا، بل الأبحاث الأركيولوجية لا تظهر آثار حتى لأنبياء الشرق الأوسط، أي لا نجد أثر لنوح ولا لفرقان موسى، إذن أين هم؟ ما دامت الأبحاث الأركيولوجية لا تحصي ولا تُظهر أثراً بارزاً لهم فأين عاشوا!
وهذا المنطق الذي يعتمد على البحث الأركيولوجي هو منطق غير موضوعي ويتبين ذلك من خلال ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: هل أن البحوث الأركيولوجية علم مثل علم الفيزياء والرياضيات؟ علم يوصل إلى اليقين والوثوق بالحدث؟ لا ليس كذلك؛ الأبحاث الأركيولوجية ليست علم، فهناك فرق بين دراسة الأنظمة الطبيعية ودراسة الأنظمة الثقافية، دراسة الأنظمة الطبيعية تعتمد على هذه المختبرات المعملية تعتمد على القياس الفيزيائي والحسابي، تعتمد على بصمات الإنسان ولمساته على الطبيعة والأرض، ولكن عندما تريد أن تدرس عقيدة وثقافة، فالثقافة والعقيدة هي عبارة عن حركة فكرية، والحركة الفكرية لا تخضع للمختبرات المعملية، الحركة الفكرية لا تخضع للصخرة والقبر والأثر، الحركة الفكرية لا يمكن الوصول إليها بالوثوق عبر صخور أو آثار فخارية أو كتابات على الصخور، يمكن الحدس منها ولكن لا يمكن الوثوق بها، لأجل ذلك ما زالت الأبحاث الأركيولوجية كما يقول كثير من العلماء مجرد تجميعات تقنية وليست علماً لأنها لا تستطيع أن تصل إلا إلى بصمات للإنسان على الطبيعة والأرض، ولا تستطيع أن تقرأ حركة فكرية تسمى عقيدة أو ثقافة من خلال بعض الكتابات أو الصخور أو الآثار الفخارية.
النقطة الثانية: الأبحاث الأركيولوجية مختلف في تفسيرها، يقول أحد المتخصصين في هذا المجال ندوف نامان محاضر أركيولوجي في دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب عن الأبحاث الأركيولوجية: إن الأبحاث الأركيولوجية مفتوحة على التفسيرات المختلفة وأحياناً المتناقضة؛ لأنها مختلفة في تحديد طبقية الآثار الفخارية، ووظيفة المباني والمصنوعات اليدوية، وفي الحفريات وتقدير عدد السكان والتسلسل الهرمي للمستوطنات، أي ما زالت مفاصل أساسية لقراءة التاريخ لم تصل الأبحاث الأركيولوجية فيها إلى نتيجة لاختلاف التفسيرات والتحليلات لها فكيف نعتبرها علماً نعتمد عليه في إثبات وجود أنبياء وعدم وجود أنبياء!
النقطة الثالثة: كتابة التاريخ ليس شيئاً سهلاً، يريد بعض الحداثيين كتابة التاريخ ويعيدوا كتابته بلا أنبياء ولا مصلحين، إعادة كتابة التاريخ مشروع أكبر وأعظم من مستوى الأبحاث الأركيولوجية؛ لأن إعادة كتابة التاريخ تحتاج إلى علم التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإدارة، أربعة علوم تعتمد عليها كتابة التاريخ وتحليل التاريخ، بينما المتصدون للأبحاث الأركيولوجية اليوم لا يملكون هذه المؤهلات، يصرح بعض العلماء مثل ما ذكره جيوفاني غاربيني وهو مستشرق إيطالي له عدة مقالات يقول: إن المتصدين للأبحاث الأركيولوجية ليسوا مؤهلين أكاديمياً من الناحية التاريخية هم مجرد علماء لاهوت إذن كيف يعتمد على هذه الأبحاث في إثبات وجود أديان أو عدم وجودها من خلال صخرة أو قبر أو نقش معين، أو في إثبات وجود أنبياء أو نفي وجودهم!
الوجه الرابع:
عندما نراجع التاريخ نجد أن كثير من الفرق قد تكون أصولها أنبياء لكنهم الآن يجهلون ذلك، مثلاً زرادشت بعضهم جعله إله بينما عندما نرجع إلى كتاب الفصل في الملل في الأهواء والنحل ينقل لنا أن زرادشت كان من الأنبياء ولكن قومه حرفوا دينه وملته.
يذكر محمد رشيد رضا في مجلة المنار الصادرة عام 1924م أن بوذا نبي والآثار القديمة التي وردت عنه تدل على أنه كان من الأنبياء لكن قومه حرفوا هذه الملة وحرفوا هذه الديانة.
الصابئة هم فرقة تعود إلى ما يذكر أن نبيها يحيى بن زكريا وقد ذكرها القرآن الكريم من جملة الملل الصالحة عندما يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 62]
المجوس أيضاً أصلهم ديانة إلهية، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن الرسول صلى الله عليه وآله: إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه.
إذن كثير من الآثار التي نراها آثار عقيدية أو دينية ربما يكون أصولها أنبياء لكن القرآن لم يقصصهم علينا والقرآن صرح بذلك في قوله تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]
الوجه الخامس: الأمم السابقة لم تحفظ حتى تاريخ العلوم الغريبة، بالتأكيد مرت على البشرية سحرة وأناس متضلعون في الطلاسم وفي العلوم الغريبة وعلم السحر ومع ذلك البشرية لم تحفظ أسماءهم ولم تذكر آثارهم، فإذا كان هؤلاء علماء السحر وعلماء الطلسم وعلماء العلوم الغريبة لم تحفظ البشرية أسماءهم مع كثرتهم وتأثيرهم على الناس فكيف سيحفظون كلمات الأنبياء وأثارهم الذين سبقوا مرحلة التاريخ أي قبل أربعة آلاف سنة! وهم يعتبرون الأنبياء مجرد أناس لا أساس لهم، > ما جاء نبي إلا وكذبوه وما أوذي نبي مثلما أوذيت< كما ورد عن الرسول محمد .
يقول القرآن الكريم: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: 52]
الوجه السادس:
نعم أكثر الرسل والأنبياء ولدوا من هذه البقعة الجغرافية والتي نعبر عنها بالجزيرة العربية بما تشمل بلاد فارس والعراق وبلاد الشام وبلاد مصر، لأنها تاريخياً أول لغة عرفها الإنسان في هذه المنطقة، أول حرف كتب في هذه المنطقة، ومن هذه المنطقة نشأت الحضارة البابلية والحضارة الآشورية والسومرية، وحضارة الفراعنة، وحضارة الروم، وحضارة الفرس، وحضارة الكلدان، أغلب الحضارات انطلقت من هذه البقعة الجغرافية المعينة لذلك تواترت عليها الأنبياء والرسل أكثر من المناطق الأخرى ولا يعني هذا أنها منطقة عربية، كتابة اللغة العربية ظهرت متأخرة، العرب إلى زمان النبي لم يكونوا يكتبون باللغة العربية، كانت اللغة السامية ثم تحولت إلى لغة عبرية، فتحولت اللغة العبرية إلى أخرى ومن ثم اشتقت اللغة العربية، وإلى زمان النبي كانوا يعتمدون في الكتابة على اللغة الآرامية، لذلك الأقوام الذين عاشوا في هذه المنطقة لم يكونوا كلهم عرب بل جزء منهم عرب، وبعضهم فرس، وبعضهم روم، وبعض كرد، وبعضهم ترك... وهكذا، كانت هذه المنطقة تحفل بأقوام مختلفة وبلغات مختلفة وهؤلاء توزعوا في الأرض كلها، كل لغة وقومية اتجهت إلى منطقة معينة فحملت معها آثار أنبيائها ورسلها، هذه البقعة المعينة المعبر عنها بالجزيرة العربية نتيجة لأنها مهد الحضارات وأول اللغات وأول الحروف تواترت عليها الأنبياء والرسل، وكانت فيها البقاع المقدسة منها مكة المكرمة، الكعبة المشرفة ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127] ومنها المدينة المنورة التي تضمنت أروع البطولات لتأسيس الدولة الإسلامية على يد النبي محمد ، لذلك جاء في الروايات الشريفة من العلم المذخور عن الإمام الصادق التخيير بين القصر والتمام للمسافر الذي لم ينوِ إقامة عشر أيام في أماكن أربعة لقداستها وعظمتها عند الله: مكة المكرمة، والمدينة المنور، ومسجد الكوفة مسجد الإمام أمير المؤمنين ، وحائر الحسين ، باعتبار أن هذه المناطق حفلت بأعظم وأروع الصور العبادية وأروع الصور البطولية التي شيدت الدين ورسخت أسس الدين.