هل وقع النبي (ص) تحت تأثير السحر؟!

آية الله الشيخ باقر الإيرواني
زيارات:581
مشاركة
A+ A A-
ربّما يستدلّ البعض على جواز تأثير السحر على النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ، كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم برواية عائشة ، أنّه صلّى الله عليه وآله كان « يخيل إليه » أنّه كان يفعل الشيء.

اشترك بقناتنا ليصلك كل جديد

وما فعله بآية موسى عليهم السلام ، وهو من سورة طه المباركة : ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ) (۱).

وأنّه ترتّب على تأثير السحر بموسى عليه السلام ، وهو التخيّل وعدم إراءة الواقع على حقيقته ، وإيجاد الخوف الخفيف بقوله : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ) (۲).

وإنّ أوّل هذا الخوف بشيء يرفع الحرج عن موسى عليه السلام ، فيردّه قوله تعالى : ( قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ ) (۳).

وهنا نهي صريح ، وقد قال تعالى في موضع آخر : ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) (٤).

فالجمع بين هذه الآيات ينتج عن أنّه :

۱ ـ وقع سيّدنا موسى عليه السلام تحث تأثير السحر.

۲ ـ حصلت لموسى عليه السلام الحالة المطلوبة من السحر « الرهبة » ولو بأضعف مراتبها.

۳ ـ رأى الحبال والعصي على غير حقيقتها المطابقة لواقعها.

هذا زعمهم وأرجو إفادتي بالحقّ.

والجواب هو أنه:

ليس المقصود من ( يُخَيَّلُ ) أنّ موسى كان يتصوّر خطأ ، أنّ ما قام به السحرة قضيّة حقيقيّة ومطابقة للواقع ، حتّى يكون ذلك منافياً لمقام النبوّة ، بل المقصود أنّه كان يدرك إدراكاً قاطعاً إنّ ما أتوا به هو السحر ، ولكن حينما نظر إلى الحيّة ، لاحظها كأنّها تسعى مع علمه بأنّها لا تسعى ، وهذا لا يضرّ بمقام النبوّة.

بخلاف ما نقلته عائشة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث نقلت أنّه كان النبي صلّى الله عليه وآله يتصوّر فعله للشيء ، ولا يدري أنّه لم يفعله ، وهذا يتنافى ومقام النبوة .

والقرينة على أنّ المقصود في حقّ موسى ما أشرنا إليه أمران :

۱ ـ إنّ الآية الكريمة نسبت التخيّل إلى موسى فقط ، ولم تنسبه إلى جميع الحاضرين ، حيث قالت : ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) ولم تقل : يخيّل إليهم ، في الوقت الذي نجد آية ۱۱٦ من الأعراف تقول : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ).

۲ ـ إنّ الآية لم تقل تخيّل موسى بل قالت يخيّل إليه ، أي يصوّر إليه أنّها تسعى ، وإن كان يدري هو أنّها لا تسعى.

وأمّا قوله تعالى : ( فَأَوْجَسَ ... ) ؛ فالمقصود منه خاف موسى من وقوع الناس تحت تأثير الموقف عليهم إلى حدّ يصعب معه إرجاعهم إلى الحقّ ، أو المقصود خاف أن يتركه الناس في الميدان قبل أن يقوم بدوره في إظهار معجزته.

وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : لَمْ يُوجِسْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ خِيْفَةً عَلَى نَفْسِهِ ، بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ ... (٥)

إنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّ موسى خاف من السحر حقيقة.

==============

الهوامش ۱. طه : ٦٦. ۲. طه : ٦۷. ۳. طه : ٦۸. ٤. الأعراف : ۱۱٦. ٥. نهج البلاغة / الخطبة رقم : ٤.
مواضيع مختارة