«كانَ الناسُ ينتظرونَ الحربَ قبلَ عام 1914م بمُنتهى الشغف، وكانوا يتمنّونَ قيامَ الحرب، وكانَ الدافعُ لسيطرةِ هذا الفرحِ عليهم هوَ سيطرةُ الدّاروينيّةِ الاجتماعيّة على الناسِ في تلكَ الفترةِ حيثُ طُبّقَت في مدارسِ أوربـا، فهيَ ترى الحربَ دافعـاً للرّقيّ للأقوى ودافعاً للنّشاط».
عالمَ التاريخِ الأمريكيّ توماس ناب thomas knapp من جامعةِ لويال.
تاريخياً، شهدنا كيف أنَّ الأيديولوجيات سواء الدينية أو الفلسفية كانت في كثير من الأحيان الشرارة التي أطلقت الحروب. لكننا نجد ملاحدة اليوم قد جعلوا ذلك وصمة في جبين الأديان دون غيرها، مع ان موسوعة الحروب Encyclopedia of Wars، المرجع الذي لا يقبل الجدل في هذا الشأن يؤكد خلاف ذلك، حيث تسجل 1763 حربًا على مدار تاريخ البشرية. من بين هذه الحروب، 123 حربًا لها دوافع دينية جزئية، وهو ما يمثل أقل بقليل من 7٪ من إجمالي الحروب. وهنا تبرز النتيجة الأولى التي لا مفر منها: الحروب ذات الدوافع الدينية أقل بكثير من الحروب القائمة على أسباب أخرى.
كيف بدأ الأمر؟
في سبعينيات القرن التاسع عشر، ظهر ما يعرف بـ"الداروينية الاجتماعية" وهي محاولة قام بها بعض الملحدون لتبرير وجود الأخلاق بعيداً عن الدين، فقد أدركَ الفيلسوفُ الوجوديُّ الملحدُ والشرس، (جون بول سارتر)، مبلغَ الإحراجِ الفِكري في مسألةِ أصلِ التمييزِ الأخلاقيّ بينَ الخيرِ والشر، ولذلكَ قال: «يجدُ الوجوديُّ حرجاً بالغاً في ألّا يكونَ اللهُ موجودًا، لأنّه بعدمِ وجودِه تنعدمُ كلُّ إمكانيّةٍ للعثورِ على قيمٍ في عالمٍ واضح. لا يمكنُ أن يكونَ هناكَ خيرٌ بدهيّ لأنّه لا يوجدُ وعيٌ لانهائيُّ وكاملُ منَ الممكنِ التفكيرُ فيه. لم يُكتَب في أيّ مكانٍ أنَّ الخيرَ موجود، ولا أنَّ على المرءِ أن يكونَ صادقاً أو ألّا يكذب».
ومِن هُنا نجدُ أن ريتشارد دوكنز يتّسقُ مع إلحادِه ويلتزمُ بمآلاتِه، فيرفضُ صبغَ الوجودِ ككلٍّ بأيّ صفةٍ قيميّةٍ على الإطلاق، فيقولُ مُقرّاً بمشكلةِ النسبيّةِ الأخلاقيّة: «في هذا العالمِ لا يوجدُ شرٌّ ولا يوجدُ خيرٌ، لا يوجدُ سوى لامبالاةٍ عمياءَ وعديمةِ الرّحمة". ويقولُ أيضاً: إنّه منَ العسيرِ جدّاً الدفاعُ عن الأخلاقِ المُطلقةِ على أسسٍ غيرِ دينيّة».
أمّا الباحثُ الأميركيّ اللا أدري ديفيد برلنسكي فيوضّحُ مقولةَ دوستويفسكي: "إذا كانَ الإلهُ غيرَ موجودٍ فكلُّ شيءٍ مباح" يقولُ شارحاً: «فإذا لم تكُن الواجباتُ الأخلاقيّةُ مأمورةً بإرادةِ الله، ولم تكُن في الوقتِ ذاتهِ مطلقةً، فإنَّ (ما ينبغي أن يكون) هوُ ببساطةٍ ما يقرّرُه الرجالُ والنّساء. لا يوجدُ مصدرٌ آخرُ للحُكم. هل هذهِ إلا طريقةٌ أخرى للقولِ بأنّه طالما أنَّ الإلهَ غيرَ موجود، فكلُّ شيءٍ مباح؟».
وقد أشادَ داروين نفسَهُ بالدورِ الفعّالِ للإيمانِ بالمعبودِ حيثُ يقول: «وبالنسبةِ للأعراقِ الأكثر تمدّناً، فإنَّ الإيمانَ الراسخَ بالوجودِ الخاصِّ بمعبودٍ، مُطّلعٍ على كلِّ شيءٍ قد كانَ له تأثيرٌ فعّال، على التقدّمِ الخاصِّ بالأخلاق».
فأبدعوا لنا نظرية " الانتخاب الاجتماعي" على وزن قانونِ الانتخابِ الطبيعيّ الذي جاء به دارون، والتي تؤكد على دعم السلطوية، وتحسين النسل، والعنصرية، والإمبريالية، والفاشية، والنازية، والصراع بين الجماعات القومية أو العرقية.
اعتقد داروين أن الصراع على الموارد الطبيعية جعل بعض الأفراد يتصفون بخصائص جسدية وعقلية معينة، الأمر الذي أفضى لتكاثرهم بالقياس لغيرهم، مما أدّى بمرور الزمن، وتحت ظروف محددة، إلى صيرورتهم نسلاً مختلفاً لدرجة أنه يمكن أن يعتبر جنساً آخراً.
كما ادعى داروين أن «الغرائز الاجتماعية» مثل «التعاطف» و«الإحساس الأخلاقي» تطورت أيضاً بواسطة الانتخاب الطبيعي وقد أدت هذه القيم إلى تقوية المجتمعات التي ظهرت فيها.
من هنا نفهم سبب ظهور الأيدولوجيات العرقية، كالنازية والفاشية ونحوهما، والتي تجعل عرق معين أرقى من غيره، كما تبيح له استعباده، بل القضاء عليه!!
فتمييزُ البشرِ بحسبِ الجيناتِ الوراثيّة يفتحُ الطريقَ أمامَ صراعٍ عرقيٍّ تنقلبُ معهُ كلُّ المفاهيمِ الأخلاقيّةِ إلى مفاهيمَ لا أخلاقية، ويصبحُ الخيرُ شرّاً، والعنصريّةُ فضيلةً، والعدلُ ضعفاً، والظلمُ قوّةً، والإنصافُ سُخفاً، والرحمةُ جهلاً، وهكذا تكونُ الحقوقُ فقط للأقوى والأكثر صموداً.
والنتيجةُ المُتحصّلةُ مِن هذا التمايزِ العِرقي؛ هوَ منحُ العرقِ المُتحضّرِ مِنها الحقَّ في القضاءِ على العرقِ الهمجي، ضمنَ قانونِ البقاءِ للأصلحِ والانتقاءِ الطبيعي، وقد أكد دارون ذلك بقوله في كتابه "أصل الإنسان": "في مرحلةٍ مستقبليّةٍ معيّنة، ليسَت ببعيدةٍ، سوفَ تقومُ الأعراقُ البشريّةُ المُتحضّرةُ على الأغلبِ بالقضاءِ على الأعراقِ الهمجية واستبدالها في شتى أنحاء العالم.» أصل الإنسان، الفصل السادس.
من هنا نفهم ما قاله المؤرخ الأمريكي توماس ناب المتقدم: «كانَ الناسُ ينتظرونَ الحربَ قبلَ عام 1914م بمُنتهى الشغف، وكانوا يتمنّونَ قيامَ الحرب، وكانَ الدافعُ لسيطرةِ هذا الفرحِ عليهم هوَ سيطرةُ الدّاروينيّةِ الاجتماعيّة على الناسِ في تلكَ الفترةِ حيثُ طُبّقَت في مدارسِ أوربـا، فهيَ ترى الحربَ دافعـاً للرّقيّ للأقوى ودافعاً للنّشاط».
عود على بدأ
وبحسب ما تقدم ظهر أن الإلحاد يؤصل للعنف ويؤسس لانتشار الحروب، وسحق الضعفاء، فرغم أن عمر الإلحاد كظاهرة وتيار لا يتعدى القرون الثلاثة إلا أنه تحصل على الأرقام القياسية في عدد القتلى والحروب، وهذا ما تؤكده المؤرخ جيفري بلايني أن الأيديولوجيين الذين يسارعون إلى ربط العنف بالدين «يميلون إلى نسيان أن أكثر قادة الحرب العالمية الثانية وحشية كانوا ملحدين وعلمانيين، معادين بشدة لكل من اليهودية والمسيحية»، مشيرًا إلى أن «الفظائع الجماعية ارتكبت لاحقًا في الشرق على يد هؤلاء الملحدين المتحمسين، بول بوت وماو تسي تونغ. جميع الأديان، وجميع الأيديولوجيات، وجميع الحضارات تحمل في طياتها صفحات مُلطخة بالعار». الكتاب الأسود للألحاد.
دعونا نسلط الضوء هنا على المذابح المنهجية أو المؤسسية التي وقعت أو لا تزال تحدث باسم الإلحاد المتعصب. نلاحظ بسهولة أنه عندما يتداخل الإلحاد مع السياسة، يخيّم شبح الدمار على الشعوب، مخلفًا عددًا هائلاً من الضحايا، وسنغض الطرف عن العشرين مليون قتيل التي تسببت بها المانيا النازية الملحدة، في الحرب العالمية الثانية، كونها من النتائج المعروفة لأغلب القراء.
الثورة الفرنسية
خلال ما أسماه المؤرخون "الثورة الفرنسية"، اعتُبرت العقيدة الكاثوليكية خصمًا رئيسيًا لأكثر قادتها الملحدون، وقد سعى هؤلاء إلى محو كل أثر للدين في فرنسا، في هذه الفترة التي عرفت تاريخياً بـ"عصر الإرهاب" تبرز منطقة فاندي كأكثر المناطق تضررًا من أهوال الثورة. ففي مطلع عام 1793، أصدرت الجمهورية الفرنسية الأولى الفتية مرسومًا بتجنيد 300 ألف مواطن للدفاع عن مكتسبات الثورة وتوسيع نفوذها إلى الممالك المجاورة، إلا أن رجال منطقة فاندي رفضوا التجنيد. فقوبل هذا الرفض برد فعل عنيف ودموي من الجمهورية الجديدة وجيشها.
قررت لجنة السلامة العامة إرسال "الأعمدة الجهنمية"، وأمر الجنرال "تورو" بإبادة كل فرد من شعب فاندي، بما في ذلك الأطفال، بهدف تحويل فاندي إلى مقبرة جماعية.
كتب "فرانز جوزيف ويسترمان"، القائد في جيش سواحل لاروشيل (جيش فاندي في خدمة النظام الجمهوري)، الملقب بـ "جزار فاندي"، هذه الكلمات المرعبة: «لم تعد هناك فاندي، لقد ماتت بسيفنا الحر مع نسائها وأطفالها. لقد جئت لأدفنها في المستنقعات وغابات سافيناي. بناءً على الأوامر التي تلقيتها، سحقت الأطفال تحت حوافر الخيول، وذبحت النساء حتى لا ينجبن المزيد من قطاع الطرق. ليس لدي أي سجين لألوم نفسي عليه. لقد أبيد كل شيء».
الثورة المكسيكية
كانت الثورة المكسيكية، التي اندلعت شرارتها عام 1910، بمثابة البركان الذي فجّر حممًا من المجازر المعادية للدين، مجازر لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في وحشيتها واتساع رقعتها. وابتداءً من عام 1917، أرسى الدستور الثوري، الذي عُرف بدستور كويريتارو والذي صاغه الرئيس كارانزا، دعائم ديكتاتورية الدولة المطلقة في وجه حقوق الدين. وتضمن الدستور حزمة من المواد التي نُقشت بحبر العداء لرجال الدين. وشهدت البلاد سلسلة من الإجراءات القمعية.
كان الرئيس كاليس، الذي تقلّد سدة الحكم عام 1924، هو مَن نفذ برنامج الاضطهاد المعادي للدين بحذافيره، دون هوادة أو رحمة. وفي مواجهة المقاومة المشروعة من شريحة واسعة من الشعب، ألقى الرئيس على عاتق الجيش مهمة تطبيق قوانين النظام القمعية ضد الدين.
وخلّفت الثورة التي أشعل فتيلها فرانسيسكو ماديرو في نوفمبر 1910 وراءها مليون قتيل من أبناء المكسيك.
الالحاد السوفيتي
قبل ما يقارب من مائة عام، حاولت إحدى دول هذا الاتحاد وهي أوكرانيا أن تتطلع للحرية، فعاقبها القائمون على النظام بأبشع صور الموت، وهو الموت جوعاً، فتسبب بإبادة جماعية متعمدة في عامي 1932 و 1933 راح ضحيتها الملايين فيما بات يطلق عليه لاحقاً، "الإبادة الجماعية المنسية".
في خطاب شهير ألقاه في جامعة هارفارد، شهد الكاتب الروسي ألكسندر سولجينتسين: «... مستندًا إلى تجربة بلد الاشتراكية المحققة، لن أقترح بأي حال من الأحوال بديلاً اشتراكيًا. فكل اشتراكية بشكل عام، وفي جميع تجلياتها، تؤدي إلى التدمير الشامل للجوهر الروحي للإنسان وإلى تسوية البشرية في بوتقة الموت». انحدار الشجاعة، 8 يونيو 1978.
الحرب الأهلية الإسبانية
على الرغم من أن الحرب الأهلية الإسبانية لم تندلع فعليًا حتى عام 1936، إلا أن العنف المعادي للدين بدأ في عام 1931 مع إعلان الجمهورية الإسبانية الثانية. خلال فترة إعداد الدستور الجديد في الكورتيس، أعلن فرانسيسكو لارجو كاباليرو، الذي أطلق عليه لقب "لينين الإسباني" (أصبح رئيسًا للحكومة في سبتمبر 1936)، كلماته بوضوح تام: «لقد حانت ساعة الحساب»، «يجب إعدام جميع الكهنة ورجال الدين»، «يجب استئصال الدين من أرضنا».
في يوليو 1937، أعلنت صحيفة "L'Esquella de la Torratxa" الكاتالونية: «لقد انتهى الأمر، نحن الآن مطمئنون! لقد قتلنا جميع الكهنة، وجميع الذين يشبهون الكهنة، وجميع الذين بدوا لنا كأنهم كهنة».
في 16 فبراير 1938، أرسل السفير الفرنسي في إسبانيا، إريك بيير لابون، التقرير التالي إلى وزير خارجيته:
«إن موقف إسبانيا الجمهورية فيما يتعلق بالدين هو أمر متناقض. يا له من مشهد! منذ ما يقرب من عامين والمجازر المخزية لأعضاء رجال الدين، لا تزال الكنائس تُدمر وتُفرغ وتُترك للريح. لا صيانة، ولا عبادة. في وسط الشوارع المزدحمة أو في الأماكن المعزولة، تبدو أطلال الكنائس وكأنها أماكن موبوءة يتجنب الناس النظر إليها، ويخفون خوفهم ويتظاهرون باللامبالاة. هذه بيوت الله وجراحها تقف كرموز دائمة للانتقام والكراهية. لقد عانت جميع الأديرة من نفس المصير. الرهبان والراهبات والكهنة، كلهم اختفوا. قُتل الكثير منهم، وتمكن آخرون من الفرار إلى فرنسا بمساعدة وجهود قناصلنا. (...) بموجب مراسيم صادرة عن رجال، توقف الدين عن الوجود. توقفت جميع المظاهر الدينية تحت وطأة القمع والصمت. ومع ذلك، تدعي إسبانيا الجمهورية أنها ديمقراطية. حكومتها تعلن ذلك، وتعلن أنها مؤيدة لحرية الفكر وحرية الضمير وحرية التعبير. لقد قبلت العبادة البروتستانتية واليهودية، لكنها لا تتسامح إطلاقاً مع الكاثوليكية. التناقض صارخ لدرجة أنه يثير الشكوك حول صدقها، ويلقي بظلال من الشك على تصريحاتها ومشاعرها الحقيقية».
تسبب "عطش الإبادة" للجبهة الشعبية في مقتل أكثر من 7000 من رجال الدين وعشرات الآلاف من سائر الشعب.
ألبانيا في عهد أنور خوجة
طوال النصف الأول من القرن العشرين، كانت ألبانيا تضم نسبًا متساوية تقريبًا من المسيحيين والمسلمين (47٪ و 53٪ على التوالي).
منذ عام 1946 وحتى عام 1990، تم قمع أي ممارسة دينية بعنف. تميز النظام الشيوعي الألباني، وهي ديكتاتورية مستوحاة من الستالينية من بين الأكثر قمعية، منذ البداية بتنفيذ العديد من عمليات التطهير. قامت الشرطة السرية بتحييد كل من اعتبرتهم معارضين للنظام: مُنع المواطنون من مغادرة البلاد، وحُظرت الأديان، واغتيل بعض القادة الدينيين. في عام 1967، أعلن أنور خوجة، الذي كان آنذاك الأمين العام لحزب العمل الألباني (وقاد البلاد حتى عام 1985)، إغلاق جميع المؤسسات الدينية وأعلن جمهورية ألبانيا الشعبية "أول دولة ملحدة في العالم": أجبر هذا الإلحاد الدولة السكان على التخلي عن أي ممارسة دينية بين عامي 1967 و 1990.
في هذا البلد الصغير الذي لا يزيد عدد سكانه عن 3 ملايين نسمة، حُكم على أكثر من 8000 ألباني بالإعدام (من بينهم العديد من رجال الدين) وأُغلقت آلاف أماكن العبادة. لم ينتهِ الاضطهاد الديني إلا بسقوط الشيوعية في عام 1990.
كوريا الشمالية
في أعقاب استسلام اليابان في 15 أغسطس 1945، فرض كيم إل سونغ نفسه كزعيم رئيسي للبلاد بصفته الأمين العام لحزب العمال الكوري. منذ توليه السلطة، اتبع النظام الشيوعي سياسة قاسية من الاضطهاد الديني، معتبراً الأنشطة الدينية غير قانونية ومعاقباً عليها كجرائم سياسية.
أصبحت أي ممارسة دينية عدوًا للمجتمع بسبب أيديولوجيتين أساسيتين في البلاد: "جوتشي" (التي تدعو إلى الاعتماد على الذات) وعبادة الشخصية الموجهة إلى سلالة كيم.
بما أن النظام قد رفع سلالة كيم إلى مرتبة الألوهية، فإن أي فرد يمارس عبادة أخرى يتعرض للاعتقال الفوري والاحتجاز في معسكر عمل قسري والتعذيب ثم الإعدام. حتى الأطفال تم تشجيعهم من قبل النظام على التنديد بآبائهم المؤمنين أو الممارسين للطقوس الدينية.
يرسم تقرير شهير للأمم المتحدة، نُشر في عام 2014، صورة مرعبة للانتهاكات التي ارتكبتها السلطة الحاكمة.
فيما يلي بعض المقتطفات منه:
• «وجدت اللجنة أن انتهاكات منهجية وواسعة النطاق وفظيعة لحقوق الإنسان قد ارتكبت ولا تزال ترتكب من قبل جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وفي كثير من الحالات، تشكل هذه الانتهاكات جرائم ضد الإنسانية"، "الإبادة والقتل والاسترقاق والتعذيب والاغتصاب والإجهاض القسري وغيره من أشكال العنف الجنسي، والاضطهاد على أساس سياسي وديني وعرقي وجنساني، والترحيل القسري للسكان، والاختفاء، والأعمال اللاإنسانية التي تسبب عمداً مجاعات طويلة الأمد».
• «مات مئات الآلاف من السجناء السياسيين في المعسكرات خلال الخمسين عامًا الماضية».
• «تم القضاء عليهم تدريجيًا من خلال المجاعات المتعمدة والعمل القسري والإعدام والتعذيب والاغتصاب والحرمان من حقوق الإنجاب من خلال العقوبات والإجهاض القسري وقتل الأطفال».
• «يوجد حاليًا ما بين 80 ألف و 120 ألف سجين سياسي محتجزون في أربعة معسكرات سجون كبيرة للسجناء السياسيين».
الصين
عند نشأتها، أعلنت جمهورية الصين الشعبية أنه على الرغم من الإلحاد الشيوعي، فإنها ستضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية لمواطنيها. لكن هذه الكلمات سرعان ما أثبتت زيفها: ففي وقت قصير، طُرد رجال الدين الأجانب، وسُجن معظم المحليين، وأغلقت دور العبادة.
مثلت الثورة الثقافية بين عامي 1966 و 1976، والتي تعرض خلالها عشرات الملايين من الأشخاص للاضطهاد (مع تقديرات لعدد القتلى تصل إلى 20 مليونًا)، بداية فترة مظلمة جديدة للأديان في الصين: تدمير منهجي للقيم الثقافية التقليدية، وتدمير أماكن العبادة، واعتقال وترحيل واغتيال العديد من المؤمنين ورجال الدين.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون مسلم أويغوري، أي ما يُعادل 10 في المائة من هذا الشعب المُسالم، يقبعون اليوم خلف قضبان معسكرات الاعتقال الصينية سيئة السمعة، والتي تُوصف بأنها "معسكرات إعادة تأهيل" في محاولة فجة للتغطية على جرائمها. وهناك عشرات الآلاف غيرهم ممن حُكم عليهم بالإعدام أو بالسجن مدى الحياة، في انتهاك صارخ لأبسط حقوق الإنسان.
رغم أن منطقة شينجيانغ، التي يقطنها الأويغوريون، كانت تعاني بالفعل من القمع والمراقبة المُشددة باسم الإلحاد الذي تتبناه الدولة الصينية، إلا أن حملة القمع الوحشية الحالية اتخذت منعطفًا جديدًا وأكثر شراسة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. فقد استغلت الحكومة الصينية هذه المأساة العالمية لتبرير قمعها الوحشي بحجة "مكافحة الإرهاب"، ولتصعيد حملتها ضد الأويغوريين، الذين أصبحوا يُنظر إليهم كـ "تهديد أمني" محتمل.
لم يقتصر الأمر على القمع الديني، بل تحول إلى حرب شاملة على الإسلام، حيث تم تدمير آلاف المساجد ومصادرة الكتب الدينية، في محاولة لطمس الهوية الإسلامية للأويغوريين.
النجاشي الأحمر
أدخلت الثورة الإثيوبية، التي أطاحت بالإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974، البلاد في حقبة جديدة، شيوعية. الزعيم الجديد، منغستو، قائد الثورة، المدعوم من قبل "الديرغ" (الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا)، لُقب بـ "النجاشي الأحمر" (كلمة نجاشي هي لقب نبيل إثيوبي، معادل للملك، والأحمر هو إشادة بلون الدم المسفوك والشيوعية). سرعان ما أعلن إثيوبيا دولة شيوعية علانية وحظر الدين لصالح الإلحاد. تم افتتاح عصر عمليات التطهير ضد "أعداء الثورة" بفعل رمزي للغاية: قام بتحطيم زجاجات سائل أحمر على الأرض خلال خطابه في 14 أبريل 1977. كان هذا هو ميلاد "الإرهاب الأحمر".
تشير التقديرات إلى أن "الإرهاب الأحمر" في إثيوبيا تسبب في مقتل أكثر من مليون شخص منذ عام 1975، وفقًا لمحاكمة "نورمبيرج الأفريقية" التي عُقدت بين عامي 1994 و2006.