إنَّ المتصدّي للتعامل مع الروايات الواردة في الفروع هو الفقيه، وهو على أعلى درجات التخصّص والمهنية لا يلج هذا الباب إلَّا بعد طيّ صفحات عديدة يسبر خلالها أغوار علوم شتّى، وبمستويات مختلفة من النحو والبلاغة والمنطق والدراية والرجال والحديث والأُصول وبعض مطالب علم الكلام وعلم الفلسفة. وبعد متابعة الأساتذة لسنوات عديدة في الدرس وهم يمارسون عملية الاستنباط حتَّى تحصل الملكة والأهلية عنده، فيتصدّى بعدها للاستنباط.
ولا يكون استنباطه لغيره في الفترة الأُولى، ولو قُدِّرَ له أن يستنبط لغيره فإنَّ ذلك سيكون بعد مدَّة مديدة بحسب العادة.
وأمَّا من تصدّى للكتابة والاستنباط في روايات الظهور فلم يؤخذ فيه أيّ شرط ممَّا سبق حتَّى تصدّى لهذا الباب كلّ من هبَّ ودبَّ، واقضِ عجباً ممَّا تجده قد سُطِرَ في كتبهم التي جمعت الغثّ والسمين. وحين تقرأ لبعضهم ترى خيالاً خصباً تجرَّد عن عالم الطبيعة وراح ينسج صوراً لا تمتُّ إلى الواقع بصلة.
وذهبت الأماني ببعض إلى مدى بعيد وتصوَّر أنَّه قد أتى بالعجب، وجزم في مقدّمة كتابه بأنَّ من قرأ كتابه لا يموت موتة جاهلية. ولا أتَّهم بذلك أحداً بسوء النيّة، بل إنَّ هذا وأضرابه نتيجة حتمية لفتح الباب أمام غير المتخصّص لإبداء رأيه فيما يتوقَّف على التخصّص.
نعم كتب بعض أكابر علمائنا في ذلك لكنَّهم ليسوا كثيرين، وما أكثر من كتب من غير المتخصّصين في ذلك. وبذلك يبرز أمامنا سبب إضافي لاحتمال الخطأ في التعامل مع هذه الأدلَّة لا وجود له في علم الفقه، حيث إنَّه لا يوجد تقليد في أمثال هذه المسائل، وهذه الكتب موجودة بين أيدي الناس، ومن أراد التحدّث عن هذه المواضيع ليس متخصّصاً، فيأخذ من هذه الكتب في مقام بناء رؤيته عن الظهور وعلاماته.
والحاصل أنَّ أثر هذا المبحث إنَّما يكون على غير المتخصّصين من عامّة الناس وبعض أهل الموعظة ممَّن لا تخصّص له، وهؤلاء أكثر تواصلاً مع عامّة الناس بحكم مهنتهم، وإن كانت من باب أداء الوظيفة الشرعية ونشر الوعي، والمشكلة في الموضوع أي في الصغرى والوعي المتصوَّر.
وإذا أضفنا إلى ذلك واقعاً مُرَّاً تعيشه الأُمّة يتمثَّل في ترك البحث العلمي، بل والقراءة والاختصار على السماع مع ملاحظة أنَّ المتحدّثين ليسوا من أصحاب النظر وهذا واقع لا ينكر، تبيَّن عمق المأساة واتّساع دائرة احتمال الخطأ في التصوّرات المبنية عند عامّة الناس من المتلقّين.
ومثل هذا غير موجود في عملية الاستنباط وإن كثرت دعاوى الاجتهاد في أيّامنا هذه، ولم يقترن مع كثير منها شاهد حقّ على صدقها.
المصدر: علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي
نقلاً عن موقع الحجة بن الحسن