لا حياء ولا خصوصية.. قنوات اليوميات على يوتيوب وتدمير البيوت!

فادية مغمومة
زيارات:1013
مشاركة
A+ A A-
انتشرت في السنوات الأخيرة قنوات ربات البيوت على اليوتيوب، ولاقت هذه القنوات مشاهدات بالملايين، مما شجع مئات النساء أو قد يكون الآلاف على افتتاح قنوات خاصة بهن طمعاً بالشهرة والأرباح، وخاصةً إن كانت الحالة المادية للزوج ليست بالجيدة، ففي هذه الحالة يسهل إقناع الزوجة لزوجها بفكرة إنشاء القناة بغية كسب الأرباح بعد تحقق شروط تفعيل الربح الخاصة بموقع يوتيوب.

مراحل البدء بتدمير البيوت:

مما لا شك فيه أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأن كثيرا من المشكلات الكبيرة تبدأ بنقاط صغيرة لا يهتم الشريكان بها، ثم مع تراكم هذه الصغائر، يتكون حاجز يؤدي إلى انفصال شركين ربطتهما علاقة حب وتفاهم وود، وهذا ما يحصل في عالم اليوتيوب حيث يبدأ الأمر بمجرد ظهور عاديّ ثم يتطور الأمر مرحلة بعد أخرى، حتى يصل الطرفان إلى مرحلة اللاعودة، ويحصل الانفصال وتنتشر الأسرار.

1- تصوير  يومي بدون ظهور صاحبة القناة:

في الغالب تبدأ السيدة مؤسسة القناة فيديوهاتها الأولى  بتصوير نشاطاتها خلال اليوم من طبخٍ وتنظيف وعناية بالبشرة.

وأغلب النساء لاتظهر في الفيديوهات الأولى، أي أنها تكتفي فقط بتصوير معدات الطبخ أثناء طهيها لإحدى الطبخات في مطبخها الخاص أو بالحديث عن مكونات مستحضر تجميل قامت بصنعه بنفسها وتنصح النساء الأُخريات بتجربته أو قد تقوم بسرد قصص ونصائح للنساء أو الفتيات من خلال تجربتها في الحياة وذلك بصوتها فقط دون ظهورها .

2- ظهور صاحبة القناة وزوجها في الفيديوهات:

ثمّ بعد مدّة من الزمن تطمح السيدة إلى زيادة المشاهدات والأرباح وخاصة بعد انتشار خبر مفاده أن خوارزميات اليوتيوب تظهر  على محركات بحثها القنوات التي يظهر فيها أصحابها أكثر من تلك التي يكتفي أصحابها بالصوت والصورة دون ظهورهم الشخصي، فتقوم صاحبة القناة برفع فيديو عنوانه أول ظهور لي على القناة، وعندما يحقق هذا الفيديو مشاهدات كبيرة وبالتالي ربحاً يفوق أرباح الفيديوهات السابقة التي لم تكن تظهر بها.

فإنها تستمر بظهورها في الفيديوهات، تارةً تظهر وهي تنظف المنزل، وتارةً تظهر لنا مشتريات الشهر التي ربمّا لم تكن لتشتريها سابقاً قبل إنشاء قناة اليوتيوب، وتارةً تظهر لتقدم النصائح للنساء الأخريات في موضوع يخص النساء.

ويصبح هَمُّ مؤسِّسة القناة وشُغلها الشاغل في حياتها هو عدد المشاهدات والأرباح، فتبدأ بإظهار زوجها وأولادها.

وتبدأ الفيديوهات تظهر بنمط آخر، كفيديو أول ظهور لزوجي وتحدي من يعرف الآخر أكثر، وتحدي من يأكل كميات أكل أكثر، وشاهدوا ماذا أهداني زوجي في عيد زواجنا وربّما لايكون هو من أحضر لها هذه الهدايا، بل السيدة نفسها وذلك لصنع فيديو ومحتوى ورفعه على القناة، وقد تدّعي السيدة أنها حامل (دون أن تكون حامل) وبعد عدة فيديوهات تظهر مدّعيةً أنها خسرت الجنين وتبدأ التعليقات بمواساتها وهذا يؤدي إلى رفع القناة و زيادة المشتركين وزيادة الأرباح.

3- بدء التشهير وفضح الأسرار:

ثمّ يتطور الأمر أكثر فتبدأ مؤسسة القناة بوضع عناوين أكثر جذباً للمشاهدين كالتشهير بحماتها أو سلفتها أو حتى زوجها بعنواين مثيرة تدفع المشاهد إلى الفضول في معرفة فضائح هذه العائلة فيقوم بمشاهدة الفيديو وقد يشترك بالقناة حتى يستطيع مشاهدة فضائح هذه العائلة فَور نشر فيديوهات جديدة ، وسواءً كان التشهير بالاتفاق مع هؤلاء الأقارب أم لا، فإنّ هذه الفيديوهات قد تسبب غالباً مشاكل زوجية كبيرة قد تصل إلى خراب البيوت.

وبعد هذا كلّه إن حدث وسببت القناة مشاكل بين الزوجين وقامت الزوجة بالذهاب إلى بيت أهلها، تبدأ الزوجة بنشر فيديوهات التشهير بالزوج وفضح الأسرار الزوجية مما قد يزيد أيضاً من عدد المشاهدات وزيادة الأرباح، وأحياناً قد لا تقف الأمور عند هذا الحد فقط.

من الأمثلة: فضح الزوجين لبعضهما:

ظهرت  صاحبة  إحدى القنوات مدّعيةً بأن زوجها قد ضربها بعد مشاداتٍ كلامية ليست الأولى بينهما بسبب المحتوى الذي قامت بنشره على قناتها، ومشاكل أخرى تخص الأرباح ومصروف المنزل.

لم يكتفِ الزوج بمشاهدة هذا الفيديو وإصلاح الأمور فيما بينهما بل قام هو الآخر بإنشاء قناة أخرى ورفع فيديوهات محتواها هو فضح زوجته وتكذيبها أمام المشاهدين وذلك بغرض الانتقام من زوجته، لتقوم هي الأخرى بالرد عليه في فيديوهات مماثلة تقوم برفعها على قناتها.

السؤال هو: سواءً كانت هذه الخلافات بينهما حقيقية أو فيديوهات تمثيلية لرفع مستوى القناة وزيادة الأرباح، فهل تستحق مئات الدولارات أو حتى آلاف الدولارات خراب البيوت وفضح أسرار الحياة الزوجية وتشويه سمعة الزوج والزوجة ؟؟ وماذا سيكون موقف الأولاد عندما يكبرون عند حديث الناس عن عيوب أباهم وأمهم وتذكيرهم بالفضائح التي نشروها في قنوات اليوتيوب هذه؟

ومن الأمثلة الأخرى: ادعاء بالطلاق والخطف والموت:

تدّعي صاحبة إحدى القنوات أن زوجها طلق زوجته وطردها من منزله واحتفظ بالأولاد، ثم تظهر الزوجة في قناتها شاتمة زوجها ومتطاولة عليه مع البكاء بحرقة على فراقها لأولادها، فيتفاعل المشتركون بالقناة ويشتمون الزوج ويتطاولون عليه بتعليقاتهم المسيئة أو يقومون بدور المصلحين فيما بينهما ويطلبون منه بأنّ يرجع زوجته إلى منزلها وأن يعيدها إلى عصمته.

ثمّ يفاجئ الزوج الجمهور بظهوره على قناته وهو يوضيح أسباب الخلاف ويقوم بالرد على التعليقات المسيئة له التي ظهرت في قناة زوجته.

ثمّ بعد ذلك يتمّ الصلح بين الزوجين ويقوما بالزواج مرة أخرى وإجراء حفل بحضور أولادهما وبعض الأصدقاء.

وبعدها يدعون حمل الزوجة ورفع عدة فيديوهات تخص الحمل والجنين، ثمّ فيديو خسارة الجنين (الافتراضي) تحت عنوان يتضمن كلمة مؤثر.

كل هذه العناوين قد لاتكفي للوصول إلى نسب مشاهدة كافية لمنشئي مثل هذه القنوات، لذلك لجؤوا إلى الإدعاء بخطف الزوج من قبل مجهولين في بلد معروف بأنه بلد قانون، وصُنع عدة فيديوهات تفتقر إلى الحبكة الجيدة ولكنها مليئة باستعطاف المشاهدين وبالمشاهد التمثيلية التي قد تتفوق أحياناً على موهبة مشاهير التلفاز، حيث تظهر الزوجة وهي تبكي بحرقة وتشتكي خطف زوجها، دون ذكر أي تفاصيل مهمة تخص سبب الخطف أو البلاغ عن واقعة الخطف للجهات المعنية في البلد الذي يقيمون به.

ثمّ تتطور القصة فيدعي أهل المخطوف بأنه قُتل من قبل العصابة، فتنهال التعليقات من قبل المتابعين وتزيد نسب المشاهدات وأرباح القناة.

ولكن هل يعقلُ أن يظل صاحب القناة متوارياً عن أنظار متابعيه؟

وهل يُعقل أن تظلّ الزوجة في حالة حزنٍ على فراق زوجها في كل الفيديوهات؟ في هذه الحالة سيَمل المشاهدون من مشاهدة فيديوهات الحزن المكررة وسيبحثون عن قناة أخرى أكثر تسليةً ومتعة!!

لهذا يجب أن يحيا الزوج من موته، “فسبحان من يُخرج الحي من الميت ويُخرج الميت من الحي” فيعود الزوج في فيديو يحصد مئات آلاف المشاهدات، وتتابع بعد ذلك الفيديوهات على القناة على هذا النمط.

الخطورة والحل:

إن هذه الظاهرة تجعل الحليم حيرانا في إقبال الملايين على متابعة هذه السخافات طبعا كثيرون يقولون إن المتابعين من الأطفال والمراهقين الذي لا يهمهم المحتوى بقدرما يمتعهم مشاهدة حياة الناس، ويضحكون على توافه الأمور، ولكن على ما يبدو أن المتابعة ليست مقتصرة على فئة عمرية دون غيرها وإن كانت الفئة الغالبة هي من صغر الأعمار.

المشكلة في أن مثل هذه الأمور غدت ظاهرة تُقلّد وتعاد من قبل الكثيرين، وكأنه لم يعد ثمة خصوصية بيتية، بل لو سلمنا أن الناس اعتادوا على متابعة اليوميات البيتية الخاصة، إلا أننا كيف سنسلم بإساءة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها والابن لأبيه، وهل يستطيع إنسان أن يفرّق بين سخرية تمثيلية وحياة واقعية، أي هل صحيح أن الإساءة التمثيلية للزوج في مقاطع اليوتيوب تزول بعد انتهاء التسجيل، وهل لا يتحرك شيء عند أحد الزوجين بعد مشاهدة الإساءات على المقاطع المسجلة، إن كان الجواب نعم يمكن التفريق ولن تؤثر هذه الفكاهات التمثيلية على علاقة الزوجين، فهذا يعني أننا صرنا في عالم أسريٍّ جديد لا يتفق مع عالم الأسرة الذي عرف منذ خلقت الدنيا.

الذي يؤكد أن الخلاف يتسع هو كثرة حالات الطلاق بين مشاهير اليوتيوب إذ إن كثيرا من التجارب التي كانت تمثل رومانسية زوجية كانت نهايتها طلاقا وفضائح لا يتحدث بها الأعداء عن بعضهم، ولكن إنه الدولار يا سادة إذا غدا هو المعبود فسيصبح أهم من الزوج ومن الزوجة ومن الفضائح نفسها.

ولكن ما هو حلّ مثل هذه الظواهر؟ أولا علينا ان نقول إن أداة اليوتيوب ليست كلها شرا مطلق، ولا كلها خيرا مطلق، بل هي مثلها مثل باقي الاختراعات الإنسان هو الذي يتحكم بها ويصرفها وفق الوجهة التي يريد.

ولهذا فإننا نقول لا يعني حديثنا عن القنوات التي خربت بيوتها أن معظم صاحبات القنوات كذلك، بل إننا نعرف قنوات كثيرة محترمة لسيدات بيوت حافظت على محتوى راقٍ بعيد عن التلوث السمعي والبصري  حققت مشاهدات كبيرة ومتابعين كثرا، ولم تنزل من مستواها رغم كثرة الغث وكثرة الإقبال عليه.

الحل إذن أن تكون التي تفتح القناة متمتعة بوعي عقلي وانتماء مجتمعي وتفاهم زوجي بحيث تضع خطة لقناتها تتفق مع مبادئ الحياة الطبيعية وتسعى لإيجاد محتوى جاذب لا يضر ببيتها ولا يفضح أسرارها، وبهذا تضمن لنفسها استمرارا من خلال الإبداع في نشر المحتوى الهادف، الذي إذا عمل عليه سيكون منافسا وبقوة لكثير من التفاهات المنتشرة في فضاء الفيديوهات اليومية على وسائل التواصل الاجتماعية.

مواضيع مختارة